أمد/
واقع الحرب اليوم يدلل على أن قادة حماس تائهون في دهاليز تحالفاتهم التي رسموها بحثا عن مكانة إقليمية تؤهل الحركة لتكون بديلا عن السلطة الفلسطينية من خلال جمع مصالح دول متضادة.
من يمد طوق النجاة لإنقاذ حماس
مجددا، يدلي قادة حماس بتصريحات صحفية تتسم بالمرونة والواقعية في سبيل إيجاد صيغ سياسية قابلة للتطبيق، تُرجّلها من أعلى الشجرة التي تسلقت عليها، لإنهاء حالة الحرب على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الذي يعاني ما يعانيه من ويلاتها.
فقد صرح خالد مشعل لصحيفة “لو فيغارو” الفرنسية، ما مفاده استعداد الحركة في الوقت الحالي “للتفاوض حول كافة القضايا بشكل غير مباشر مع إسرائيل”، ولدى سؤاله عن الاعتراف بإسرائيل أكد أنه “عندما يحين الوقت، في اللحظة المناسبة لإقامة دولة فلسطينية، سنناقش مسألة الاعتراف بإسرائيل”.
سياق هذه التصريحات ينسجم مع تصريحات سابقة لموسى أبومرزوق مع موقع “المونيتور”، ألمح فيها إلى إمكانية اعتراف الحركة بإسرائيل.
واقع الحرب اليوم يدلل على أن قادة حماس تائهون في دهاليز تحالفاتهم التي رسموها بحثا عن مكانة إقليمية تؤهل الحركة لتكون بديلا عن السلطة الفلسطينية من خلال جمع مصالح دول متضادة في المنطقة، لكن الحقيقة أن الحركة عجزت عن أن تكون العامل الجامع لهذه التباينات السياسية، دون التداخل في أفلاك هذه الأنظمة وسياساتها، والتي تلمّست عبء واقع حماس، خاصة مع استمرار حالة الجمود السياسي بعد أكثر من ثمانين يوما من بدء الحرب، الحالة التي تريد جمهورية مصر، بحكم الجغرافيا السياسية، كسرها بمبادرات قادرة على تحقيق خطوات جادة لإنهاء الحرب الدائرة دون الخوض في مباحثات عقيمة مع أطرافها.
حماس وتياراتها وقادتها الذين يطوفون في عواصم عربية وإقليمية بحثا عن تسويات سياسية تحفظ ماء وجوههم.. يجب أن يدركوا حقيقة التغيير المطلوب في طريقة التعاطي السياسي مع السلطة الفلسطينية
من ناحية أخرى، غرقت الحركة في وحل الشعبويات العربية، التي ساهمت، كما عوامل عديدة، في زيادة الفجوة بين ما يعرف بحماس الخارج بقيادة إسماعيل هنية وخالد مشعل، وحماس غزة بقيادة يحيى السنوار الذي أوفد برسائل للجانب المصري، بأن القرار الأول والأخير يعود إليه، في إقصاء كامل لحماس الخارج وخطابها السياسي والإعلامي الذي يريد النجاة بالحركة من تعنت السنوار وتياره المستمر في معركة تأكل من أراضي القطاع وسكانه.
المفارقة أن حماس التائهة بأزماتها وواقعها الغارق في أتون الحرب والنبذ السياسي الدولي، تحتاج للرئيس الفلسطيني محمود عباس للاستناد عليه كمنقذ قدم لها خارطة طريق وطنية فلسطينية، ليعيد دمجها بالحالة السياسية العربية والإقليمية والدولية من خلال مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد القادر على إعادة تقديم الحركة من منظور حركة تحرر فلسطينية ضمن مؤسساتها وأجهزتها. وليس فقط المساق السياسي بل هناك مساقات عديدة، أهمها ملف إعادة إعمار القطاع وتأمين فتح المعابر واستمرار تدفق المساعدات واستدامة الخدمات واحتياجات القطاع الاجتماعية والتعليمية والصحية.
حماس وتياراتها وقادتها الذين يطوفون في عواصم عربية وإقليمية بحثا عن تسويات سياسية تحفظ ماء وجوههم، بعد تمركز القوات العسكرية الإسرائيلية داخل القطاع وإعادة احتلال أجزاء من أراضيه على جثث الشعب الفلسطيني الأعزل، يجب أن يدركوا حقيقة التغيير المطلوب في طريقة التعاطي السياسي مع السلطة الفلسطينية، ورئيسها الذي لم ينجرّ إلى غاية اليوم بعقلانيته السياسية إلى مخطط منظومة اليمين المتطرف الحاكمة داخل تل أبيب في إشعال ساحة الضفة الغربية، لاستكمال مخططات التهجير التي تسعى إليه على قدم وساق.
أسس هذا التعاطي، كما حدده الرئيس الفلسطيني، بخطوات وشروط انضمام حماس إلى منظمة التحرير، وتحديد موقفها الواضح من الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، ثم الالتزام بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، والتقيد بالتزاماتها المنبثقة من الشرعية الدولية والقانون الدولي، كأساس لحل الصراع وكمرجعية سياسية للشعب الفلسطيني، مع التأكيد على أن كافة أشكال النضال هي حق طبيعي لشعبنا الفلسطيني. لكن، في هذه المرحلة فإن المقاومة الشعبية هي الشكل المناسب والملائم.
ما سبق يمثل طوق النجاة لإنقاذ حركة حماس. وهو الطوق الذي سيخنقها إذا ما قررت الذهاب بعيدا نحو التفرد، من خلال فتح قنوات تفاوضية مع كيان الاحتلال، لتقديم أوراق اعتماد جديدة للبيت الأبيض مهما كان سيده القادم.