2023-12-21 19:08:35
أمد/
في جولة جديدة من جولات صراع الإرادات السياسية الدولية والإقليمية، وانعكاساتها على البؤر الساخنة في العالم ومن بينها الحرب الضّارية في غزة التي لا زالت متوشّحة الدخان والرماد، ولا زالت تواجه الوحشيّة الاسرائيليّة المتفلّتة من كلِّ عقال، والمتحللة من كل الضوابط والقوانين تحميها الثورة الأميركية على القانون الدولي والمواثيق الأممية النّاظمة للعلاقات الدوليّة والإنسانيّة، وفي خِضم هذا المشهد يدور الحديث كثيرًا في الساحة السياسية الدولية والإقليمية عن اليوم التالي للحرب على الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده ومركزها اليوم في غزة، ويذهب البعض من مُدّعي الفقه السياسي، وإن شئت القول المُتفزلكون، والسّاعون إلى الهيْمنة الكهنوتيّة السياسية، أن اليوم التالي للحرب غير واضح المعالم ويراهن على الاحتمالات غير المدعومة بالوقائع بأن الأنجلو سكسونية وفي مُقدمتها الصهيوأميركية مرتبكة وغير قادرة على رسم صورة واضحة لذاك اليوم، وفي الحقيقة إذا ما أردت معرفة ما يدور في اليوم التالي للحرب في غزة وبأسلوب علمي وموضوعي يتّفق وقواعد العمل السياسي، يجب الإدراك جيدًا لصورة اليوم السابق للحرب وماهيته ومَن الذي صنعه والمركب السياسي العالمي وتداعياته على إقليم المتوسط، والقضية الفلسطينية الحاضرة بثِقلها المركزي على كل الأجندات، ومن ثم إدراك ومعرفة سيرورة الأحداث في الحاضر، ومن يُديرها ليتبيّن للباحث عن استكشاف واستجلاء الإجابة عن السؤال الدائر، مَن يستطيع أن يحدد ملامح اليوم التالي للحرب؟ وليس ذلك فحسب بل مَن يفرضه واقعًا سياسيًا على الأرض؟، حينها سيبقى السُوَيْحِجون يعيشون في شرنقة شعاراتهم الشعبويّة، ونهجهم الوظيفي، ويُوغِلون في فرض سرديّتهم التاريخيّة، وجعلها معبدًا يُتَنسك فيه، ويُنكرون ما سواها، فيفقدون أولاً قدرتهم على بلوغ معنى الكلمة وبراءة جوهرها، ويُفْقِدون ثانيًا ثقة الشعب بنفسِه وبمُقدّراته وبأهدافه التي عاش بها وعاشت فيه، وبمستقبله الذي تضاءلت فُرصه في أن يكون على قدر آماله وتطلعاته التي رغبها، ليس لأن الحرب كما يقال يعرف أطرافها كيف تبدأ ولا يعرفون كيف تنتهي، وأن نتائجها تفرض نفسها، وإنما لمخالفة أبسط قواعد النّهج العلمي للتفكير بأن المعطيات والمقدمات وعملياتها تقود حتمًا لمخرجاتها، وفي كل الأحوال حين تضع الحرب أوزارها لا بدّ من منتصرٍ فيها و مهزوم، بغضّ النظر عن البراعة في الأداء أوالأثمان الباهظة التي يتكبّدها أطرافها.
المعادلة الصفرية التي تُكرّسها أميركا واسرائيل في التعاطي مع القضيّة الفلسطينية، حيث يَعمد نتنياهو إلى رفع الشحنات السالبة على طريقة الأرض المحروقة سياسيًا فنجده يُصَعد في تصريحاته ضدّ السلطة ومنظمة التحرير و حركة حماس في آن واحد مما يثير القلق السياسي في الإقليم، وفي المقابل نجد أميركا ترفع بالشحنات الإيجابية وتؤكّد مسار حلّ الدولتين الهلامي وضرورة تحمّل السلطة لمسؤولياتها في الضفة الغربية وغزة، ليهرع القلِقون والمتوجّسون على مستقبلهم السياسي والمستقبل الوجودي لأحزابهم، إلى تبنّي الرؤية الأميركية، ومع مرور الوقت وخفوت نار الحرب في غزة ستبدأ اسرائيل في تخفيض الشحنات السالبة في لهجتها ويقابلها تخفيض أميركي في الشحنات الموجبة في تصريحاتها الإيجابية، لنصل إلى المُحصّلة صفر في الناتج النهائي .
المهم والأهم للخروج من هذه المعادلة وتأثيرها المباشر على القضية الفلسطينية ألا نذهب نحن الفلسطينيون في طريق استمرار المأساة والجريمة السياسية بخلافاتنا وأطماعنا على الحكم والهيْمنة، ومن يُمثّل ومن لا يُمثل وتبنّي رؤية البديل التي ليس لها معنى في الصراع على الأوضاع الجديدة التي ستفرضها نتائج هذه الحرب .
حذارِ حذارِ من الوقوع في خطيئة تحوير احتضان الشعب الفلسطيني لآماله في دحْر الاحتلال والعيش بكرامة لجهة مفهوم الشرعيّة الثوريّة التي تصادر إرادة الشعب وحقه في اختيار نظامه السياسي ومُمثّليه، وتفتح مصارع الأبواب لتقويض حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير عبر خلق نظام انفصالي جديد .