أمد/
منذ الصغر يتردد على مسامعنا في الكثير من المواقف المثل الشعبي " مَن يده في النار ليس كمن يده في الماء "، ويبدو أن الفلسطينيين في غزة يعيشون هذا المثل بالمعنى الحرفي واقعا دون تحريف أو تمثيل حيث القصف الإسرائيلي على شكل أحزمة نارية مصحوبا باجتياح بري للعديد من المناطق، وليس انتهاءً بقصف البوارج البحرية الإسرائيلية.
شهران ونصف الشهر، والغزيون يعيشون واقعا أشبه بالخيال، حيث الروتين اليومي الدامي، بزوغ الشمس.. وداع شهداء.. مناشدات لإسعاف جرحى.. بحث عن الطعام.. بحث عن مياه.. نزوح من مكان لآخر.. هي نفسها المشاهد تتكرر يوما بعد يوم، والفارق زيادة أعداد ضحايا، والتي اقتربت إلى المئة ألف ما بين شهيد وجريح ومفقود، لكل واحد منهم قصة وحكاية، تختزل تفاصليها قلوب من يعيشها واقعا وليس كمن يسمعها حيث تذيبها قصة أخرى.
اثنان مليون ويزيد يعيشون بين ثنائية القصف الهمجي والجوع، حيث المراقب للأحداث من خارج المشهد، ويتابع التصريحات والفيديوهات والمؤتمرات الصحفية للطرفين على حد سواء الإسرائيلي من جهة وحماس والفصائل المقاومة من جهة أخرى، يجد أن ساحة المعركة لها حساباتها الخاصة لدى الطرفين بعيدا عن مصلحة المدنيين الفلسطينيين الذين يعانون الويلات على مدار الدقائق.
كتائب القسام من جهتها أعلنت على لسان الناطق العسكري "أبو عبيدة"، أنها تمكنت من تدمير 720 آلية عسكرية إسرائيلية بشكل كلي أو جزئي منذ بدء التوغل البري الإسرائيلي لقطاع غزة.
وشملت الآليات المدمرة ناقلات جند ودبابات وجرافات ومركبات وشاحنات عسكرية.
وإذا دققنا بأعداد الآليات التي أعلنها " أبو عبيدة " ليس من باب الاستخفاف بالفعل المقاوم ولكن بلغة الأرقام ممكن الحديث عن تدمير قرابة عشر آليات في اليوم الواحد، في المقابل تدمر آلة القتل الإسرائيلية مئات الوحدات السكنية وآلاف الشهداء والجرحى.
أما الحالة المعيشية على أساس حسبة الأرقام تدفعنا للحديث عن حجم المساعدات التي تدخل للقطاع والتي أوضحت بيانات المنظمات الأممية أن المساعدات التي تدخل لا تشكل 1% من احتياجات المواطنين حيث كان يدخل غزة قبل السابع من أكتوبر الماضي قرابة 600 شاحنة منوعة "غذاء، صحة، وقود" ناهيك عن غياب التوزيع العادل بين المواطنين، الأمر الذي دفعهم للمطالبة مرارا بحياة كريمة بعيدة عن الحروب.
وعلى الرغم من تبني مجلس الأمن الدولي قرارا ينص على زيادة المساعدات الإنسانية إلى القطاع، إلا أن حالة الإحباط تسيطر على الشارع الغزي بسبب فقدان الثقة بالنظام الحاكم الذي يسيطر على مناحي الحياة قبل الحرب وخلالها، حيث أظهرت بعض مقاطع الفيديو في خانيونس مهاجمة مواطنين لقوات الشرطة الذين يقفون أمام المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى المطالبات بحياة كريمة تحت شعار "بدنا نعيش" بعيدا عن النظرة الحزبية الضيقة التي لا ترى المواطنين بشكل عام.
ومع ضبابية المشهد العام في غزة، وحالة المد والجزر للاجتياح البري، وتمهيد الإعلام الإسرائيلي بداية نهاية المرحلة الحالية من الحرب ميدانيا، واتخاذ خطوات عملية أولها انسحاب عدد كبير من القوات المتوغلة، يجعل القلق أكبر، والوضع أخطر مما هو عليه الأن، حيث التوجه لتنفيذ الخطة الأمريكية والتي تترك فيها غزة مكان غير صالح للحياة دون إعمار والبقاء على اغتيال قيادات حماس بالقصف الأمر الذي يجعل القطاع أرضا خصبة لحرب أهلية تدفع المواطنين نحو الموت أو الهجرة.