أمد/
رسم رئيس الوزراء نواف سلام في إطلالاته الإعلامية الأخيرة صورة أوضح لمعالم الجمهورية الثالثة “لبنان الجديد” منطلقاً من أسس وقواعد خطاب القسم للرئيس جوزيف عون والبيان الوزاري للحكومة الأولى بالعهد الجديد. الرئيس سلام تحدث تحديداً عن طي صفحة الوصاية الإيرانية وسلاح حزب الله الذي بات من الماضي تماماً كما المعادلة سيئة الصيت “جيش شعب مقاومة” التي كرّست الوصاية، ـأو للدقة كانت تعبيراً عنها ودمرت البلد ومقدراته وحوّلته إلى دولة فاشلة تقريباً. سلام أكد كذلك على عودة لبنان لذاته وانفتاحه على تاريخه وثقافته وتقاليده ومحيطه العربي، ومع الإصرار على تحرير أراضيه المحتلة جاء رفض التطبيع مع إسرائيل والتأكيد على التزاماته تجاه القضية الفلسطينية ضمن العربي المشترك لإفشال المخططات الإسرائيلية في فلسطين والمنطقة، وفيما يتعلق بعنوان ومضمون المقال فلا شك أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مطالبين بقراءة خطاب ونهج العهد الجديد والتمعن جيداً في حيثياته ومضمونه وتجلياته، كما الانخراط في بناء الجمهورية الثالثة ضمن ذاكرتهم الجماعية ورؤيتهم وهويتهم الوطنية وحقوقهم المدنية في لبنان على طريق تمسكهم بحقهم الأصيل في تقرير مصيرهم والعودة إلى وطنهم فلسطين، مع الانتباه إلى التعيينات الأولى التي أصدرها الرئيس سلام تضمنت قرار تسمية “رامز دمشقية” كرئيس جديد لفريق العمل الحكومي المعني بمعالجة بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
بداية، يجب التأكيد على الدور التاريخي للبنان في دعم القضية الفلسطينية ضمن محيطه العربي وحضوره المركزي في تأسيس الجامعة العربية واستقبال اللاجئين بعد النكبة الأولى-1948- وهو كان ولا يزال ملتزماً بالإجماع العربي تجاه القضية الفلسطينية، والقيام بدوره المقاوم على طريقته، وفي الجوهر منه تقديم نموذج حضاري مزدهر مناقض لإسرائيل وينسف حجة أنها واحة الديموقراطية الوحيدة بالمنطقة.
هنا تجب الإشارة الى ضرورة عدم تحميل البلد الجميل والصغير والمقاوم أكثر ما يحتمل فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل والقاء مهمة تحرير فلسطين التاريخية والثقيلة عليه وعموماً فقد طويت الصفحة التي فتحت منذ عقود مع نهاية الوصاية الإيرانية، حيث نشهد بداية عهد جديد داعم للقضايا الفلسطينية ولكن دون عسكرة وميليشيات بينما تقوم الدولة بمسؤوليتها في تكريس سيادتها وحصرية امتلاكها للسلاح.
من هذه الزاوية تمكن قراءة تفكيك القواعد والمعسكرات الفلسطينية خارج المخيمات-البقاع والناعمة- التي كانت بخدمة نظام آل الأسد الساقط والوصاية الإيرانية، وعبء على اللاجئين أنفسهم كما القضية الفلسطينية العادلة وحاجز يحول دون إقامة علاقات سليمة مع الدولة والشعب اللبناني بشكل عام.
وعليه لم يكن مفاجئاً إنه وبمجرد سقوط النظام تم تسليم المعسكرات طوعياً وعودتها إلى سيطرة الدولة اللبنانية ومؤسساتها كما ينبغي خاصة إن لا دور لها في مواجهة إسرائيل، ولم يعد السلاح مقاوماً للأسف منذ عقود ونظرياً مع انتهاء العمل المقاوم – ثم عملياً مع اتفاق الطائف – بخروج الثورة الفلسطينية مرفوعة الرأس من بيروت -1982- بقرار شجاع من الرئيس ياسر عرفات رغم صمود أسطوري بمواجهة إسرائيل لتجنيب البلد الحبيب المقرب لقلوبنا جميعاً مزيد من الدمار، وعدم إعطاء إسرائيل حجة لذلك، ولأن كل طفل لبناني له حق عليه كما قال حرفياً الشهيد أبو عمار في تبرير قرار الخروج رغم بإمكان الصمود لأشهر طويلة لا ثلاثة فقط.
بالتوازي ثمة عمل دؤوب بعيداً عن الأنظار يتعلق بالسلاح داخل المخيمات أو تنظيمه على الأقل بمرحلة أولى مع الحفاظ على الخصوصية لكن على قاعدة سيادة الدولة واحتكارها السلاح وفرض سيطرتها على كامل أراضي الدولة اللبنانية.
نرى حراك وعمل كبير في هذا الاتجاه، وحوارات ونقاشات خلف الكواليس. ومن هنا كذلك تأتي أهمية تعيين رئيس جديد لفريق العمل الرسمي المكلف معالجة أوضاع اللاجئين على قاعدة خطاب القسم الرئاسي والبيان الوزاري الأول للعهد في لبنان الجديد. مع ذلك يجب الانتباه دوماً إلى أننا لسنا بصدد تخلى الدولة اللبنانية عن مسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية ضمن العمل العربي المشترك والمواثيق والشرعية الدولية وقراراتها.
بالسياق تسعى السلطة الفلسطينية برام الله لفرض نفسها كمحاور رئيسي على الطاولة مقابل السلطات اللبنانية ولا بأس طالما إنها القيادة الشرعية وللدقة الرسمية المعترف بها على علاّتها وكونها مبتورة وغير ميثاقية وفق المصطلحات اللبنانية الدارجة.
من زاوية أخرى هناك قيادة محلية معقولة تمثل الفلسطينيين بالمخيمات بكافة أطيافهم. والشاهد إن الفرصة متاحة في لبنان الجديد لإطلاق سيرورة جدية لنيل الحقوق المدنية للاجئين باتجاهاتها المختلفة “العمل والتملك والتنقل” دون اعتبار، ذلك مقدمة للتوطين أو النيل من حق العودة خاصة إثر هجرة متواصلة للاجئين خلال العقود الثلاثة الماضية. والآن جاء الوقت لإيقافها عبر توفير حياة كريمة ولائقة لهم.
وبناء عليه تبدو الفرصة متاحة كذلك لتأكيد دور وكالة الأونروا، ومواجهة المخططات الإسرائيلية لتفكيكها ضمن شطب الحق العودة للاجئين وإزالة القضية الفلسطينية برمتها عن جدول الأعمال.
هنا لا نقصد البتة مقايضة الحقوق مع السلاح، ولا يجب أن تكون معادلة كهذه مطروحة أصلاً حيث طويت مرحلةالعسكرة برمتها بينما تأتي سيرورة الحقوق ضمن العلاقات الأخوية وميثاق وقرارات الجامعة العربية والشرعية الدولية. علماً أن السلاح لم يعد مجدياً وفعالاً كما اتضح جلياً من قرار بعض الفصائل الخاطىء بالانخراط في جبهة المساندة الأخيرة دون مراجعة وقراءة تجارب الماضي ناهيك عن انتهاك السيادة اللبنانية، وكونها غير مجدية أو مؤثرة على حرب الإبادة الإسرائيلية بغزة.
تجب الإشارة أيضا إلى أننا سنكون ولو بعد فترة انتقالية بحاجة لقيادة فلسطينية جديدة شابة ديموقراطية ومنتخبة حزبياً ووطنياً لمواكبة الجمهورية الثالثة ولبنان الجديد وهذه السيرورة بالقطع غير منفصلة عن حراك مماثل يجري في الداخل ما بين غزة ورام الله.
في الأخير باختصار وتركيز تجب متابعة وقراءة الأجواء في لبنان الجديد وجدية العهد في تنفيذ القرارات الدولية وتحديداً 1701 بكافة تفاصيله ومندرجاته وفرض سيادة الدولة على كامل أراضيها وحصرية احتكار السلاح، ولا يجب أن يكون اللاجئون الفلسطينيون عائق أمام ذلك بأي حال من الأحوال بل عليهم المساعدة والتماهي دون أن يعني ذلك التخلي عن المطالبة بحقوقهم المدنية وروايتهم وذاكرتهم التاريخية أو التنازل عن حقهم الأصيل بتقرير المصير و العودة إلى وطنهم الأم فلسطين.