علاء مطر
أمد/ ثلاثة أشهر كاملة، وإسرائيل تهدد وتلوّح باجتياح رفح، ومصر تضع خطوط حمراء، والعرب والمسلمون يحذرون، والعالم يتأهب ويشدد على أهمية إخلاء وحماية المدنيين، وأمريكا تهدد، ومجلس الأمن يحذر، وأحاديث عن مناطق آمنة، واحتلال لمعبري كرم أبو سالم ورفح، ومليون ونصف المليون فلسطيني ينزوحون بالنزوح خارجها، هائمين على وجوههم ضائعين تائهين بلا وجهة ولا مكان آمن… وقبل أسبوع يخرج القيادي البارز في حركة حماس موسى أبو مرزوق بتصريح أقل ما يمكن وصفه بأنه “مستهجن” عندما خاطب الجيش الإسرائيلي في أحد لقاءاته الصحفية قائلا: “هاجِم رفح وخلّصنا..هو في حد مانعك؟”.
لقد صدق أبو مرزوق، الهارب المقيم قطر هو وجميع عائلته، فلا أحد يستطيع أن يمنع الجيش الإسرائيلي من مهاجمة رفح، مثلما لم يستطع أحد أن يمنعه من قبل والأن من مهاجمة شمال غزة ومدينة غزة والبريج والمغازي وإبادة خانيونس مسقط رأس أبو مرزوق، للأسف هذا أحد المسؤولين عن حياتنا وأحد أعضاء الوفد المفاوض الذي يقرر مستقبلنا في غزة.
لقد نسي أبو مرزوق، بأن الجيش الإسرائيلي قد فعل ما شاء في الشمال وغزة وخانيونس وكل مدن القطاع، وارتكب مجازر يعجز اللسان عن وصفها، واقتحم كل البيوت واعتقل خيرة شبابنا، ودمّر وسفك دماء أهلنا هناك.
يثبت أبو مرزوق وهنية والحية من قبله وجميع القيادات الذين يعيشون في تركيا وقطر، بأن نظرتهم السياسية قاصرة، خاصة بعد أن أقدموا على عملية السابع من أكتوبر دون التفكير فيما بعد ذلك من ردة فعل، لم يضعوا خطة لحماية غزة وأهلها، فكروا فقط في حلفاءهم، ولم يفكروا في إسرائيل وحلفاءها، وكان واضح ذلك في تصريحاتهم السابقة والتي تقول: “لقد تفاجأنا برد فعل الاحتلال”، والأكيد أن الوقت الذي ستعترفون -مثلما اعترف من قبلكم نصر الله- بأن السابع من أكتوبر كان مغامرة، وأنه كان الأولى ألا يتم استنزاف قدراتكم العسكرية والمدنية وقدرات القطاع المحاصر بسببكم في “عملية عسكرية” غير مضمونة النتائج، وتسببت في أكل الأخضر واليابس، وأعادت غزة إلى العصر الحجري.
هكذا وصلنا إلى المرحلة التي لا يمكن وصفها لا بقلم ولا صورة ولا مشهد، ما يحدث ضد قطاع غزة الآن يا سيد أبو مرزوق فظيع سادي وحاقد، فبدلا من دعوة الجيش الإسرائيلي إلى مهاجمة رفح، كان عليك بذل كل الجهود لوقف حرب الإبادة التي يتعرض لها شعبنا، والنزول عن الشجرة وتوقيع أي اتفاق يوقف هذا العدوان المريب، فلا يمكن أن يُترك قطاع غزة وحده بهذه الطريقة، بينما أنتم كما العالم تشاهدون وتراقبون، وتدّعون وتتغنون بـ”صمود” شعبنا، هذه “مراهقة سياسية” إن كنا نتحدث عن معركة من أجل وطن.
إن المشاهد القادمة من رفـح هذه الأيام أشبه بمشاهد يوم القيامة، الناس يفرون من بيوتهم، والنازحون يمشون على أقدامهم، ويتركون كل شيء وراءهم، يجلسون على جوانب الطرقات، وحمم القصف الإسرائيلي تحيط بهم من كل جانب، ولا يعرفون ماذا يصنعون ولا أين يذهبون، فإذا كان أبو مرزوق وقيادة حماس لا يرون ذلك ولا يشعرون بمعاناة شعبهم، فالمصيبة عظيمة.
وكلما تابعت الأخبار، وتصريحات قادتهم ومن حولهم ممن يسبقون اسمهم على مواقع التواصل الاجتماعي بكلمة “محلل سياسي”، ويصدعون رؤوسنا بكلماتهم وشعاراتهم الرنانة التي يدونونها وهم يجلسون على مقاهي الدوحة وإسطنبول قائلين: “إن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها من الحرب على غزة!!”، أشعر بغضب كبير، لأنهم يبيعون الوهم للناس، فالحقيقة أن إسرائيل لم تفشل، ونجحت بشكل كبير في تحقيق أهدافها العلنية والخفية.
ومما يزيد مقتك قولهم: “إن إسرائيل لم تنجح إلا بالتدمير والقتل!”، وكأن هذان الأمران بسيطان، وكأن لإسرائيل هدف غير هذا الهدف الذي تسعى إليه بكل قوة، وهو تدمير القطاع وتحويله إلى مكان غير صالح للناس، حتى يهجره الناس إلى الخارج، فيما تخدع إسرائيل حماس والعالم بأن هدفها هو القضاء على التنظيم، تفكيك الألوية المتبقية في رفح، وهذا ما دفع قادة التنظيم إلى بيع الوهم لأهل القطاع بأن إسرائيل فشلت وأن التنظيم باق ويتمدد.
لكن، ما قيمة بقاء حركة حماس؟ عندما انهارت بلادنا ودمرت إسرائيل كل مدننا وانتظر الناس أقرب فرصة للهجرة؟، كفاكم تصريحات هنا وهناك بأن إسرائيل فاشلة وتتخبط.. وكفى أبو مرزوق وغيره بإطلاق تصريحات واهية، وسارعوا إلى وقف الحرب بأي ثمن .. فما الذي يمنعكم؟ أو بلغة القيادي أبو مرزوق “أوقف الحرب وخلّصنا..هو في حد مانعك؟”.