2023-12-16 18:14:05
أمد/
من يهز الأرض تحت أقدام النظام الدولي الجديد المستبد؟ من يستطيع ان يكشف الإخطبوط الرأسمالي الذي يلتف على رقاب الشعوب والأمم؟ من يجرؤ أن يمس طرف مصالح النظام الدولي الجديد؟ كل من اقترب منه صعقته غضبة النظام أيا كان منصبه: رئيس دولة أو زعيم حزب أو مفكر أو عالم دين.. قرن من الزمان والعالم تحت سيطرة سرية شريرة في دوامة الاستعباد الجديد، ولا أحد يستطيع تقدما على طريق الحرية والكرامة والاستقلال الا ضمن الحدود المسموح بها.. حتى جاء فيضان القدس فعرّى الهيكل الشرير وهزّ اركانه واطلق رصاصة الثورة أمام الجموع لتتحرك الشعوب في كل مكان لاسقاط الشيطان وداواته.. من هنا كان فيضان الأقصى هو فيضان الغضب الانساني.
النظام الدولي الجديد:
منذ أواخر القرن التاسع عشر تسللت القوى الرأسمالية العملاقة بمنظماتها السرية الى السيطرة على العالم وجعلت من عواصم الغرب الرئيسية مركزا لها من بريطانيا وفرنسا وأخيرا أمريكا وانتظمت لوبياتها مشكلة الحكومة الفعلية التي جعلت المؤسسات السياسية والأمنية والاجتماعية لتلك الدول أدواتها في السيطرة على العالم كله كما التحكم في المجتمعات الغربية، لقد أخذ رأس المال طريقه في تجديد صياغة الغرب منزوعا منه قيم المسيحية التقليدية ومشبعا بالروح الانانية المفرغة من قيم جماعية مغروس فيه روح الجشع والاستهلاك تحت قيود الشركات والبنوك وقوانين الربا وثقافة الاستهلاك، وبعد أن استقر لها الأمر بنتائج الحربين العالمية الأولى والثانية التي صنعت على عين النظام الدولي وبيديه وتخطيطه رسمت الخرائط ووضعت الخطوط والضوابط للدول والمجتمعات فبعد أن قضت على النازية وجيشت العالم ضدها في صيغة من الشيطنة الكاملة اتجه النظام الدولي لصناعة الشيوعية والمعسكر الاشتراكي وحشد البشرية ضده بعد شيطنته ومن ثم إسقاطه لنهب ثروات الشعوب وفتح أسواقها وتقييدها بشروط تحرمها من النهضة والاستقلال وتم تقسيم الدول والشعوب على أسس عرقية متجاورة او إثنيات عرقية متلاصقة للإبقاء على أسس الفتن والتفجير الذاتي لاسيما في وطننا العربي الذي خضع لعملية جراحية مع جيرانه المسلمين، الذين نالهم من الفتن ما نالهم، بعد أن أسقطوا الخلافة العثمانية كإطار سياسي اخير للمسلمين وفي داخله تم تقسيمه وإثارة الفتن الداخلية بعناوين عديدة وتوّج ذلك كله بإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين في قلب الوطن العربي بين عرب آسيا وعرب افريقيا بالقرب من النفط والمقدسات والممرات لضبط ايقاع حركة المجتمعات العربية والدول العربية سواء.
لقد بذل قادة النظام الدولي جهودا جبارة لاسقاط السلطنة العثمانية وكانوا يدركون انهم في سباق مع الزمن فاما ان يسقطوها مهما كلف ذلك من ثمن والا فان الخليفة عبدالحميد سيستطيع ان يجمع عناصر القوة بعد ان تفجرت بنابيع العراق عن النفط واستطاع ان يسدد ديون السلطنة ويحشد للجيش اسلحة متطورة وينهض بقطاعات واصعة من المجتمع العثماني.. فدفع النظام الدولي الجديد بكل قواه لاسقاط السلطنة واصبحت اسطنبول تضج بكل المنظمات السرية الماسونية والصهيونية والارمنية وفي حين فشلت كل هذه المنظمات السرية وتبدد جهدها الا ان العلمانيين الاتراك والتنويريين والحداثيين استطاعوا ان يوجهوا رضبة قاضية للسلطنة من داخلها.. وكان سقوط السلطنة بمثابة سقوط الجدار الاخير الذي تقسمت بعده بلاد العرب و بدأ تكريس الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.
مواجهة النظام الدولي:
كما كل مقاومات شعوبنا مشرقا ومغربا والشعوب الافريقية والاسيوية كانت مقاومات الشعب الفلسطيني عبر قرن من الزمان تضرب في الهامش من النظام الدولي والذي سريعا ما يتحرك لاستيعابها من خلال اخطبوبط امتداداته في الدول والاحزاب.. ولم يؤثر عليه انتصار لنا هنا او هناك مادام قمحنا سيعود الى طاحونته وثرواتنا ستجد سبيلها الى مصانعه وشركاته باسعار هو يتحكم في تحديدها كما هو الدهب والفضة والقصدير والفوسفات.. وكذلك البترول وما ينشأ عنه من مشتقات.
كل ثورات الشعوب ومحاولاتهم في التحرر والنهضة انما هي تسير في الفلك الذي يرسمه الكبار في الحكومة السرية اولئك الذين يقررون الحروب والتسويات في العالم ويصيغون المصطلحات والثقافات ويبرزون اخلاقا دون اخلاق وينشرون مفاسدا واوبئة وكل ذلك ضمن حسابات دقيقة تدور حول الربح والتحكم المالي في العالم من خلال صناديق النقد والبنوك المركزية ولا يستثنى من ذلك أي دولة أو جهة حتى الولايات المتحدة الامريكية نفسها والتي قد وضعت عنقها بيد الحكومة السرية مدانة لها باكثر من 25 تريليون دولار.. وهنا تتحرك الدول باستمرار كمن يحاول الفكاك من حب المشنقة فكل حركة هي عبارة عن مزيد من تحكم الحبل برقبته، فمثلا الدولة الامريكية تجد نفسها مجبرة على الدخول في معارك اوكرانيا واسرائيل والعراقو افغانستان وفي كل هذه الحروب تحتاج الدولة الامريكية الى الاف اطنان الاسلحة باهضة التكلفة التي تضخها مصانع مجمع الصناعات الحربية والذي لبعض اعضاء الكونجرس ومجلس الشيوخ اسهما مهما قلته فيه وتكتشف الدولة انها بدخولها هذه الحرب الاجبارية انما كلفت الخزينة ديونا مرهقة تطرها الى رفع معدلات الضريبة على ابناء الشعب وتستمر عملية مسلسل الضرائب ليكتشف الناس انهم يدفعون بلا مقابل ويجدون انفسهم في تناقض عجيب حيث تسحب الاموال من جيوبهم لتدفع لاسرائيل التي بدورها تشجع المستوطنين اللصوص بضمان اجتماعي وصحي ومساعدات فائقة لتملك عقار فيما المواطن الامريكي يطرد من بيته بلا رحمة ان تأخر عن سداد القسط ويعيش في فئة اصبحت منتشرة ومعروفة في الولايات المتحدة باسم المشردين، كما ان هناك عشرات الملايين من الامريكان لا يتمتعون بضمان صحي او اجتماعي.. طبعا لايجد اي رئيس امريكي الا القيام بما هو مطلوب منه من قبل لوبيات التحكم والتي تقدم المشروة والرؤية لانها هي من يرشح هذا الرئيس او غيره للحكم وهي هي من يستطيع ازاحته بفضيحة كما حصل مع نيكسون او برصاصة كما حصل مع كندي.. هؤلاء يتحركون في كل اتجاه لمنع بروز اي قوة مالية او سياسية او ايديولوجية يمكن ان تمثل خطرا مستقبليا على نفوذهم ورؤيتهم للكون وللمستقبل.. هؤلاء يتحكمون بمفاصل العالم ويوجهون دوله تماما لما يريدون وكل من يحاول الخروج يثورون عليه شعبه من خلال تيارات او حزاب او طبقات تعد خصيصا لمهمات مؤقتة كما حصل في الربيع العربي.
من هنا نستطيع تفسير اخفاق مشاريع التنمية في بلداننا العربية بعد استقلالها الوطني بعشرات السنين حيث لا زالت تبرح في الفقر والتبعية وفقدان الاستقلال السياسي كما ينبغي، من هنا بالضبط يمكن فهم اسباب التضخم الذاتي لدولنا العربية كلا على حدة في داخل حدودها بجيشه وعلمه الوطني ويمنع عليها جميعا ان تفكر بوحدة او نهضة او تصنيع او امتلاك حقيقي للثروة او تحرر من سلطة الدولار.. ومن يفكر او يقترب من ذلك يتم تصفيته.
الطوفان معركة الانسانية:
في أغلى ما يملك النظام الدولي وأكثر حلقاته الأساسية تكثيفا حيث القاعدة الامنية الاكثر تعقيدا وفاعلية" الكيان الصهيوني" جاءت الضربة عنيفة قاسية مفاجئة.. لم تكن ضربة امنية كما كانت الضربات الفلسطينية السابقة والعربية المحدودة القليلة بل ضربة في عصب الوجود وعنوانه من هنا ينبغي أن نرمي بنظرنا الى أبعد من النتائج المباشرة لآثار ما حصل في 7 أكتوبر اقليميا ودوليا ولتأمل أهم انتاجاته العالمية حتى نستطيع تدبر المشهد كما هو.. فمنذ 1917 بدأ الصراع بين الشعب الفلسطيني والاستعمار البريطاني الا ان كل المواجهات التي تمت على أرض فلسطين كانت رغم كل ما بذله الفلسطينيون كانت محكومة بتفوق القوة المعادية تنتهي دوما بخسارات كبيرة للشعب الفلسطيني وكان للتدخل الرسمي العربي دورا سلبيا ومضرا بمقاومة الشعب الفلسطيني..
وجاء طوفان الاقصى واضحا في دلالاته وفي مفاعيله وساحة الاشتباك والاهداف، انها المواجهة الكبيرة ولعلها الوحيدة التي تتميز بصفات تجعلها المعركة الاولى التي تفرض شروطها على ميدان المعركة وفارضا وقائع تغير من الوقائع محليا واقليميا ودوليا.. وتنقل المعركة في عمق العدو ولعدة أهداف متنوعة بما يشبه عملية تحرير أو على الاقل بروفة تحرير.
هي المعركة الابرز والاقوى بل لعلها المعركة التي يكون الفلسطينيون جمعوا لها على اعتبار انها معركة شاملة كبيرة امام العدو في كل قوته ومن هنا كانت دهشة الكثيرين.. ورغم انها تأتي كتراكم نضالي للشعب الفلسطيني الا انها بدأت بكسر الخطوط الحمر وفتح مواجهة شاملة لاحداث توازن عسكري بحيث تعوض المقاومة الفارق النوعي في السلاح بطرق المقاومة واساليبها التي تستطيع ان تحقق التوازن بل أحيانا التفوق اذا استثنينا ساحات المواجهة التي يستغلها العدو في استهداف المواطنين العزل.
وهنا تتجلى الصورة على حقيقتها بيننا وبينهم فهم يدمرون بيوتنا على اطفالنا.. ومقاومة فلسطين تدمر الياتهم على رؤوس الجنود القتلة.. هذا هو الفرق بيننا وبينهم.. هم معهم كل ترسانات الراسمالية الليبرالية العسكرية والسياسية والاعلامية.. ونحن معنا احرار امريكا واوربا والشعوب الواقعة تحت استغلال الراسمالية المتوحشة.. وهؤلاء الاحرار ليسوا كما مهملا بل هم قوة المجتمع العميقة وهم ضميرة وروحه في امريكا وبريطانيا وهم القادرون على تغيير الواقع وكسر الهيمنة الرأسمالية المتوحشة، وهم في مستويات متنوعة ومتعددة من الفن والثقافة والاعلام والسياسة وهم قوة يقظة فطنة رات على ضوء الجريمة في غزة حقيقة الحكومة السرية واخطبوطها و انه قد حان الوقت لكشف الغطاء عن اللصوص الكبار الذين يضربون بسمعة الامريكان ويبددون اموالهم ويحولونها الى قوة بيد المجرمين المتوحشين
يقف معنا الاحرار في امريكا واوربا وهم يرون ان اموالهم تغتصب منهم وذلك لتزويد جيش الجريمة في الكيان الصهيوني بسلاح فتاك لقتل الاطفال والنساء وتدمير المستشفيات والكنائس والمساجد والمدارس فيما تزداد معدلات الضرائب على المواطنين المحرومين اصلا من خدمات كثيرة يتم توفيرها باموالهم مجانا داخل الكيان الصهيوني.
ولقد اكتشف العالم ان الصهيونية كذبة كبيرة وان ادعاءها بتمثيل الحضارة الغربية في المنطقة انما هو محض افتراء ولقد سقطت صفة الضحية عن الكيان اليهود بعد ان تورط الكيان الصهيوني بجرائم ضد الانسانية.. واكتشف العالم كذب اسرائيل بانها اصبحت جزءا طبيعيا في المنطقة وانها ليس بالضرورة حل قضية فلسطين لكي يتم الاستقرار في المنطقة، وان اسرائيل لم تعد عدوا لها بعد ان تم الترويج بصناعة عدو اقليمي للمنطقة ممثلا بايران، وبمفاعيل الطوفان ادرك العالم انه لم تعد اسرائيل امنة للشراكة الاقتصادية الدولية في مجال المعلومات ولم تعد اسرائيل ذات قوة جائبة للاستثمار، واكتشف العالم كله بما فيه جيوش المنطقة ان الجيش الاسرائيلي اضعف بكثير مما تم التسويق له فهاهو بعد سبعين يوما يعجز عن استرداد المأسورين من جنوده ويعجز عن السيطرة على مساحة صغيرة من الارض وانه يعجز عن مواجهة عدة الاف من المقاتلين بمعداتهم البسيطة.. فيما يثير صمود الشعب الفلسطيني الدهشة العالمية ويرى الاحرار في العالم باعجاب اقتدار المقاومة الفلسطينية على المواجهة ومن هنا بدأ الصوت يجد صداه في شوارع واشنطن ولوس انجلوس وجامعات امريكا بتهديد الحكومة السرية من خلال مواقف راديكالية تجاه البنوك والموانيء وكل معابر تصدير السلاح.. هنا بدأت المعركة الحقيقية ومن هنا يكون طوفان الاقصى حقق ما لم تحققه أي ثورة في أي مكان.. وهذه هي القيمة الحقيقية لفلسطين.