أمد/
يومي الخميس والجمعة القادمين «11» و«12» كانون الثاني/ يناير، ستُعقد جلستا استماع علنيتان في محكمة العدل الدولية حول دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بخصوص جريمة الإبادة الجماعية في غزة، ستقدم جنوب أفريقيا مرافعتها الشفهية يوم الخميس الموافق «11» كانون الثاني/يناير 2024، من الساعة العاشرة صباحاً وحتى «12» ظهراً للاستماع لطلب جنوب أفريقيا، والذي يطلب من المحكمة حماية الفلسطينيين من أي ضرر إضافي جسيم وغير قابل للإصلاح بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية وضمان امتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب الاتفاقية بعدم الانخراط في الإبادة الجماعية، ومنعها والمعاقبة عليها.
ثلاث وأربعون دولة عربية وإسلامية عضو في اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لسنة 1948، لم تبادر أي منها للتوجه للمحاكم الدولية، وتبادر جنوب أفريقيا بتقديم طلب إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي لإقامة دعوى ضد إسرائيل، قدمتها في يوم الجمعة «29» كانون الأول/ ديسمبر 2023، مستندة في رفع الدعوى على معاهدة دولية تتضمن شرط الاختصاص القضائي، وهي اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع، إذ أن اختصاص محكمة العدل الدولية ذات صفة إلزامية فيما يتعلق بالمعاهدات الدولية.
مرّ نحو شهرين على انعقاد القمة العربية الإسلامية الطارئة والتي كلفت الأمانتين العامتين في الجامعة العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي إعداد الملفات القانونية لملاحقة إسرائيل في المحاكم الدولية ولم تنجزها إلى الآن، لم يكن الوقت بالنسبة للفلسطينيين إلا دماً غزيراً، وضحايا المجازر الإسرائيلية يومياً مئات الشهداء والجرحى والمفقودين، والوقت يضاف له وقت آخر في تاريخ انعقاد القمة الطارئة التي تأخرت أكثر من شهر على بدء العدوان على غزة، لخدمة من هذا التهاون أو التلكؤ أو الاستهتار أو التأجيل أو الرتابة أو البيروقراطية؟. مهما تكن التسمية، لماذا التأخير في تنفيذ القرارات؟. حث القادة العرب في قمتهم الماضية، المحكمة الجنائية الدولية على إنجاز التحقيق الجنائي في جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، بما فيها جرائم الاستيطان والضم، والعدوان على غزة، وقتل المدنيين والصحفيين والمسعفين، والتهجير القسري للفلسطينيين من بيوتهم، ودعوا المحكمة إلى توفير كل الإمكانيات البشرية والمادية لهذا التحقيق وإعطائه الأولوية اللازمة.
أرفقت جنوب أفريقيا الدعوى بالعديد من الأدلة والحقائق، تعتمد الدعوى على تصريحات وتعليقات علنية من مسؤولين وجنود إسرائيليين وأعضاء في الكنيست وصحفيين، ومنهم النائب عن حزب الليكود نسيم فاتوري، ووزير التراث عميحاي إلياهو، ويسرائيل كاتس وزير الطاقة والبنية التحتية الإسرائيلي السابق الذي جرى تعيينه وزيراً للخارجية منذ أيام. خصصت الدعوى فصلاً كاملاً تحت عنوان التعبير عن نية الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني من قبل مسؤولي الدولة الإسرائيلية، جاء في مقدمة الالتماس أن الأدلة على النية المحددة لمسؤولي الدولة الإسرائيلية لارتكاب أعمال الإبادة الجماعية والاستمرار فيها أو الفشل في منعها كانت كبيرة وعلنية منذ تشرين أول/ أكتوبر 2023، تصريحات النوايا هذه اقترنت بمستوى خارج عن كل الأعراف الإنسانية من القتل والتشريد والتدمير والحصار الذي طال الغذاء والماء والدواء، وما ذلك إلا دليل على التغول في الإبادة الجماعية والإصرار على التمادي في استمرار تنفيذها، وأكّدت جنوب إفريقيا في طلبها أن أفعال إسرائيل تحمل طابع إبادة لأنها مصحوبة بالنية المحددة المطلوبة لتدمير فلسطينيي غزة كجزء من المجموعة القومية والعرقية والاثنية الأوسع، وتشمل الأفعال بحسب جنوب إفريقيا قتل الفلسطينيين في غزة، وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي بهم، وفرض ظروف معيشية عليهم من شأنها أن تؤدي إلى تدميرهم جسدياً، وذلك في انتهاك واضح لاتفاقية منع الإبادة الجماعية.
وكانت جنوب إفريقيا قد طلبت من المحكمة، إصدار أمر عاجل يعلن أن إسرائيل، في عدوانها على غزة، تنتهك التزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، كما طالبت المحكمة أن تأمر إسرائيل بوقف عدوانها.
انتقدت جمهورية جنوب أفريقيا العدوان الوحشي الإسرائيلي على غزة، واتهم جنوب أفريقيا إسرائيل بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في القطاع، رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، شبّه سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية بنظام الفصل العنصري السابق في جنوب إفريقيا، وقد فرضت معاناة الجنوب أفريقيين من نظام الأبارتهايد مواقف مبدئية من كفاح الشعب الفلسطيني الذي ما زال يواجه مصيراً مماثلاً من الممارسات العنصرية، وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدي باندور نددت خلال المؤتمر الدولي الثالث لمعضلات الإنسانية الذي استضافته جوهانسبرغ، في الفترة من «14» إلى «18» تشرين الأول/ أكتوبر، نددت بالعدوان الإسرائيلي على غزة، معتبرة أن السبب الجذري لهذا الصراع هو الاحتلال غير القانوني، وقالت الوزيرة خلال الكلمة التي ألقتها وهي مرتدية الكوفية الفلسطينية: "لماذا يجوز أن يُقتل صحفي فلسطيني، ولا يجوز أن يقتل صحفي من كندا؟"، وانتقدت السكوت عن استهداف مراسلة قناة الجزيرة، شيرين أبو عاقلة التي قتلها جنود الاحتلال أمام وسائل الإعلام.
الحقوقية الجنوب أفريقية نافانيثيم بيلاي، المفوض السامي لحقوق الإنسان هي من أوصت بطلب الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية حول ماهية وجود الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي على أرض دولة فلسطين، والآثار المترتبة على هذا الاحتلال، والممارسات غير القانونية المرتبطة به، واقتصر دور الدول العربية والإسلامية في اجتماع القمة على حث الدول الأعضاء وجميع الدول المتمسكة بقيم العدالة ومبادئ القانون الدولي على مساندة دولة فلسطين في هذا المسعى، من خلال تقديم مرافعات قانونية خطية للمحكمة ومرافعات شفوية وفق إعلان المحكمة.
وكانت جنوب أفريقيا قد دعت الأمم المتحدة في وقت سابق إلى نشر قوة سريعة لحماية المدنيين في غزة، وسط تكثيف العدوان الإسرائيلي على القطاع، الذي أدى لسقوط 8300 شهيد فلسطيني منذ 7 تشرين أول / أكتوبر 2023 حتى «30» تشرين أول/ أكتوبر2023، معظمهم من النساء والأطفال. وأكدت أن أعداد القتلى من غير المقاتلين، خاصة أعداد الأطفال الذين قتلوا، تتطلب من العالم أن يظهر أنه جاد بخصوص المساءلة العالمية.
لم تقبل إسرائيل المثول أمام المحكمة احتراماً للقانون الدولي، بل اضطرت للمثول للرد على الدعوى التي قدمتها جنوب إفريقيا لمقاضاتها بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، وستقدم إسرائيل مرافعتها الشفهية يوم الجمعة الموافق «12» كانون الثاني/يناير 2024، من الساعة العاشرة صباحا وحتى «12» ظهراً في مقر المحكمة في لاهاي. وتسعى إسرائيل كدولة احتلال متهمة بجرائم الإبادة والحرب إلى إثبات عكس ما نُسب اليها أمام محكمة العدل الدولية، لكنها تعجز عن ذلك أمام الحقائق والقرائن الموجودة على أرض الميدان، وغير قادرة على نفي أو طمس حقيقة ارتكابها هذه التهمة الموجهة إليها.
مارست إسرائيل حملة إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة قبل حادثة السابع من أكتوبر من خلال فرض حصار على القطاع، استمرار فرض الحصار لسنوات طويلة تسبب بتدهور الأوضاع المعيشية للجماعة العرقية عمداً مما يعتبر عملية إبادة جماعية وفقاً للتعريف القانوني.
هزيمة قانونية يبدو أنها تنتظر إسرائيل في محكمة العدل الدولية، وهي قلقة من هذه المحاكمة المبنية على حجج قوية وموضوعية، وإسرائيل قد وقعت اتفاقية منع جرائم الإبادة الجماعية عام 1948، وأصبحت تخضع لولاية محكمة العدل الدولية، وأحكامها ملزمة في القانون الدولي، لكن لا تملك السلطة لإجبار إسرائيل على تنفيذ الأحكام، في حال عدم التنفيذ سيؤثر ذلك على الرأي العام الذي بدأ يتغير في رفض السردية الإسرائيلية، وسيحرج أوروبا والولايات المتحدة وسيكذب ادعائهما أنهما القوة الرئيسية في العالم لمنع الإبادة الجماعية، لذلك ستقوم إسرائيل بنفي جميع الاتهامات التي توجهها جنوب أفريقيا لها، وستدعي أن لإسرائيل حق الدفاع عن النفس وحق الرد على ما قامت به حماس من أعمال و«جرائم» ضد الإسرائيليين خلال عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين أول/ أكتوبر، ولو سلمنا جدلاً بأن لإسرائيل هذا الحق، فإنه لا يبرر ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وفي حالة الدفاع عن النفس لا يجوز انتهاك قواعد القانون الدولي ولا يجوز استهداف المدنيين، وأي جرم غير مبرر تحت تبرير الدفاع عن النفس.
من المتوقع أن تنجح جنوب أفريقيا في هذه الدعوى وستشكل هذه إدانة لإسرائيل، وستفتح الباب أمام العديد من الدعاوى القضائية التي ستقام من قبل أعضاء في الأمم المتحدة الذين يعارضون الإبادة الجماعية. ويواجه تحرك جنوب إفريقيا تحديات قد تمنع من تحقيق أهدافه، من أبرزها غياب آلية فعلية لتنفيذ الأحكام وأيضا اتخاذ الدول الكبرى على رأسها الولايات المتحدة مواقف مساندة لإسرائيل، وسيؤدي تحويل قرار المحكمة إلى مجلس الأمن إلى استخدام حق النقض من قبل الولايات المتحدة.