أمد/
منذ السابع من أكتوبر الماضي، أي بداية الحرب على قطاع غزة، بدأ الفلسطينيون في التفكير عن الثمن الذي سيدفعونه مقابل العملية العسكرية التي قامت به حركة حماس، من اقتحام للمواقع الإسرائيلية، واختطاف العشرات من الإسرائيليين من المستوطنات المحاذية للقطاع، في حرب كان من المفترض على حماس أن تتوقع جيدا نتائجها الكارثية على الشعب الفلسطيني المنهك والمحاصر منذ أكثر من 16 عاما.
ورغم مرور أكثر من 92 يوما على الحرب الشعواء، لازال الفلسطينيون المغلوبون على أمرهم يفكرون ويتساءلون عن "الثمن الذي جنته غزة من هذه الحرب؟"، والهدف الرئيسي من وراء قيام حركة حماس بهذه العملية، التي قالت الحركة إنها تخطط لها منذ سنوات طويلة، وهذا ما أكده الجيش الإسرائيلي بعد العثور على وثائق في الانفاق التي دخلتها في القطاع، والتي تؤكد أنها تخطط لها منذ 8 سنوات!!
واذا كانت حماس تتباهى بأنها كانت تخطط لهذه العملية منذ سنوات، فإنها أخطأت في الكثير من توقعاتها، وإن إعلانها هذا أشبه بـ"عذر أقبح من ذنب"، فهي خططت لعملية الاقتحام، لكنها لم تخطط للنتائج التي سيدفعها الشعب، حتى أنها نسيت أن تخطط في كيفية حماية ما تسميه وتتفاخر به وهي "الحاضنة الشعبية"، فلقد تركت الشعب بدون غذاء أو ماء ولا كهرباء، لقد تركت الشعب يتسول رغيف الخبز وشربة الماء.
والأدهى منذ ذلك كله، هو جواب عضو المكتب السياسي للحركة، خليل الحية، عندما سأله أحد الصحفيين عن تعليق حماس على ما يجري للشعب الفلسطيني من تهجير ونقص المواد الغذائية وقلة العيش، بتحميل وكالة تشغيل وغوث اللاجئين "الأونروا" المسؤولة عن ذلك بقوله "هذه مسؤولية الأونروا وليس حماس"، وكأن الأونروا هي من جلبت الحرب على القطاع الذي لم يكن مستعد لأي مواجهة أو حرب جديدة، بعد خمسة حروب تحملها على مضض خلال سنوات حكم حماس الحديدي للقطاع.
ان تعليق حماس وقيادتها على ما يجري في القطاع من تهجير وتجويع، يؤكد أنها لم تشعر بمعاناة شعبها الذي عانى وذاق الويلات من وراء "حرب اللاشيء"، التي لم ولن تجلب للقطاع أي ثمن أو انجاز بعد تدمير شمال القطاع ومدينة غزة وخانيونس والوسطى، حتى أنه تم تجميع 1.5 مليون نازح فلسطيني في مدينة رفح حسب اعلان الأمم المتحدة مؤخرا.
ان إصرار حماس على المضي قدما في الحرب، وعدم القبول بتهدئة أو بالورقة المصرية التي تم تقديمها مؤخرا، يثبت بشكل كبير أنها حركة لا تشعر بمعاناة شعبها أبدا، وهذا ديدن جماعة الاخوان المسلمين على مدار العصور، فهم في واد والشعب في واد آخر.
ولا يزال الكثير من الشعب الفلسطيني يتذكر ويترحم على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، عندما انسحب من بيروت عام 1982 بعدما دخلت إسرائيل بجيشها الى هناك ودمرت البلاد، فلقد كان قراره وقف الحرب والانسحاب من لبنان، فيه الكثير من الإنسانية والرحمة للشعب اللبناني الذي عانى آنذاك، ولقي قراره ترحيبا كبيرا من الجميع، حتى أن الشعب اللبناني خرج في مسيرات تحية له ولمنظمة التحرير، فما بالنا لا نجد قياديا "حمساويا" يقرر وقف الحرب والقبول بأي وساطة تنهي هذه المجزرة بحق شعب أعزل تحمل الكثير على مدار السنوات الماضية.
في اليوم الثاني والتسعين للحرب البشعة، وبعد 30 الف شهيد، وأكثر من 40 ألف مصاب، مازال البحث عن وقود للطعام، وماء للشرب، ومأوى للكرامة التي تبعثرت للكثير من الناس، فيما الثمن الأكثر فداحة، يدفعه الشعب الذي فقد الأمان والسلام في ارض السلام.
فلتنتهي هذه الحرب ومآسيها، فأينما تولي وجهك في غزة، تجد صور الألم والفقد والمعاناة، على وجوده الناس، مقابر جماعية أنشأت حديثا امتلأت سريعا بمئات جثامين الشهداء، ولا تكاد تجد مترا الا وبه شهيد أو مصاب يلملم جراحه الغائرة، وباتت رسالة جميع الغزيين لحماس "أوقفوا حرب اللاشيء ولترحلوا عن وجوهنا الى الأبد".."..