كتب حسن عصفور/ يحفظ سجل الذاكرة الأرشيفية حادثة باتت تاريخية، رغم الاختلاف على صحتها أو حدوثها، ما عرف بـ "حذاء خروتشوف" خلال رده على مندوب دولة القلبيين عندما تطاول على الاتحاد السوفيتي، في أكتوبر 1960، رغم ان الكثيرين يعتقدون أنها جاءت ردا على عدوان الاستعمار الثلاثي (بريطانيا، فرنسا ودولة الفاشية إسرائيل) عام 1956، لكن الحقيقة غير ذلك.
بعد 63 عاما وفي يوم 24 أكتوبر 2023، خرج الأمين العام للأمم المتحدة عن "تقليد القلق" الذي التزم به من سبقوه في منصبه، عندما تناول القضية الفلسطينية وما يتعلق بدولة الاحتلال، باعتباره "التعبير الآمن" لمسارهم، تجنبا لأي غضب مفاجئ من أمريكا (الراعي الرسمي لكل عدوان وجريمة حرب في عالمنا المعاصر)، وأداتها التنفيذية الحركة الصهيونية وكيانها المتقدم في منطقة الشرق الأوسط إسرائيل.
البرتغالي أنطونيو غوتيريش، عاد إلى أصل الحكاية عندما بدأ كلمته في مجلس الأمن، بأن القضية المركزية لما حدث ويحدث، يتصل باحتلال دولة الكيان لأرض فلسطين، وأن حادثة 7 أكتوبر التي نفذتها قوات حمساوية لم تأت من فراغ، بل هي رد فعل على الفعل الاحتلالي، وهي الجملة السياسية الأهم، التي عمل "التحالف الاستعماري الغربي" بقيادة أمريكا، أن تشطبها كليا من مجرى الصراع، وعملت جاهدة بأن تظهر المسألة وكأنها "حادثة عدوانية" لا أكثر، لتبدأ تجهيز حرب شمولية على قطاع غزة مقدمة لما سيكون.
غوتيريش، تذكر بموضوعية وشجاعة في آن، كل قرارات الشرعية الدولية التي يحمل لواء الدفاع عنها والعمل على تنفيذها، وخرج عن النمط السائد في سلوك أي أمين عام سابق، وعاد الى سجل السويدي داغ همرشلد (المطرقة والدرع) – قتل لاحقا عام 1961 لأسباب لا تزال مجهولة – عندما خاطب مجلس الأمن في جلسة طارئة 1956 بعد العدوان الثلاثي، إن "مبادئ ميثاق الأمم المتحدة أهم بكثير من الأهداف السياسية لأي دولة وأن هذه المبادئ هي مرجعه الأول والأخير فيما يحق له أن يفعله وليس في إمكان الأمين العام القيام بعمله إلا إذا حافظت كل دولة من الدول الأعضاء على شرف تعهدها باحترام ميثاق الأمم المتحدة.." وهدد بالاستقالة احترما لذلك لو لم يتم الالتزام بها.
موقف غوتيريش المستند الى ذلك النص التاريخي أعاد بريقا فقد ظله طويلا للمنظمة الدولية، التي لم تتمكن من تنفيذ قرار واحد يتعلق بدولة "الفاشية المعاصرة" – إسرائيل، استنادا الى الجبروت الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة، ولذا كانت كلماته المستندة الى الميثاق الأممي وقرارات الشرعية الدولية، خروجا عن "النص المطلوب استعماريا وصهيونيا"، ما فتح عليه حربا سياسية وقحة بكل اللغات، بدأتها دولة العنصرية في تل أبيب، وطالب ممثليها بإقالة الأمين العام غوتيريش، بعد كلمته الملتزمة بالأصل.
حرب الإمبريالية والصهيونية العالمية على الأمين العام للأمم المتحدة، هي وثيقة إثبات لجرائم الحرب التي تقوم بها أمريكا وأداتها إسرائيل في الحرب الشاملة لإبادة الفلسطيني شعبا وكيانا وهوية، لطمس الحقيقة التاريخية التي عمل وعد بلفور ودولة الكيان على طمسها منذ العام 1917.
"خطاب غوتيريش" في مجلس الأمن يوم 24 أكتوبر 2023، سيدخل التاريخ باعتباره أول أمين عام يرفع "الحذاء اللغوي" في مواجهة دولة الفاشية المعاصرة وتحالفها…تحدي لن يزول أثره بحركات صبيانية لممثل صهيوني فاقد الموهبة الإنسانية.
ملاحظة: مفارقات يوم الثلاثاء تعددت..غوتيريش ينتفض غضبا من الفاشيين..ماكرون يبحث تحالف ضد الفلسطينيين من رام الله..وزير خارجية الرسمية يدخل مجلس الأمن وكأنه ضيف شرف.. ارسل كلاما مكتوبا دون أن يدرك ان صور الجرائم وحدها أبلغ كثيرا وجدا من كل هرطقته الكلامية…فلسطين تستحق خيرا منكم.. يبدو أنها قربت.
تنويه خاص: شكله حكام أمريكا صاروا زي بعض حكامنا.. مرة مع حل الدولتين ومرة ضد حلها ومرة مش عارفة شو تقول..حكام مش عارفين إيش بدهم في فلسطين كيف ممكن "بعض أولى الأمر" عنا يتعاملوا معها انها "بلد الحل والربط".. وهي أصلا بلد الغدر والخراب.. الصراحة انكم حكام من القلة.