2023-12-21 18:33:19
أمد/
بات من الواضح أن اتفاقية أوسلو بشقيها (أ ، ب) تتعرض لأعنف تحدي يواجهها منذ التوقيع عليها ، حيث تعارض هذه الاتفاقية غالبية القوى السياسية الموجودة على الساحة الإسرائيلية ، بداية من :
1- الحكومة بزعامة بنيامين نتنياهو
2- الأحزاب اليمينية الفاعلة على الساحة
3- القوى والجمعيات والنقابات الموجودة في الشارع الإسرائيلي
4- قيادات من السلطة الوطنية الفلسطينية
5- قيادات حركة حماس وأفرع الحركة في كافة المواقع
6- قيادات حركة الجهاد الإسلامي وأفرع الحركة في كافة المواقع
7- العديد من الأحزاب والهيئات الفلسطينية المتعددة
نتنياهو وأوسلو
والحاصل فإننا وإذا ما نظرنا للتصريحات المتعلقة باتفاقيات أوسلو منذ هجوم 7 أكتوبر، بالإضافة إلى البيانات الصحافية الرسمية الصادرة عن المستويات السياسية الرفيعة في إسرائيل، سيكون بالإمكان رسم معالم التحول الجديد في الخطاب الإسرائيلي المتعلق بمستقبل أوسلو.
ومنذ توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية لأول مرة العام 1996، عارض بنيامين نتنياهو اتفاق أوسلو وانتقد بنوده السياسية، وعرقل أيضا التقدم نحو إقامة دولة فلسطينية.
لكنه في المقابل وجد نفسه "مرغماً" على العمل بموجب التزامات إسرائيل النابعة من الاتفاق ، بسبب الضغوط السياسية التي فرضتها مصر عليه ، أو بسبب الضغوط الإقليمية أو الدولية.
وبات من الواضح أن عقلية حزب الليكود السياسية بصورة خاصة وعقلية اليمين الإسرائيلي بصورة عامة تنتقد وبشدة اتفاقية أوسلو وبنودها وفروعها السياسية.
ومن هذا المنطلق فلقد وفرت الحرب الحالية في غزة، ومن قبلها نتائج هجوم حركة حماس غير المسبوق بالنسبة لإسرائيل، فرصة لنتنياهو من أجل :
1- نقل معارضته لاتفاق أوسلو إلى مستوى آخر من الخطاب السياسي
2- استغلال ما قامت به حماس لانتقاد كل ما هو فلسطيني
3- التأكيد على أن أوسلو كانت سبب المشكلة وسبب الأزمة وسبب المأساة الإسرائيلية
وساعد على هذا المزاج السياسي الإسرائيلي العام الرافض تماما لحكم اليسار والمنتقد لحزب العمل الذي خرج من قائمة الأحزاب الإسرائيلية في مختلف استطلاعات الرأي السياسية.
وتشهد إسرائيل حاليا حالة من صعود اليمين واليمين الجديد ، وهيمن على المشهد السياسي الحزبي بحيث أن التنوعات داخل المشهد السياسي الحزبي الإسرائيلي باتت محصورة ما بين أحزاب اليمين نفسها .
نتنياهو وأوسلو
في ليلة السادس عشر من ديسمبر عام 2023 قال نتنياهو نصا: "لن أسمح لدولة إسرائيل بالعودة إلى خطأ أوسلو المشؤوم".
والواقع فإن التحليل الاستراتيجي لهذا التصريح ينطوي على بعض من المحاور ومنها:
أ- رفض إقامة دولة فلسطينية
ب- انتهاء العهد الذي يرى نتنياهو نفسه فيه مرغماً على العمل بموجب اتفاقيات أوسلو
ت- البدء بفرض تعديلات على طبيعة الاتفاقيات المبرمة مع الفلسطينيين بشكل أحادي الجانب.
عموما وبالعودة إلى ما نشرته الحكومة الإسرائيلية عن اتفاقية أوسلو ، سنجد محضر جلسات تحضيرية عقدته الحكومة قبيل المصادقة على هذه الاتفاقية.
وفي المحضر الأخير لهذه الجلسات يمكن ومع تتبع مساره السياسي القول بالآتي:
1- رغم أن اتفاق أوسلو الأول (مرحلة غزة- أريحا) جرى باعتباره اتفاقاً دولياً، فإن رابين عرضه على أعضاء الحكومة للمصادقة عليه باعتباره مرحلة اختبار.
2- أبدى إيهود باراك في حينها رئيس الأركان عدم تحمسه للاتفاق لأنه سيقيّد قدرة الجيش الإسرائيلي على الدخول إلى كافة المناطق التي سيتم نقلها إلى الفلسطينيين.
ومع تتبع الخلاف الإسرائيلي الناجم عن اتفاقيات أوسلو ، يمكن القول بأنه تمحور حول حمل الفلسطينيين وأجهزتهم الأمنية السلاح ضد إسرائيل.
وفي جلسة للجنة الخارجية والأمن بالكنيست بتاريخ 12 ديسمبر عام 2023 أعلن نتنياهو أن عدد القتلى الإسرائيليين في هجوم 7 أكتوبر يساوي عدد القتلى الإسرائيليين الذي سقطوا خلال اتفاقيات أوسلو التي سمحت للفلسطينيين بحمل السلاح.
وتشير هذه المقارنة (بين قتلى أوسلو وقتلى 7 أكتوبر من الإسرائيليين) إلى أنه بالنسبة لنتنياهو، فإن :
1- جذر الإشكالية ليس الفشل الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي الذي رافق هجوم 7 أكتوبر، وإنما السماح للفلسطينيين بالسيطرة على مساحات من الأرض بدون أن تكون هناك سيادة أمنية إسرائيلية كاملة عليها
2- جذر المشكلة أيضا تلخص في السماح للفلسطينيين بحمل السلاح.
سيناريوهات تغيير أوسلو
غير أن السؤال الآن….كيف سيتم تغيير اتفاقية أوسلو ؟
في بداية الشهر الحالي، وضع أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" الموجود حاليا في المعارضة، تصوراً أولياً لكيف يمكن أن يتم تغيير اتفاق أوسلو ، وهو التغيير الذي اعتمد على:
1- إلغاء مناطق A
2- تسليم المسؤولية الأمنية عليها إلى الأردن في حالة الضفة الغربية وإلى مصر في حالة قطاع غزة
السلطة الفلسطينية وموقفها
غير أن السؤال وبعيدا عن أطروحات ليبرمان….ما هو موقف السلطة الفلسطينية من كل ما يجري؟
بغض النظر عن قدرة السلطة الفلسطينية على المناورة في الوقت الذي تجد نفسها فيه مكبلة باتفاقيات أوسلو، إلا أنها لا تزال، بموجب الاتفاقات، عبارة عن سلطة سيادية لها قدرات تشريعية، قضائية، وتنفيذية مستقلة. ولهذا السبب، قررت السلطة الفلسطينية تشريع قانون صرف رواتب لعائلات الأسرى والشهداء، وهو ما تعتبره إسرائيل تمويلا للإرهاب، ودليلاً على قدرة السلطة الفلسطينية على "تحدي" إسرائيل وتشريع قوانينها بشكل خاص.
قد يكون الاهتمام الإسرائيلي حاليا بهذه القضية يكمن في كيفية إجبار السلطة الفلسطينية على إيقاف هذا التمويل، بيد أن مفهوم الإدارة المدنية التي ستشرف على قطاع غزة في اليوم التالي للحرب يعني، كما يمكن قراءته من تصريحات نتنياهو، وجود آليات تضمن حق إسرائيل بالإشراف على أي تشريع فلسطيني في المستقبل، والمصادقة عليه، أو رفضه.
إن إعلان نتنياهو بأن السلطة الفلسطينية "لن تعود" إلى قطاع غزة بعد انتهاء الحرب قد لا يجب أن يقصر النقاش على هوية السلطة الجديدة التي يرغبها نتنياهو في القطاع، وإنما يجب الاهتمام أيضا بالهيكليات التي يعتزم نتنياهو فرضها على القطاع بحيث أن هذ الإشراف لن يكون فقط إداريا، وإنما أيضا تربوي.
هذا قد يعني أن إعادة الإدارة المدنية إلى الحكم بشكل أكثر وضوحا من شأنه أن يحيد "الهوية السياسية والأيديولوجية" للسلطة الفلسطينية ويعيد حكم الفلسطينيين وفق أجندة الجيش الإسرائيلي والإدارة المدنية.
قطاع غزة منزوع السلاح
خلال المؤتمرات الصحافية الدورية التي يظهر بها نتنياهو، طلب منه الصحافيون في أكثر من مرة أن يكف عن القول "ماذا لا يريد في قطاع غزة" وينتقل إلى الحديث بشكل أكثر وضوحا إلى "ماذا يريد في قطاع غزة". الإجابة شبه الوحيدة التي قدمها نتنياهو في هذا المقام هي أنه يريد قطاع غزة "منزوع السلاح".
في آخر تصريح له قال: "الآن بعد أن رأينا الدولة الفلسطينية المصغرة في غزة… فإن الجميع يفهم ما كان سيحدث لنا لو استسلمنا للضغوط الدولية وسمحنا بإقامة دولة كهذه في يهودا والسامرة، وحول القدس وعلى مشارف تل أبيب".
وعلى ما يبدو، فإن نتنياهو يرمز إلى أمرين اثنين:
الأول، هو أن السلطة الجديدة التي يريد لها أن تحكم قطاع غزة لا يجب أن تكون سلطة يقف على رأسها حزب فلسطيني سياسي. فقد قال: "لا نريد استبدال حماستان (أي حكم حماس الإرهابي) بفتحستان (أي حكم فتح)، ولا نريد الاستعاضة عن خان يونس (أي صعود المقاومة تحت حكم حماس) بمخيم جنين (أي صعود المقاومة تحت حكم فتح)". الأمر الثاني، هو أن السلطة الجديدة لا يجب أن تحتوي على أجهزة أمنية مسلحة ومدربة كما هي الحال اليوم.
أما في ما يتعلق بنزع الأسلحة من السلطة الفلسطينية، فإن الأمر ينطوي على اعتبارين اثنين كما قد يرشح من خطابات نتنياهو منذ 7 أكتوبر.
1- فكرة احتواء السلطة الفلسطينية على أجهزة أمنية لغرض "إنفاذ القانون"، كما تم وصف الأمر حرفيا في اتفاقيات أوسلو، قد يحتاج إلى إعادة اعتبار لطبيعة هذه الأجهزة الأمنية، قدراتها، كمية ونوعية العتاد والأسلحة المتوفرة لديها، والتدريبات التي تتلقاها. ويشير ضباط في الجيش الإسرائيلي ممن ينتمون إلى مجموعة "الأمنيون" للتفكير الاستراتيجي بأن أجهزة السطلة الفلسطينية في الضفة الغربية لديها قدرات "هجومية" و"قتالية"، وهو أمر يجب أن يدق ناقوس الخطر لدى إسرائيل والتي تعتقد بأن هذه المهارات لا تمت بصلة لمفهوم "إنفاذ القانون" المستوحى من اتفاقيات أوسلو.
الاعتبار الثاني، هو أن اتفاق أوسلو الثاني (تم توقيعه العام 1995) أتاح وجود صلاحيات أمنية للسلطة الفلسطينية على مناطق A، وأن السلطة الفلسطينية هي المشرف الأمني على كل ما يحصل داخل هذه المناطق. وقد ألغت إسرائيل بشكل أحادي الجانب هذا البند العام 2002 (في أوج الانتفاضة الثانية) وسمحت لقواتها العسكرية بالدخول إلى كافة المناطق. بيد أن قطاع غزة شكل حالة "شاذة" بحيث أن الانسحاب الإسرائيلي ومن ثم الانقسام الفلسطيني وفرا ظرفا لم تتمكن فيه إسرائيل من تولي الأمن والسيادة بنفسها داخل القطاع.
تقدير استراتيجي
عموما بات من الواضح أن هناك واقعا استراتيجيا سيخلق ويبلور في المستقبل بالنسبة لقطاع غزة ، وهو ما عبر عنه تساحي هنغبي رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي في مقال له بصحيفة إيلاف السعودية حيث قال:
1- أولا وقبل كل شيء، من المهم خلق عالم أفضل لأطفالنا وللأطفال الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة. إنهم يستحقون أن يعيشوا حياة كريمة وحرة، دون رعب وخوف من ديكتاتورية قاسية ومتعطشة للدماء.
2- نحن ملتزمون ليس بتحرير مواطني إسرائيل من الخوف ومن الإرهاب فحسب، بل بضمان أن مليونيْ فلسطيني في غزة سيتطلعون إلى المستقبل بأمل كبير.
3- جنبًا إلى جنب مع القوات المدنية والمعتدلة في الساحة الفلسطينية، وأهل غزة، ومع شركائنا في المجتمع الدولي وبين بلدان المنطقة، سننظر في كيفية إعادة إعمار القطاع وإعادة بنائه. من أجل خلق واقع جديد في القطاع، ستكون هناك حاجة إلى مزيج من القوات الإقليمية والدولية.
4- أود أن أوضح أنه إلى جانب الرغبة في ضمان أمن مواطنينا، وهو ما لن نتنازل عنه بعد الآن، ليس لإسرائيل مصلحة في السيطرة على الشؤون المدنية لقطاع غزة، وسيتطلب ذلك هيئة حكم فلسطينية معتدلة تتمتع بدعم شعبي وشرعية واسعة النطاق، ليس لنا أن نحدد من سيكون هذا العامل.
5- تدرك إسرائيل رغبة المجتمع الدولي ودول المنطقة في دمج السلطة الفلسطينية في اليوم التالي بعد حماس، وإننا نوضح أن الأمر سيتطلب إصلاحًا جوهريًا للسلطة الفلسطينية، والذي سيركز على الاعتراف بواجبها في تربية الجيل الشاب، في كل من غزة ورام الله وجنين وأريحا، على قيم الاعتدال والتسامح، دون التحريض على العنف ضد إسرائيل.
6- في شكلها الحالي، تجد السلطة صعوبة في القيام بذلك، وسيتطلب الأمر جهدًا ومساعدة كبيرين من المجتمع الدولي وكذلك من دول المنطقة، ونحن مستعدون لهذا الجهد.
وبتحليل ما قاله هنغبي ومن قبله نتنياهو يمكن القول بأن رصاصة الرحمة قد أطلقت إسرائيليا على اتفاقية أوسلو ، فضلا عن أن القادم لغزة سيكون وفقا لنهج دولي يتم الاتفاق عليه ، وهو ما سيعرض القطاع لمستقبل مشابه للمستقبل العراقي أو الأفغاني اللذان يعانيان بشدة منذ الإطاحة بنظم الحكم بهما على يد الولايات المتحدة الأميركية.