أنور يوسف أبو اصليح
أمد/ إن المافيا جريمة ولكن بطابع تقليدي أنيق ؛ أنا لا أتحدث كثيرا عن المافيا الحديثة لأن المافيا الحديثة تغيرت كثيرا مقارنة بالمافيا التقليدية ، مافيا صقلية ومافيا نيويورك ، العائلات الإجرامية التي ألهمت أعظم الكتاب ومخرجي الأفلام في السينما العالمية ، لكن ما الفرق بينهم ؟ ما الفرق بين المافيا التقليدية والمافيا الحديثة !
حين أقول لك مافيا تقليدية فأنا أقصد بالضبط رجلا مثل فيتو كورليوني ، شخصية تؤمن بالشرف والعائلة والجانب النبيل ، هؤلاء القوم مارسوا الجريمة بطابع نبيل ، أجرموا بشكل يجبرك على إحترامهم ، لم يقتلوا الأبرياء ولم يسرقوا الضعفاء ، ولم يقطعوا الطريق على أحد ، وحتى رواية العراب تعالج هذا الموضوع بشكل بارز لما قصد فيرجل سولوزو دون فيتو من أجل تمويل مشروعه لإنتاج المخدرات ، الدون رفض فكاد يدفع حياته ثمنا لرفضه ، وسبب رفض الدون فيتو المخدرات لم يكن فقط بسبب خوفه على نفوذه ومصالحه ، بل لإيمانه أيضا بأن هذه المادة تفسد المجتمع وتتغلغل داخل شرايينه وجذوره ، هي ليست مثل الدعارة والقمار مجرد نزوات يقصدها الرجال على هامش المجتمع ، كان يعرف أن المخدرات تدخل للعمق ، للداخل ، فلا تفرق بين كبير أو صغير ، تفسد الجميع وتنهار بسببها القيم ويصبح الفقراء بسببها مستعبدين لدى الأغنياء ولا تقوم لهم قائمة بسببها أبدا ..
فساد الدعارة والقمار كان فسادا آنيا ، لكن المخدرات كانت تفسد الحاضر والمستقبل ،، ولذلك رفض دون فيتو إنتاجها ، لأنه رجل مافيا تقليدي يؤمن بأن القيم اولى عنده من المال.
الآن الأمور تبدلت كثيرا ، المافيا أصبحت أكثر تعلقا بالأموال وجني الأموال مهما كانت النتيجة ، وهي أحد العيوب التي يلام عليها سلفاتوري توتو رينا ، حتى انهم في صقلية يقولون أن هذا الرجل هو من ذبح المافيا ، لأنه منحها ذلك الطابع الوحشي الذي لا يؤمن بأي شيء سوى جني المال ، توتو رينا لم يكن رجل قيم ومبادئ، كان باختصار شديد مثلما لقبه أهل صقلية ، وحش .. كان بالكاد يجيد النطق ، متوحش ، قاتل لا يعرف الرحمة ، تحولت صقلية في وقته إلى شارع كولومبي ، لم يكن يرحم أحدا يقف في طريقه حتى وصل به الأمر إلى تفجير سيارة القاضي الشهير جيوفاني فالكوني .
بسبب وحشية توتو رينا الكثير من رجال المافيا خانو الكوزا نوسترا ولجأوا للعدالة للاعتراف والإحتماء بالقانون ، لأن المافيا لم تعد تلك العائلة التي تحمي اولادها وتشعرهم بالإنتماء ، أصبحت أكثر وحشية ودموية وكل من يخطئ تتم تصفيته ، ولذلك وقعت خيانات عظمى داخل صفوف الكوزا نوسترا في زمن توتو رينا حتى أطاحت الخيانة به هو شخصيا …
كما يحدث هذا اليوم نمو حاد للمافيا الوحشية هنا في قطاع غزة تحت مسميات كثيرة أهمها التجارة والمساعدات الإنسانية والحماية مقابل الغذاء ، حتى باتت الحكومة نفسها تعمل وفق نظام مافياتي بحت ، الأمر الذي خلق من أطفال دون السن القانونية أن يقوموا بتنظيم عصابات صغيرة تبدأ بالنمو بالسطو المسلح وتنتهي بالقتل وحدث هذا عدة مرات .
وللحديث أيضا عن التجار في ظل حرب ضروس يعيشها سكان قطاع غزة فهم أيضا يعملون وفق منظومة المافيا الوحشية التي هدفها الوحيد هو جني الكثير من الأموال من خلال رفع الأسعار لمئات أضعاف سعرها الحقيقي ، كل هذا يحدث في ضل حالة من الفلتان والفوضى ، وأنا هنا لن أذكر أسماء هذه الفئة الضالة من هؤلاء القتلة الذين يقومون بالتنكيل بأبناء جلدتهم المقهورين والمسحوقين وفق ما يميلي عليهم جيبهم وكروشهم المتدلية .
أيضا بات هناك حركة نشطة لمافيا الدعارة والفساد الأخلاقي وأيضا يعملون وفق آلية منظمة والأمر الذي يساعد على نمو مثل هذه المافيا هو غياب قوة القانون بالكامل بفعل الحرب ، وأيضا اختلاط ثقافات المجتمع ببعضها ووجودهم داخل مخيمات غير منظمة هنا وهناك .
كل هذا يحدث في ظل غياب قوة القانون وانعدام تام للسلطات الثلاث النافذ حكمها في البلاد ، وهذا الأمر سرعان ما يأخذ البلاد إلى انعدام تام بالمنظومة الأخلاقية ، والتشوه التام بالروابط الإجتماعية وتقطيع أوصالها .