2023-12-20 11:48:51
أمد/
أكثر من 70 يوما من الحرب، كانت كفيلة بدمار كامل لقطاع يعيش فيه ما يزيد عن 2 مليون فلسطيني، فما بين احتلال لا يرحم الإنسانية وبيوت تهدم على رؤوس أصحابها وأطفال تقتل أمام أعين والديها، سجل التاريخ واحدة من أقسى مآسي العصر الحديث وواحدة من أبشع المجازر التي ارتكبتها يد الاحتلال الإسرائيلي في أجمل بقاع الأرض.
هنا غزة.. حيث تحولت مياه البحر إلى دماء للنساء والأطفال والشبان بل والشيوخ الذين لم يرحمهم رصاص الاحتلال الفاشي، الذي يقتل ويقمع ويهدم وتتمدد أذرعه في أرض فلسطين على مرأى ومسمع من الجميع، دون احترام أي اعتبارات إنسانية أو قوانين دولية أو حتى مواثيق حقوق الإنسان.
هنا غزة.. حيث يدفع المدنيون الأبرياء فاتورة الصراع بين قوات الاحتلال الإسرائيلي ومقاتلي حركة "حماس"، فلم تهدأ نيران الحرب منذ السابع من أكتوبر الماضي، إلا بهدنة وحيدة دامت 7 أيام فقط، بينما استمر إطلاق النار لـ 65 يوما واستمر معه سلسال دم الصغار والكبار دون رحمة.
هنا غزة.. حينما يشتد القصف وتتوالى الأحزمة النارية وسط صرخات الأطفال، فلا سبيل له سوى انتظار زوال القصف، فيقضون ساعات ثقيلة محاصرين، تتآكل فيها نفوس العائلات بين الخوف والعجز أمام سؤال متكرر: "ليش بيحصل هادا كله، امته بينتهي القصف ياما؟"، ومع توالي الأحزمة النارية يبدأ الجميع بالتشهد في انتظار الموت، فيما تبحث الأمهات وهي تنطق الشهادتين عن أطفالهن، فتحتضنهم بقوة حتى يموتوا معا أو لا يموتوا في مشهد من القهر والظلم والحصار، ولكن رغم الخسارة والحصار لابد من البقاء وشيوع قليل من السلام.
هنا غزة.. حيث الخسارة والبقاء والسلام، فعلى الرغم من استهداف المدنيين وقتلهم بدم بارد على يد الاحتلال وتدمير بيوتهم، فقرروا النزوح إلى الشمال مبتغين السلام بعيدا عن القصف وأوجاعه، فيقصدون مناطق آمنة كمدارس الأونروا والعراء ثم ينصبون الخيام بالقرب من الحدود المصرية والأردنية، ويمارسون الحياة على الهامش.
وفي مراكز الإيواء، يعيش النازحين من غزة كبار وأطفال ونساء، وتندمج العائلات حتى تصير عائلة واحدة، وتجتمع النساء لتعد وجبات الغذاء المكونة من العيش المخبوز أو الأرز، على نيران الحطب، فتعد الوجبات الهزيلة، ثم يوزعها الشباب على الأطفال والشيوخ ومصابي الحرب وأصحاب الاحتياجات الخاصة والنساء، أما الرجال والشبان فيأتي دورهم في النهاية حيث يأكلون البقايا لسد جوعهم، فلم تترك لهم الحرب إلا بقايا أهل وبقايا ذكريات وبقايا طعام.
وهنا يأتي دور الصبية الذين يحملون "جالونات" المياه ثم يبحثون عن أي وسيلة ماء عذب للقدوم به إلى المخيمات، حيث يشرب الأطفال والشيوخ والنساء، وعلى الرغم من نقص الغذاء والماء والدواء، إلا أن الجمعة و"اللمة" تعزي أنفسهم وتعطيهم أملا في الحياة.
لكن رغم الرضا بعيشة المخيمات ومراكز الإيواء المكتظة، هناك خطر يهدد الأطفال والنساء وينذر بكارثة صحية وهي انتشار الأوبئة في ظل غياب التطعيمات للصغار، وهو ما حذرت منه منظمة الصحة العالمية.
وربما ما يدعو للقلق البالغ، هو ما وثَّقته المنظمة، بأن 360 ألف حالة مصابة بالأمراض المعدية في مراكز الإيواء، وهذا ينذر بموت وشيك للصغار.. فمن ينقذهم من براثن المرض؟
هذا غير الخسارة المتوالية لأحد الأفراد داخل كل أسرة، فيبدو أن حصيلة الشهداء والمصابين ستزداد يوميا بسبب سوء الأوضاع المعيشة داخل مراكز الإيواء من حيث طعام ليس كله صالح، ومياه ملوثة وأحيانا مالحة وعدم وجود دورات مياه آدمية، بل كل شيء هناك غير آدمي.
ووسط هذا، مازالت إسرائيل تنتظر تعميق جراح الفلسطينيين، فلم يكفيها أن حصيلة الحرب على غزة قفزت لتسجل 19 ألف شهيد 70 في المائة منهم من النساء والأطفال، ونحو 51 ألف مواطن، مع وجود عدد كبير في عداد المفقودين، فمن ينقذ الفلسطينيين من مسلسل الحصار والتجويع الذي يفرضه الاحتلال عليهم؟