أمد/
مع أن الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية صاحبتا امتياز النقض، قد امتنعتا عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2027 حول غزة ، بما يعنيه السماح بتمريره، إلا أن هذا الامتناع كان يعكس مقاربات متناقضة لكل من الدولتين من مضمون القرار والهدف منه.
وتأتي أولى المفارقات في امتناع المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي ، ليندا توماس-غرينفيلد عن التصويت لصالح مشروع القرار مع أنها اعتبرت أن القرار يعطي بارقة أمل في ظل هذا المد العارم من المعاناة ، ويعطي إمكانية وصول المساعدات إلى غزة بدون عوائق. لكن مشكلة القرار لديها هي أنها " لا تفهم" لماذا رفض بعض أعضاء المجلس إدانة حماس في هذا القرار"؟. فمربط فرس لدى المندوبة الأمريكية ، هو في عدم قدرة المجلس على إدانة حماس، وليس في سقوط ما يقارب 3.5 في المائة من سكان القطاع بين شهيد ومفقود وجريح، خلال 75 يوما من المحرقة.
وبعكس هذه المقاربة الأمريكية كان الموقف الروسي، الذي جاء على يسار جميع المواقف حتى العربية منها، من ذلك أن الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة، السفير اسيلي نيبينزيا الذي قال: إن قرار مجلس الأمن "لو لم يحظَ بتأييد عدد من الدول العربية، لكنا بالطبع استخدمنا حق النقض (الفيتو) ضده". وأكد أن بلاده ترى باستمرار أن العالم العربي قادر على اتخاذ القرارات ويتحمل المسؤولية الكاملة عنها، "وهذا السبب الوحيد الذي جعلنا لا نعطل تلك الوثيقة" في إشارة إلى امتناعه عن التصويت على مشروع القرار بدلا من استخدام الفيتو ضده.
وانتقد نيبينزيا الصيغة الحالية للقرار الذي دارت حوله مفاوضات مطولة. وقال إن المسؤولية عن كل العواقب المحتملة- المترتبة على القرار بشكله الحالي- تقع على عاتق الدول التي أعطت موافقتها على صياغة القرار "التي فرضتها الولايات المتحدة" على حد تعبيره.
وقال مندوب روسيا الدائم "إن هذه لحظة مأساوية بالنسبة للمجلس، وليست لحظة انتصار للدبلوماسية متعددة الأطراف، بل هي لحظة ابتزاز فاضح وغير مسبوق ومجرد من المبادئ، يعكس ازدراء واشنطن لمعاناة الفلسطينيين وآمالهم في أن يضع المجتمع الدولي حدا لكل هذا".
وشدد على أن المطالبة بشكل واضح بوقف كامل لإطلاق النار من قبل مجلس الأمن، "تظل ضرورة حتمية"، مضيفا أنه "بدون ذلك، وكما أظهرت تجربة قرار مجلس الأمن رقم 2712، فإن تنفيذ قرارات مجلس الأمن في غزة سيكون ببساطة مستحيلا".
ردود فعل فلسطينية
وفي ردود الفعل الفلسطينية تباينت المواقف حول قرار مجلس الأمن الذي دعا إلى "اتخاذ خطوات عاجلة للسماح فورا بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل موسَّع وآمن ودون عوائق ولتهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية".
ففي الوقت الذي وصفت حركة حماس القرار بـ “الخطوة غير الكافية”. لأن "القرار لا يلبّي متطلبات الحالة الكارثية التي صنعتها آلة الإرهاب العسكري الصهيونية في قطاع غزة، خاصة أنه لم يتضمّن قراراً دولياً بوقف حرب الإبادة الجماعية التي يشنها كيان الاحتلال الإرهابي على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة”.
قال المراقب الدائم لفلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور إن القرار "خطوة في الاتجاه الصحيح داعيا إلى "التحرك الآن من أجل إنقاذ الأرواح. وتقديم المساعدة المنقذة للحياة والأمل الذي يحافظ على الحياة".
هذا الموقف الإيجابي النسبي للقرار الأممي من قبل حركة حماس والسلطة الفلسطينية، يناقضه تماما موقف الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، التي وصّفت القرار على أنه "غطاء لاستمرار حرب الإبادة ضد شعبنا الفلسطيني" ، ولأنه كذلك فقد "أدانت الجبهة ما سمته التورّط العربي في صدور القرار."
وردت موقفها إلى أن قبول الدول العربيّة المعنية، هو بمثابة لعب دورٍ في مسرحيةٍ هدفها الوحيد مواجهة ضغوط الشارع واستصدار قرار يستخدم فقط لتعطيل أي جهد حقيقي لوقف العدوان، وأنه لا يمكن "تفسير موقف الدول العربية المعنية على في سياق أنه تعاون وخضوع لأهداف العدوان والإملاءات الأمريكيّة".
هذه الأهداف والإملاءات ترى الجبهة أنها جزء من للعدوان الصهيوأمريكي على شعبنا، والمخططات التصفوية التي تستهدف قضيتنا وحقوقنا. ولإدارة معركة التصدي الفلسطيني لها تقول الجبهة: إن ذلك يستوجب موقفا فلسطينيا واحدا يتمثل في تشكيل قيادة طوارئ وطنية كي يتَحمّل الجميع المسؤولية في ظل حرب الإبادة الصهيونية المتواصلة بحق شعبنا الفلسطيني سواء في غزة أو الضفة.
وانتقدت الجبهة ما سمتها المهاترات والتسول والاستجداء وطلب الرضا الأمريكي والغرب، أو التعاطي أو التساوق مع أي ترتيبات غربية أو دولية تسعى للانقضاض على المقاومة ومنجزات شعبنا، وتضع شعبنا وقضيته تحت رحمة الوصايا أو التدخل والرقابة الدولية. في الوقت الذي يدفع الشعب من دمائه وأشلاء أطفاله ونسائه، مما يتطلب التوقف عن هذا السلوك.
هذا الموقف للجبهة هو تقدير صائب ارتبطا بمغرفة كيف يفكر الكيان الغاصب؟ وهو ما أكده بريت جوناثان ميللر نائب سفير الكيان الصهيوني لدى الأمم المتحدة، الذي قال : إن أي تعزيز لمراقبة المساعدات من قبل الأمم المتحدة لا يمكن أن يتم على حساب عمليات التفتيش الأمنية الإسرائيلية، وأضاف: "ليس لإسرائيل الحق فحسب، بل عليها واجب بضمان أمنها. لهذا السبب فإن مهمتنا المتمثلة في القضاء على قدرات حماس لم تتغير. ولهذا السبب لن تتغير عمليات التفتيش الأمني للمساعدات".
وهنا يمكن استحضار ما قاله المندوب الروسي من أنه بدون وقف كامل لإطلاق النار من قبل مجلس الأمن، " فإن تنفيذ قرارات مجلس الأمن في غزة سيكون ببساطة مستحيلا".، أي أنه طالما الكيان ومعه واشنطن يتحكمان في مجربات الأمور في غزة في ظل غياب موقف فلسطيني واحد، وعربي مساند ومجلس أمن عاجز ـ فإن القرار 2027 سيكون مصيره مصير ما سبقه من قرارات ، حيث لا عزاء عندها للمتفائلين من الفلسطينيين والعرب.