أمد/
ربما هي الكاتبة الوحيدة من سلسلة أسماء من هم في القلب التي بقيت متفرّجا أمام كثافة المعلومات وزخم تصنعه هذه الكاتبة، التي تعرفت عليها من خلال كتاب يؤرخ للرّوح الفلسطينيّة منهجا وتاريخا وإضافات.. كتاب بعنوان :
” رسائل من القدس وإليها ” جمعها بالأديب الفلسطينيّ المعروف جميل السّلحوت، صدر الكتاب عام 2022 عن مكتبة كل شيء في حيفا، بعثت لي مشكورة نسخة إلكترونيّة منه؛ لأجد ذاتي تنغمس في مضمونه، وكلّي فرح أن أطالع محطّات ورؤى وتاريخا ومشاهد وحكايات ومتابعات، واكبت جيدا هاجس كتاب يرصد مشاهد وشواهد، تحيلك على أن تعيش ذكريات وإحالات، تلوّن المشهد الرّائع لهؤلاء الذين تميّزت كتاباتهم بالإضافات الواعية وبتجارب خاصّة، تلازم ذواتهم ونهجهم الواعي في عالم الكتابة ..
كنت أتواصل معها من لحظة عشت مضامين ذلك الكتاب الخالد “رسائل من القدس وإليها” جمعني التّواصل بكاتبة فلسطينية هي ” صباح بشير”، التي لم يكن تناغمي معها مجرّد رقم إنسانيّ عرفته كي أضمّها لقائمتي الرقميّة، بل كان تواصلا هادفا ومشتركا وإنسانيّا، لمست من خلاله هذا الكمّ الهائل من المحبّة التي تغدقها الكاتبة الرّوائيّة صباح بشير في كلّ ومضة كتبتها.
كانت تتابع مقالاتي وكذا ومضاتي، تتابع حتى ما أكتبه في الشّأن الجزائريّ، خاصّة ما تعلّق بالمناسبات الوطنيّة، كانت تؤشّر لي بالتّعاليق حتى في لقطات تتعلّق بتلك الومضات التي تربطك بالمكان والكينونة. إنسانة راقية رصدها المعنى والقلب، كنت أطالع جديد ما يكتبه النّقاد فيها، سيل من دراسات تضمّن تخمين كلّ كاتب، رصدت إصدارها الذي كان يؤشّر للرّوح الفلسطينيّة وللكينونة الإنسانيّة التي رافقت منهجا جادّا وواعيا ونضاليّا، ارتبط بنا حتّى نحن في الجزائر، الذين كنّا على صلة بالنّضال الوطنيّ.
“صباح بشير” كانت تصنع الجديد الثقافيّ، في كلّ مكان ارتبط اسمها بحراك ثقافيّ تصنعه هذه الكبيرة ضمن نشاطاتها الثقافيّة في نادي حيفا الثقافيّ، وهناك يرتسم المشهد جميلا وأنت تعيش أطوار ندوة ثقافيّة فيها كلّ تلك الإضافات من أسماء تصنع الجديد الإبداعيّ والفنيّ، تلازم الشّعر والقصّة والومضة والخاطرة والفكر، و ما الى ذلك من الجديد المتجدّد، مما يصنعه كبار الفكر والإبداع، وأسماء دأبت الحضور للنّادي كي تصنع الحدث الثقافيّ المميّز .
صفحة الكاتبة صباح بشير لم تكن مضامين لعروض الأزياء وجديد صناعات مواد التجميل، بل كانت كلّها لقاءات تجمعك بالجديد المتجدّد وبتجارب من هنا وهناك، وتسهر الكاتبة الراقية بشير على ترسيم ذلك الوعيّ الثقافيّ والقيميّ والحضاريّ؛ لتنسج خلاصة هي عين تخمين من يرافقونها في نادي حيفا الثقافيّ، الذي بقى حتى السّاعة يصنع الجديد ويلازم الشأن الثقافيّ، بروح عصريّة ومتحضّرة، باعثة على الفكر الواعي بعيدا عن الهرطقة الزّائدة، وعلى رؤى لا تليق بالأهداف التي يسطّرها عادة منهج عمل نادي حيفا الثقافيّ.
كتاب الرّسائل التي جمعها بالأديب الرّوائيّ الفلسطينيّ الكبير جميل السّلحوت، ألهمني رؤية كنت أحبّبت قراءتها ومطالعتها من خلال ما هو متعارف عليه ب ” أدب الرّسائل” حينما قرأت يوما منبهرا وتعلّمت فعلا وغصت بتاريخ عام 1987، بما كنّا نطالعه أسبوعيّا بشوق ومن باريس عبر ما كان يهندسه كبار فلسطين، الشّاعر الكبير محمود درويش من المهاجر الأوروبيّة وسميح القاسم من فلسطين، عبر كتاب “الرّسائل”.. قرأنا تلك الحلقات التي تؤشّر لرؤية فلسطينيّة خالصة، حيث عشت شخصيا هوسا من احتراق إبداعيّ جميل، تلوّنه الرّسائل المختلفة للرّاحلين معا سميح القاسم، ومحمود درويش.
كذلك كانت رسائل الكاتبة صباح بشير وجميل السّلحوت، نعيش عبرها زخما معلوماتيا كبيرا، ذكّرتي بما كان يصنعه الكبار عبر تاريخ من كانوا يصنعون هاجسا أدبيّا ومعلوماتيّا تصنعه حبكة الرّسائل، وحراكها العجيب في جلب المعلومات وتسويقها للقارئ؛ كي يعيش المعلومة والهاجس وتلك الرّوح النفسيّة التي تلازم رحيقا تصنعه صور من مشاهد الحياة .
وكذلك عبر التّاريخ عايشنا هذه الفصول الجميلة، تصنعها لغة الرّسائل كتلك الرّسائل المتبادلة بين ” غسان كنفاني ” و” غادة السمان، ” وبين ” غادة السّمان ” و” أنسي الحاج “، ورسائل
” مي زيادة ” إلى “جبران “، ورسائل “الرّافعي” إلى “مي زيادة”.
تاريخ حافل بالرّسائل التي واكبت سيلا من تفاصيل تصنعها لغة الرّسائل، تمنح الأطراف متعة معلوماتيّة راقية وتحيلنا نحن على سرد من فرح .
كذلك صنعت صباح بشير وجميل السّلحوت هذا الأثر الجميل من معايشات لهما في فلسطين وخارجها في أوروبا وأمريكا ومناطق زارها كلاهما، يمنحان القارئ روحانيّة مشهد يعايشه هؤلاء الذين يصنعون الجديد من خلال معايشاتهم المختلفة .
كتب الأديب جميل السّلحوت في إحدى رسائله الى الكاتبة الرّوائيّة صباح بشير:
” زرت عام 2015 مع وفد من وزارة الثقافة الفلسطينيّة الجزائر الشقيقة، لمست التحام الشّعب الجزائريّ مع الشّعب الفلسطينيّ، وقضيتنا العادلة، فهم فلسطينيّون مثلنا وأكثر.
وينظرون الينا بقداسة، شاهدت لافتات مثبّتة ودائمة في الشّوارع، تحمل شعارا للرّئيس الرّاحل هواري بومدين “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”،” استقلال الجزائر منقوص مادامت فلسطين محتلة”.
وفي رسالة أخرى من صباح بشير إلى جميل السّلحوت :
” كانت ولا تزال في وسط بيتنا زاوية مميّزة تضمّ مكتبة خاصّة لوالدي، تدهشني بكلّ ما تحتويه من الكتب الثّقافيّة والأدبيّة، وغيرها من كتب علم النّفس التي كان والدي شغوفا بها، كان يشرف بنفسه على ترتيبها فيقسّم الكتب إلى مجموعات، يضع الموسوعات والكتب القيّمة في الرّفوف العليا، وفي الرّفوف التي تليها يرتّب ما بقي من الكتب تبعا لحجمها ومحتواها، كانت أمّي تتدخّل أحيانا، فتعيد التّرتيب بلمستها الفنّيّة الجميلة، وتضيف بعض اللّوحات الصّغيرة والتّماثيل المنحوتة، ممّا يضفي على المكتبة سحرا خاصا وبعدا ثقافيّا آخر، فيتحوّل ذلك الرّكن من البيت إلى نقطة جماليّة مبهرة مميزة.
حوّلتني تلك المكتبة لقارئة شرهة، كنت أنظر إلى تلك الزّاوية من المكتبة على أنّها ملكي الخاصّ، فقد كان إخوتي يفضلون اللّعب على القراءة، لذا كنت أشعر بالتّفرد، وأنّ تلك الزّاوية تخصّني وحدي، فهي تنقلني دون حواجز إلى عوالم أخرى أقابل فيها شخصيّات مميّزة، ذات فكر تاريخيّ، إنتاج وأدب.
كان والدي يعمل معلما في إحدى المدارس الإعداديّة، كنت أفرح بعودته، فهو دائما ما يحمل الجديد من الكتب، كان يتوجّه مباشرة إلى المكتبة، فأشرع في مراقبته وانتظار حصّتي من القصص، ويا لفرحتي فهو لم يخذلني أبدا، كان يفرغ حقيبته الصّغيرة، تلك التي كان يضع فيها دفاتر العلامات الطّلابيّة وكتب المنهاج الدّراسيّ، فيخرج منها ما ابتاعه خصّيصا لنا، يعرضه مبتسما بهيبة وحنان، باسطا محبّته الكبيرة في قلوبنا الصّغيرة”.
سيرة ذاتية:
الكاتبة صباح بَشير:
بكالوريوس علوم اجتماعيّة وإنسانيّة.
ماجستير دراسات ثقافيّة.
طالبة دكتوراة في موضوع علم الإجتماع التطبيقي.
صدر للكاتبة: “رسائل من القدس وإليها” وهو كتاب مشترك مع الأديب جميل السّلحوت.
* رواية بعنوان: “رحلة إلى ذات امرأة” وهي رواية تغوص في أعماق النّفس الأنثويّة، وتسلّط الضّوء على رحلتها في الحياة.
كتاب نقدي بعنوان: “شذرات نقديّة”…صادر مؤخرا عن دار الشّامل للنّشر والتّوزيع في نابلس، وبالتّعاون مع نادي حيفا الثقافيّ، يقع في (327) صفحة من القطع الكبير، وقد أهدته بشير إلى والدتها، وإلى روح والدها، تقديرا لفضلهما ودعمهما لها في مسيرتها الثقافيّة.
يضمّ الكتاب مجموعة من المقالات النّقديّة التي تناولت بعض الأعمال الأدبيّة العربيّة والمحلّيّة، وتتنوَّع بين تحليلات نقديّة لأعمال روائيّة وقصصيّة وشعريّة، ودراسات أدبيّة، قسم منها تمّت كتابتها بهدف إلقائها في نادي حيفا الثقافيّ، كمحاضرات قصيرة ومداخلات مختصرة.
اشتمل كتاب “شذرات نقديّة” على قراءات لأعمال عدد من الأدباء المرموقين محليّا وعربيّا، من بينهم: الكويتيّ إسماعيل فهد إسماعيل، الجزائريّ واسيني الأعرج، الأردنيّ يحيى القيسي، والأردنيّة أمل المشايخ.
وهي ناشطة ثقافيّة واجتماعيّة، وعملت في مؤسّسات إنسانيّة واجتماعيّة، وشاركت الكاتبة صباح بشير في إعداد سلسة من الكتب التوثيقيّة لنادي حيفا الثّقافيّ.
عملت مديرة تنفيذية لمؤسسة المنار المقدسيّة، التي تسلّط الضوء إعلاميّا على قضايا المرأة الفلسطينيّة ..
قامت بتمثيل هذه المؤسسة محليّا ودوليّا وكان يصدر عنها مجلة بعنوان “منارة القدس” التي كانت تكتب فيها تحرّرها، كما شاركت في العديد من المؤتمرات وورشات عمل والنّدوات في البلاد وخارجها..
عَمِلت في التّحرير وكتابة المحتوى، وتكتب في الصّحف العربيّة والمحليّة.
عَمِلت محاضرة لفترة في كلّية إعداد المعلمين “بيت بيرل”.
مديرة تحرير موقع نادي حيفا الثّقافيّ.
وعن هاجس الكتابة تقول الكاتبة صباح بشير :
” لطالما سكنني هاجس الكتابة، وأشعرني بارتباطي الإنسانيّ مع الحياة، فالكتابة نور يتسلّل إلى شغاف القلب ليبدّد ظلمته، تخلق لي جناحين من شغف، أطير بهما، فأرى نفسي ومواقفي وشخصيّتي بشفافيّة ووضوح، ويا لقوّتها وجمالها فهي الشّاهد الصّامت الحيّ على الحياة، عالم خلق وعطاء، ومتعة تولد في حياة الكاتب وتكبر معه، كفعل حريّة وحبّ عظيم”.
وكتبت أيضا رؤية جادّة، لها ذلك البعد القيـميّ المتميّز :
” كم أنا آسفة حين تحكمنا المناطقيّة والجِهَوِيّة، وتقيّدنا حدود الجغرافيا. أؤمن أنّ الإنسانيّة هي هُوِيّتي الحقيقيّة، وأنّ حدود الجغرافيا لا تقاس بالكيلومترات، بل بمدى اتّساع آفاقنا ونبل مشاعرنا، من العيب أن تكون النّخبة من مثقّفينا مناطقيين! فالمثقّف الحقيقيّ هو الذي يؤمن بوحدة الإنسانيّة، وأنّنا جميعا ننتمي إلى عائلة واحدة، هي عائلة الإنسانيّة”.
كذلك عايشتُ حرف الكاتبة صباح بشير التي وضعتها مذ عرفتها في قائمة من رصدهم القلب واحدة من عشيرتي ومن قبيلتي، واحدة هي من عائلتي، واحدة و كما ترون ، هي فعلا في القلب.
2 نيسان-ابريل 2024