أمد/
هناك لغة أخرى لحل الأزمات غير لغة القتل.
يبدو أنه فعلا إن إسرائيل لا تريد السلام، فقط تريد استسلامنا جميعا.
رجل حماس القوي، على أكثر من صعيد، أي رجل الفصائل، ورجل الوحدة الوطنية بامتياز. أي رجل السلام الممكن الذي ارتقبناه، بما توقعناه سابقا ولاحقا، بما كان ممكنا فعلا، بما امتاز من جدية وحسم سياسي.
فعل غير حكيم، لا ينظر الى المستقبل، فليس لدى إسرائيل بعد نظر، بل قصر نظر يتأكد كل يوم؛ فلو امتلكت الحكمة لما اغتالت الشهيد صالح العاروري، الرجل الثاني في المكتب السياسي لحماس، وهو أحد الشخصيات القيادية التي تحظى بإجماع فصائل العمل الوطني والإسلامي؛ فمن ستفاوض إسرائيل مستقبلا؟ لأنه بعد كل حرب وخلالها ليس للمتحاربين غنى عن التفاوض. فكيف تقتل إسرائيل مفاوضا بارعا قويا؟ ألا يدل ذلك على أن إسرائيل غير جادة في عملية السلام؟
ولأن إسرائيل غير جادة في التسوية السياسية، فإن لها مصلحة كبرى في إعاقة العمل السياسي الفلسطيني المرتكز الى الوحدة الوطنية، لذلك فقد اغتالت أحد مفاتيح المصالحة الفلسطينية. لقد عرفنا العاروري بأنه من أبرز المدافعين عن المصالحة، وهو يحظى برضا شعبي وسياسي، خاصة من قبل حركة فتح.
لقد فاوضت إسرائيل صالح العاروري بشكل غير مباشر في أكثر من محطة سياسية، بصفته عضوا في المكتب السياسي لحركة حماس، كذلك بصفته أحد القادة الأقرب لشباب حركة حماس. لذلك فهو يحظى باحترام داخل حركة حماس.
هو القيادي القوي، والسياسي معا، الذي هدفت إسرائيل الى ضرب حركة حماس في مقتل، خاصة أنه يعمل على أكثر من ساح؛ فهو في الوقت الذي يبدع سياسيا من خلال وجوده في قطر الشقيقة، فإنه يعمق علاقات الحركة مع حزب الله الحليف اللبناني القوي على حدود فلسطين الشمالية.
من ناحية أخرى، باعتبار ان العاروري تجتمع فيه ما ذكرنا من فعل سياسي وعسكري، فقد تأهل ليلعب دورا عربيا وإقليميا، كونه ممثل حركة حماس حر الحركة خارج الوطن.
صحيح أن اغتيال العاروري سيخلق فراغا ما في داخل حركة حماس، لكنه في الوقت نفسه، فإن إسرائيل ستؤذي نفسها بما يمكن أن يكون من أفعال انفعالية مستقبلا، أي إن إسرائيل أيضا خاسرة باستهداف العاروري.
الاستخلاص الرئيس والمهم، يجب كف المؤسسات الإسرائيلية يد رئيس الوزراء نتنياهو عن سياسة الاغتيالات الفاشلة، كذلك على الدول الحليفة لإسرائيل والدول ذات النفوذ، والدول التي لها علاقات ما مع إسرائيل أن تكف يد المغتالين عن مواصلة الاغتيالات.
إن استقصاء سياسة اغتيالات القادة الفلسطينية يدل على عدم صفاء نوايا صناع القرار داخل إسرائيل، فإذا أرادت إسرائيل قتلهم، فمع من ستتحدث مستقبلا، وهي التي ستحتاج للتحدث، والتحدث يحتاج الى قادة حقيقين لديهم تأثير وعليهم إجماع. هكذا فعلت إسرائيل من عقود، ولم تكن النتائج الا استمرار الصراع لا وقفه.
إن لجوء إسرائيل الى سياسة الاغتيالات يدل على ضعف سياسي وعسكري، ومحاولة للتعويض عن الفشل على أكثر من مستوى.
لو امتلكت إسرائيل الحكمة، خاصة أنها تعرف أن النتيجة دوما هي خاسر خاسر، وأنه بالرغم مما شابه العبور من أخطاء، فإن الحل كان وما زال سياسيا.
لكن يبدو أن الخسارة الإسرائيلية في ازدياد؛ فلا رابط حقيقي بين اغتيال العاروري وتحقيق الأمن من المنظور الإسرائيلي، فلا يتوقع أن الجمهور الإسرائيلي سيسترد ثقته بجيشه، الذي هو نفسه بات غير واثق بنفسه.
إذن فقد كان الفعل من قبل نتنياهو "هواة مفارق"، كما يقول المثل الشعبي، والذي يعني أن المغادر في مثل هذه الجولات التي تكون نتيجتها الخسران، يضرب آخر سهم في جعبته.
ترى من سينصح إسرائيل بفتح طرق جديدة للحلول السياسية؟ وهل سيقبل الجيش والمؤسسة الأمنية بساسة مقامرين مغامرين؟
لغة القتل لا تفيد القاتل، ولا تدفع الطرف الآخر للاستسلام، هناك لغة أخرى للحلول؛ فقد آن الأوان للبحث عن لغة مفهومة تؤتي نتاجا طيبا.
فهل سنبدأ مسلسل الاغتيالات والتفجيرات؟
في اليوم الثاني لاغتيال صالح العاروري، يقتل انفجار في إيران عشرات الأبرياء. انه فعل إجرامي من فعل فاعل، ربما سيصعب تحديد هوية المجرم ومن ورائه، لكن المؤكد هو أنه يأتي في سياق حروب ونزاعات معقدة.
لغة القتل-الحرب، تجارة السلاح، والسيطرة، لغة لا تؤدي لمصلحة الشعوب، بل لمصلحة أفراد وجماعات لا تعرف للإنسانية مكانا.
أما اللغة المناسبة للإنسانية، فهي لغة حق الشعوب في تقرير مصيرها، وإنهاء السيطرة والاحتلال والاستعمار.
فهل ستنضج حكومات إسرائيل وترتقي لهذه اللغة؟
وهل سينضج العالم للنظر بموضوعية لما يجري في فلسطين؟
وهل سنجد نحن الطريق الأمثل لتحقيق أهدافنا؟
حل القضية الفلسطينية هو حل سياسي، يشترك في التفاوض عن الجانب الفلسطيني ممثلون عنه، تجمعهم منظمة التحرير الفلسطينية. إن أي وسيط نزيه بيننا وبين الاحتلال يدرك أهمية تحقيق الوحدة الوطنية، حتى يكون الطريق السياسي طريقا للجميع، يجنبنا تبريرات الاحتلال الرافضة لدفع استحقاقات أية تسوية سياسية عادلة.
إن أي طرف أو حلف سياسي في العالم، يمنع هذا الطريق، يعني أنه يستفيد من استمرار هذا الصراع، فلا أمان له ولا احترام لرأيه.
من يريد صنع السلام الحقيقي، فإنه يعرف طريقه ولغته، والتي ليست منها لا قتل الشعوب ولا قادتها، بل ترك مسافة يجنح بها للسلام.
اقتتل الساسة الإسرائيليون، ساسة الاحتلال، في مجالسهم، الحكومة، والمجلس المصغّر، ما يعني التخبط وعدم الحكمة، والمخفي أعظم، في ظل فتح الجيش تحقيقا عن السابع من أكتوبر، في ظل اتهام بن غفير لمن فتحوا التحقيق متهما الجيش بأنه وراء ما حصل، بسبب انسحاب عام 2005، أي أنه وآخرون ما زال يؤمنون فعلا بنهج الاحتلال الاستيطاني والنفي، لكن لن تجدي هذه اللغة، فلا هي لغة عصر ولا بشر.
كان عمر الشهيد صالح العاروري عاما واحدا عندما وقعت عارورة بلده والضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967. وكان ابن عشرين عاما عندما انطلقت انتفاضة الحجارة عام 1987. وهكذا سيكبر الفتى ليجد حياته كلها تحت الاحتلال، فكم من فلسطيني وفلسطينية من هو مولود بعد عام 1967؟ وماذا يعني أن معظم الشعب الفلسطيني الآن قد ولدوا تحت الاحتلال؟
وأخيرا، إن كان هدف الاحتلال من الاغتيال يصب في مصلحته، فإن اختيار طرق أخرى تتجنب القتل، ستكون أكثر ضمانا لتحقيق المصلحة المستدامة.