2023-12-16 14:50:08
أمد/
عندما يؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال اجتماع للجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست، في مجال رؤية الكيان الصهيوني لمستقل قطاع غزة بعد انتهاء العدوان الصهيوني، من أن "إسرائيل ستكون وحدها المسؤولة عن الأمن ونزع السلاح في قطاع غزة في اليوم الذي يلي الحرب"، على قاعدة أنه لا يمكن الثقة في أي طرف فلسطيني يتولى مسؤولية إدارة القطاع على حفظ أمن الكيان، لأنه لا يوجد فرق حسب نتنياهو ، بين تنظيم حماس والسلطة الوطنية الفلسطينية، ذلك أنه في الوقت الذي تريد حماس تدمير إسرائيل الآن، فإن السلطة تريد أن تفعل ذلك على مراحل"، فإن نتنياهو بهذا يعيد التأكيد بستحضر مقولة "أنه ما من فلسطيني طيب بالنسبة للكيان الصهيوني سوى الفلسطيني الميت"، وهي رسالة ذات مغزى لكل من حركة حماس وفريق فتح في السلطة، وهو أن التناقص الأساس مع الكيان الصهيوني هو مع الفلسطيني قي ذاته مهما كان انتماءه.
ونتنياهو بهذا الموقف يحاول تضييق مجال المناورة أمام الموقف الأمريكي والعربي والفلسطيني فيما يتعلق بمستقبل غزة، من أنه هو سيكون السلطة القائمة بالاحتلال بشكل مباشر بخلاف الفترة الممتدة من عام 2005 وحتى 7 أكتوبر 2023 كانت فترة احتلال غير مباشر عبر السيطرة البرية والجوية والبحرية بتحويل غزة لمعتقل كبير من يملك مفاتيحه الكيان الصهيوني.
ولذلك تأتي زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي للكبان الصهيوني ليناقش مع رئيس حكومة الاحتلال دور الجيش الإسرائيلي في غزة "في اليوم التالي" للحرب على غزة. في ظل الخلاف الذي أشار له نتنياهو، بقوله: إلى أن هناك خلافات بشأن مستقبل قطاع غزة بعد "حماس"، وأنه قال للرئيس الأمريكي: "أريد أن أوضح موقفي، لن أسمح لإسرائيل بتكرار خطأ أوسلو، ولن أمنح ذلك، بعد التضحية العظيمة من مواطنينا ومقاتلينا". و"لن نسمح لأي شخص يدعم الإرهاب أو يموله بدخول غزة، وقطاع غزة لن يكون "حماسستان" أو "فتحستان".
هذا الموقف القطعي من نتنياهو ضد وجود أي طرف فلسطيني لإدارة السلطة في عزةـ يغفل مسألة أساسية تتعلق بالموقف الأمريكي، الذي بقدر ما يراعي مصالح الكيان ، فإن هذه المراعاة محكومة بشرط عدم الإضرار بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، ذلك أن تداعيات ما جرى بعد 7 أكتوبر على صعيد النظام الرسمي العربي وحالة الغضب التي عمت المشهد الشعبي العربي جعلت الولايات المتحدة تفكر مليا في نتائج ذلك على مصالحها وتداعياتها التي تتعدى جغرافية المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي إلى العالم.
ولذلك أبدت الولايات المتحدة تحفظها على عودة الاحتلال المباشر للكيان لقطاع غزة لحفظ مصالح الولايات المتحدة في المنطقة العربية التي تواجهه تحديات جدية من الأنظمة التي تعتبرها حليفة لها أولاـ ومن موقع الحرص على أمن "إسرائيل" ثانيا ، في ظل بشاعة ما يجري في قطاع غزة، كون الولايات المتحدة متورطة بالشراكة فيه، وأي خطأ في الحسابات من قبل واشنطن من شأنه، أن يهدد مخططاتها الجيوسياسية في المنطقة، فيما هي ترى أن العالم يتغير سيما وأن هناك قوى كبرى ليست على استعداد لأخذ مكانها في المسرح الجيوسياسي في الوطن العربي والفضاء المحيط به وحسب، وإنما هي تقوم بذلك، وهي تمارس عملية إزاحة للهيمنة الأمريكية التي طالما كانت سلاحا ضد القوى الأخرى وشعوب المنطقة.
ولذلك فهي تعمل على ضبط إيقاع سلوك الكيان الصهيوني بهدف تحقيق أهداف الحرب المعلنة من قبل واشنطن والكيان، ولكن بالطريقة الناعمة بعيدا عن المغالاة والتهور والتصرفات الشعبوية لنتنباهو، وفي هذا السياق تأني زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي لـ"إسرائيل" لبحث مستقبل قطاع غزة في ظل التباين بينهما حول من يدير القطاع بعد الحرب.
وفي حين أكد نتنياهو أنه لا سبيل لطرف فلسطيني لإدارة غزة بما في ذلك السلطة الوطنية صاحبة الولاية الشرعية والقانونية، اقترحت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، بعد محادثاتها مع القادة العرب في دبي "تعزيز الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، وتنشيط هيكل الحكم في السلطة الفلسطينية" من أجل العودة لإدارة القطاع، وذلك ضمن خمسة مبادئ ،لا تهجير قسري للشعب الفلسطيني، لا إعادة احتلال لغزة، لا حصار، لا تقليص في الأراضي، لا استخدام غزة كمنصة للإرهاب.
ومع كل هذا الحديث عن مستقبل غزة في غياب أهلها ، يمكن القول إن كل ذلك يبقى عصفا فكربا، هو رهن بما ستسفر عنه الحرب ومعادلات القوة التي ستتشكل على ضوئها، التي لا تزكي مؤشراتها السيناريوهات التي يعدها الكيان الصهيوني الذي من المتوقع أن يغرق ومعه حلفاؤه في مستنقع غزة، وسيكون الثمن أكبر من أن يتحمله الكيان ، حتى لو بقيت قواته تحتل كامل القطاع.
لكن غرور الكيان واستهانته بقدرة وكفاءة الفلسطينيين جعلته لا يحسن القياس ، أليست الضفة محتلة ـ ولكن ما الذي يجري فيها؟ إن الضفة تعيش حالة اشتباك مستمرة مع الاحتلال وقطعان مستوطنيه؟ ولاشك في أن اعتراف نتنياهو، بأنه "لا يمكن الثقة في أي طرف فلسطيني يتولى مسؤولية إدارة القطاع على حفظ أمن الكيان" ، هو تأكيد على أنه لا أمن للكيان ، كونه احتلال أيا كان الطرف الفلسطيني الذي يدير القطاع .
وعودة الاحتلال للقطاع هي وصفة لفقدان الكيان الأمن، ومن الطبيعي والحال هذه أن يفجر الاحتلال المباشر لغزة إبداعات كفاحية مبتكرة على غرار الضفة، وانخراط قوى جديدة في المعركة تستفيد من دروس التجربة الراهنة ضد الاحتلال، وتجعله يندم على قرار الاحتلال، على قاعدة أنه ما من أمن لأي احتلال، تأكيدا لجدلية العلاقة بين الاحتلال والأمن.