أمد/
تعيش الساحة الإعلامية الدولية والعربية فوضى إعلامية لا مثيل لها، لكثرة الوسائل الإعلامية، من مقروءة ومسموعة، ومشاهدة، يضاف إليها فوضى وسائل التواصل الاجتماعي (السوشل ميديا)، وفوضى الشبكة العنكبوتية بشكل عام، التي تعج بالمواقع الإعلامية الإلكترونية المختلفة، والكل من هذه الوسائل يقذف إلى سمع وبصر وعقل المتابع من الجمهور بضاعته، غثها وسمينها، فيختلط على المتلقي المفيد من المضر منها، والصادق مع الكاذب، والحقيقة مع الخيال، والمضخم مع المضعف والمقلل، كل وسيلة ولها هدفها وغرضها في التأثير على رأي المتلقي واقناعه أو تضليله والتأثير في عقله وثقافته وبناء رأيه، والمتلقي هو الضحية دائما لهذه الفوضى، كما الحقيقة والمعلومة الصحيحة، هذا ما يدمر ثقافة الفرد والمجتمع، ويفقده القدرة على الوصول إلى الحقيقة وإلى المعلومة الصحيحة، في كل المجالات المختلفة، إقتصادية، أو سياسية، أو إجتماعية، أو صحية طبية، أو أسرية، كما حتى المعلومات التأريخية والعقدية والدينية لم تسلم هي الأخرى من تأثير هذه الفوضى الإعلامية والثقافية الرغبوية التي تعم عالمنا اليوم ومنه عالمنا العربي. في ظل غياب الأمانة والتخصص المبني على المعلومة الصحيحة، والتحليل السليم والعلمي المبني على أسس منهجية موضوعية ومعلومات صحيحة وحقيقية، يصبح الإعلام أداة تخريبية رغبوية وسلاحا فتاكا، بدل أن يكون أداة توجيهية وتثقيفية سليمة، تساهم في رقي الفرد والمجتمع وتقدمه. لابد من وجود إعلام احترافي متخصص بعيدا عن الرغبوية والكذب والإبتذال ، على مستوى كافة وسائل الإعلام المسموع والمقروء والمشاهد ، وضبط ايقاع الوسائل الإعلامية منها التقليدية والحديثة، في مختلف المجالات التي تهم الجمهور، تهم الإنسان الفرد والمجتمع، فهناك مثلاً الإعلام الإقتصادي يجب أن تخصص له وسائله وأدواته الإعلامية بحرفية عالية، وغيره من المجالات الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية والصحية، والرياضية والأسرية، وكل مناحي ومناشط الحياة التي تهم الفرد كما المجتمع، ووضع حدٍ لفوضى الإعلام الرغبوي الذي يلوي عنق الحقائق بل يعمل على طمسها واخفائها، الذي بات ضرره اليوم أكثر من نفعه. إن الثقافة والآداب والفنون، تعكس مستوى الحضارة لأي مجتمع، فلابد من الإهتمام بها، كي نرتقي بذائقة شعوبنا الأدبية والفنية، ونرتقي بمثقفينا وأدبائنا وفنانينا ليقدموا ما يفيد الفرد والمجتمع، وأن تكون هناك الرعاية الكافية لهم ونشر إنتاجاتهم الأدبية والفنية. كذلك في المجال الإقتصادي، العمل على تكوين ثقافة إقتصادية عامة لدى المتلقي تجعل منه عنصراً مهماً في العملية الإقتصادية، لأن الفرد في نهاية المطاف هو المستهدف لأنه كائن منتج ومستهلك. وفي المجال السياسي أيضاً نحتاج إلى متخصصين في السياسات الداخلية والإقليمية والدولية، وتقديم الوقائع السياسية على حقيقتها دون تشويه أو طمس للحقائق وتقديم التحليل العلمي الموضوعي لها المستند إلى الحقائق لا للتحليل الإنطباعي الذي يضفي هواه على التحليل والإستنتاج ويخفي الحقائق الصادمة في كثير من الأحيان، إن ضبط الإعلام وبناءه على أساس التخصص والصدق والموضوعية يحتاج في الأساس إلى كليات إعلامية متخصصة ليس في فنون الإعلام وأدواته ووسائله فقط، وإنما في أقسام إعلام تربوي ثقافي، إقتصادي وسياسي، أدبي وفني، إجتماعي وأسري، لتنشئ جيلاً متخصصاً من الإعلاميين وحرفيين ومهنيين، يعملون في القطاعات الإعلامية المختلفة، لتحقيق رسالة الإعلام الحقيقي في التوعية العامة. تلك مشكلة كثير من وسائل الإعلام العربي الذي لا زال أسير الرغبوية والهوى، بعيداً عن المهنية الهادفة إلى تشكيل وعي خاص وعام مبني على الحقائق يفيد وينفع الفرد والمجتمع والدولة، على عكس الإعلام المتخصص في بعض الدول المتقدمة، مهما تعددت الوسائل الإعلامية التقليدية أو وسائل التواصل الإجتماعي التي أصبحت تأخذ حيزاً ودوراً مهماً في التأثير في المتلقي ورأيه، وبالتالي في تشكيل الرأي أو الموقف ازاء المواضيع المختلفة، أو إيصال المعلومة الصحيحة والموثقة، فالإعلام المتخصص بالتأكيد يمثل البديل لهذه الفوضى الإعلامية الرغبوية السائدة عبر وسائل الإعلام المختلفة. لابد من العمل على إيجاد الإعلام المتخصص، في كل مجال من المجالات، لإنقاذ الإعلام من الفوضى والتردي، وإنقاذ الحقيقة من التزييف، وإنقاذ المتلقي والمتأثر بهذا الإعلام من تدني الوعي وإختلاط المفيد لديه بالمسيئ، على مستوى الفرد والمجتمع في آن واحد، نعم إننا في أمس الحاجة لذلك اليوم قبل الغد.