أمد/
مَن حوَّل شعبنا الفلسطيني إلى قطيعٍ من الجوعى والمتسولين والفوضويين؟!
مَن شوَّه نضال الفلسطينيين وأطاح بقدسية نضالهم الوطني الشريف، بعد أن ظل النضال الوطني نبراسا اقتبسه كلُّ أنصار الحرية في العالم؟!
ظلَّ شعبنا الفلسطيني متمسكا بثوابته النضالية، تمكن من النجاة من مزالق كثيرة، واجتاز حروبا عديدة أثبت فيها جدارته بالنضال الشريف الحر، وأدار نفسه في سنوات الانتفاضة بلا سلطات حزبية أو حكومية، وتمكن من اجتياز كل المؤامرات الهادفة إلى تفكيكه وتحويله إلى قطيع من الغوغاء الإرهابيين، ظل الفلسطينيون مثالا نضاليا يُحتذى به!
لم تعد علامات الجوع على وجوه أطفال غزة المهجَّرين صورا سريالية أو رسومات خيالية، بل تمكن الجوع أن يغزو قسمات وجوههم وينشر علاماته على جباههم وخدودهم الغضة، وبخاصة على شفاههم بما يستحلبه من شهوة، مما يدفعهم ليقتربوا من بسطات البائعين وسط الأسواق المكتظة، وهم يراقبون المشترين، هؤلاء الجوعى يُحجمون عن الاستجداء والطلب المباشر مكتفين بإرسال نظرات الجوع التي تلدغ أعماق القلوب!
كنتُ أظنُّ أن تعبير (رأيتُ الجوع يمشي في شوارع المدينة) تعبيرا مجازيا ليس حقيقيا، حتى رأيت جحافل الجوع والفاقة والعوز تتجول في كل مكان في معسكرات اللجوء في غزة!
وخزات الجوع في عيون الأطفال كالشوك تدمي قلوب المشترين! ليس غريبا أن يقترب منك طفلٌ صغير وهو يلتهم بعينين جائعتين بعض ما تحمله، حينئذ، فأنت أمام خيارين، إما أن تعاف ما اشتريته لأنه مُشتهى من طفل جائع، أو أن تشتري له ما يمكن أن يخفف من قسمات جوعه إن كنت تملك فائضا من النقود!
ليس غريبا في مراكز اللجوء في غزة أن ترى كيف تصبح السرقات، وتجارة السوق السوداء ظاهرة مستساغة ومعتادة ولم تعد مُستقبحة!
رأيتُ في وضح النهار كيف يخرج سكان الشوارع في مناطق اللجوء، ليشكلوا عصاباتٍ تُخطط لأنجح الوسائل لنهب القاطرات المحملة بالغذاء والدواء، كان مفروضا أن تصل لمحتاجيها، راقبت بعناية كيف يتولى محرضون مختصون توزيع الأطفال والشباب على مفترقات الطرق، يضعون العوائق أمام هذه الشاحنات ليتمكنوا من القفز عليها وانتهاب ما يمكنهم!
جرى إفساد شباب كثيرين، وأسر كثيرة، بعد أن غاب الردع، والتبشير والتوجيه والإرشاد، واختفى الساسة والمعلمون والموجهون، وأسدلت الجمعيات الخيرية ستائرها، وأُغلقت ودمرت الإذاعات المحلية، وأصبح التوجيه والإرشاد مُستقبحا وخطيرا!
هناك فئات مأجورة تكمل جرائم الاحتلال تدمر كل ما نجا من الدمار، أكثر المخربين لا يُخربون مقدرات الوطن لحاجتهم، بل يبيعون هذه المقدرات جهارا نهارا، فمن يخلع عمود الكهرباء الخشبي ويقطعه ليبيعه وقودا لأفران الخبز مأجورٌ عميل، ومن يخلع بلاط الشوارع ليبيعه أيضا لبناء أفران الطين ينتمي إلى الزمرة نفسها، ومن يقطع الأشجار في المقابر والشوارع ليبيعها هو أيضا مأجور! لم يُبقِ هؤلاء المخربون منتجعا، أو بيتا مدمرا، أو مقرا رسميا إلا وانتهبوه ليبيعوا مقتنياته في الأسواق العامة، أمام أنظار البسطاء والجوعى والفقراء!
حاولت أن أمنع بعض الشباب ممن يخلعون بلاط الشارع ويكومونه للبيع بأسلوبِ الأب الناصح، لكنهم رفعوا في وجهي سكينا حادا، وهددوني بدون أن أجد نصيرا بين المارَّة!
أخيرا، تذكروا أيها المغردون صباح مساء بشرف وقدسية المقاومة والوطنية والعزة الفلسطينية، والإباء والتضحيات، والشهداء الأبرار أنكم لم تقصروا فقط في نصرة جماهيركم، بل أفسدتم ما أنجزته الثورة والنضال الفلسطيني طوال عقود النضال، لأن الفلسطيني ظل عزيزا شريفا يُباهي العالم بنضاله الحر الشريف، ويُفاخر بشرف ثورته ورفعته، كان هذا الشرف مصدر دخله الوطني الوحيد ذو الربح الوفير!
تذكروا دائما: إن الديكتاتوريات الحزبية والفصائلية المؤسَّسة على الخوف والرعب والقهر بالسجن والموت لا تبني وطنا حرا شريفا مستقلا، بل إنها تؤدي إلى الخراب!