كتب حسن عصفور/ عندما تناقلت وكالات الأنباء بمختلف لغاتها، خبر استقالة موظف في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، غضبا لما راه مجازرا في قطاع غزة، وحربا عدوانية فريدة تقودها أمريكا وتنفذها دولة العدو الفاشي، بات الخبر الأول رغم المجزرة الكبرى التي نفذها جيش العنصرية في مخيم جباليا.
خبر استقالة الموظف الأممي كريج ميشيل مخيبر لبناني الجين والدم، تصبح قيمة سياسية تفوق كثيرا كل ما رافق الأخيار الموازية، بما فيها ترتيبات أمريكية لما تسميه ما بعد حرب غزة، لإقامة نظام أمني سياسي تابع، يعيد للأذهان صناعة "بيتان" وحكومته الفيشية، ليكون التماثل ليس فيما يرتكب جرائم حرب وإبادة واقتلاع شعب، بل ولزراعة منتج سياسي ليكون مخلبها في الجسد الوطني الفلسطيني.
كريج مخيبر موظف أممي سامي، يملك من الامتيازات الخاصة الكثير، ويمكنه أن يكون مرشحا لوظائف أكثر أهمية، لو واصل مسيرته المهنية، والتي خدم في مرحلة منها في قطاع غزة بعد تأسيس أول كيانية فلسطينية في التاريخ فوق أرض فلسطين، ضمن مكتب المبعوث الأممي لعملية السلام، مسؤولا عن الشأن القانوني، وكأن الروح الغزية سكنته لتصبح زرعا لم يغادره، فكان قراره الفريد، حبا للقطاع ورفضا للعدوانية.
انتفاضة كريج الإنسانية، وهو أول من يستقيل من منصبه السامي انحيازا للحقيقية السياسية، ورفضا للجريمة والاستسلام الكلي أمام جبروت الإمبريالية الأمريكية والغزو الصهيوني لمؤسسات لم تنتصر للحق سوى ببعض كلام مرارته تفوق أحيانا مجازر الواقع القائم.
ربما، تشكل "انتفاضة كريج" الإنسانية نموذجا جديدا في التعامل مع كسر القانون وتطويعه لخدمة الأقوى وليس الأحق، بداية جديدة في عالم المؤسسات التي تعتقد أن كمية الامتيازات التي تمنحها للعاملين بها، قادرة أن "تسد عين" العاملين لينفذوا رغبات "سي السيد" الحاكم الأمريكاني، بصفته الممول الأكبر.
"انتفاضة كريج" الإنسانية، ستفتح الطريق لتكريس مظهر جديد في الرفض والاحتجاج على البعد الاستعماري والهيمنة الأحادية لفرض منهج معادي للشعوب، تعيد بريق ما كان يوما مظاهر فردية ضد الاستغلال الطبقي والاستعماري، نماذج كانت في كل القارات صنعوا بسلوكهم الفردي نماذج خاصة، سجلتها صفحات التاريخ، ساهمت في انطلاقة حركات ثورية ضد الاستغلال الطبقي وضد الاستعمار المركب.
"انتفاضة كريج"، تفوق بقيمتها حدثها الفردي، ما فرضها حضورا طاغيا على المشهد الإعلامي، لتصبح "النموذج المطلوب" لمواجهة الغزوة الإمبريالية ضد فلسطين ورأس حربتها قطاع غزة، وتضع مختلف المؤسسات أمام واقع جديد، بل ومفاجآت غير متوقعة ليس داخلها بل وحولها، وأن تبدأ حركة غضب شاملة.
"انتفاضة كريج" الإنسانية، قد تمثل مظهرا احراجيا للواقع السياسي في المنطقة العربية، رسميا وشعبيا، بأنه لم يطالب بفعل ولم يصرخ بأن يكون، بل اختار الفعل المباشر وكان قرارا ثوريا، سيربك كثيرا المعتقدين أن "السكينة السياسية" هي السائد العام.
"انتفاضة كريج" تزامن غضبها بصدفة غضب دول غير عربية، من أمريكا اللاتينية التي أعلنت بعض دولها خطوات فعل مباشر بسحب سفرائها من دولة العدو مع طرد سفراء الفاشية اليهودية، وتنامي حركة الغضب داخل تلك القارة، التي أنجبت من المتمردين على النظام الإمبريالي والاضطهاد الطبقي والديكتاتورية ما خلدهم تاريخ الإنسانية، فباتوا نموذجا لكل ما هو ثوري وتغييري ورمزا للكفاح والتغيير.
ربما، لا تنتقل "انتفاضة كريج" الإنسانية وغضب بعض دول أمريكا اللاتينية سريعا الى الجسد العربي وغيره، لكنها حتما لن تكون عاصفة في فنجان..بل قاطرة في مسار لا يملك خيارا سوى الانتصار.
ملاحظة: تتسابق دول في أمريكا اللاتينية على سحب سفرائها من دولة الكيان الفاشي..فيما بعض بلداننا العربية تتسابق في التعبير عن "حزنها" وترجيها للأمريكان بتخفيف عدد أرقام المجازر في غزة…بتصدقوا العروبة مش لسان لكنها صارت إحساس وانتم بلا صغرة فاقدينه خالص.
تنويه خاص: صار بدها تحويل مظاهر الغضب في الضفة ضد العدو الفاشي من جهة وضد من يقف متفرجا على مرتكب الجرائم…صار بدها وضع "قوائم سوداء" للمتخاذلين شو ما كانت صفاتهم…حاصروهم في منازلهم الى أن يعلنوا البراءة من الصمت على تمرير إبادة قطاع غزة.