أمد/
باريس: أثار رفع جنوب أفريقيا شكوى بشأن الإبادة الجماعية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية جدلاً قانونيًا وجيوسياسيًا معقدًا، فيما يسود الترقب ما ستفسر عنه مجريات الجلسة التي بدأت يوم الخميس.
وأشارت "لوموند" إلى أنّه رغم أن محكمة العدل الدولية تفتقر إلى القدرات التنفيذية المباشرة، فإن التأثير الرمزي الذي قد يخلّفه رأي القضاة على التدابير الأولية قد يكون كبيرًا.
وتقوم الدعوى المرفوعة، في 29 ديسمبر/كانون الأول، على انتهاك إسرائيل لاتفاقية بشأن جريمة الإبادة الجماعية خلال حربها في غزة.
ومع انعقاد جلسات الاستماع، يومي 11 و12 كانون الثاني/يناير الجاري، بقصر السلام في لاهاي، فإن القضية ستواجه تحديات كبيرة، وستكون لها تداعيات محتملة.
وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إنه بالنسبة لإسرائيل، تعد هذه الشكوى "مؤلمة للغاية"، حيث تواجه الدولة، التي تأسست، العام 1948، في أعقاب المحرقة، الآن، اتهامات بارتكاب إبادة جماعية في غزة.
ويرى الفلسطينيون، الذين يشعرون بخيبة أمل من عجز الدبلوماسية الغربية عن فرض وقف إطلاق النار مع إسرائيل، في هذا الإجراء القانوني فرصة لتسليط الضوء على المعاناة في قطاع غزة.
وأسفر القصف الإسرائيلي عن مقتل ما لا يقل عن 23 ألف شخص، وإصابة 59 ألفًا آخرين على مدى 3 أشهر.
وبحسب الصحيفة، فإن الدعوى التي تستهدف إسرائيل، بسبب انتهاكها اتفاقية الإبادة الجماعية، تجبر قضاة محكمة العدل الدولية على الاستجابة للطلبات العاجلة المقدمة من جنوب أفريقيا، وحتى قبل الحكم في القضايا الجوهرية، تحث جنوب أفريقيا المحكمة على اتخاذ "إجراءات مؤقتة" مطالبة إسرائيل بوقف الهجمات المستمرة في الأراضي الفلسطينية.
ويناشد تقرير جنوب أفريقيا محكمة العدل الدولية أن تأمر بالوقف الفوري لجميع الهجمات العسكرية التي قد تشكل إبادة جماعية في غزة، والتوقف عن إلحاق الأذى الجسدي والعقلي بالشعب الفلسطيني في غزة، والامتناع عن فرض ظروف معيشية يمكن أن تؤدي إلى الدمار الجسدي للسكان، معتبرًا الجرائم الثلاث المزعومة إبادة جماعية من الناحية القانونية إذا تمَّ ارتكابها بقصد القضاء على الفلسطينيين في غزة.
وتؤكد جنوب أفريقيا أن نية الإبادة الجماعية هذه وُجدت على "أعلى المستويات، بما في ذلك الرئيس الإسرائيلي، ورئيس الوزراء، ووزير الدفاع"، مسلطة الضوء على التصريحات "المجردة من الإنسانية" التي أدلى بها قادة إسرائيليون وصحفيون وضباط ومسؤولون سابقون، وتُلقي الضوء على الخطاب العام المتدهور في إسرائيل.
وبحسب الصحيفة، فإنه من المتوقع أن تستغرق الإجراءات القانونية سنوات للتوصل إلى حكم موضوعي، إلا أن نداء جنوب أفريقيا باتخاذ تدابير مؤقتة يهدف إلى معالجة الأزمة المستمرة بشكل عاجل.
ورجحت أن تستخدم الولايات المتحدة، وهي من أشد المؤيدين لإسرائيل، حق النقض ضد أي عقوبات من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حتى لو أوصت بها محكمة العدل الدولية، إلا أنه ورغم ذلك، لا يمكن الاستهانة بالوزن الرمزي لرأي القضاة بشأن التدابير الأولية.
وتدعو جنوب أفريقيا، إضافة إلى وقف الأعمال العدائية، إلى اتخاذ إجراءات لمعاقبة أي "تحريض على الإبادة الجماعية"، مطالبة بوصول غير مقيّد لسكان غزة إلى المساعدات الإنسانية، والسماح لخبراء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومحققي المحكمة الجنائية الدولية بالدخول إلى غزة.
وقالت "لوموند" إنه بينما تتكشف جلسات الاستماع، تتصاعد المشاعر في إسرائيل، حيث يطالب بعض البرلمانيين بطرد أعضاء يؤيدون عريضة جنوب أفريقيا، وفي حين ترفض إسرائيل بشدة الاتهامات بالإبادة الجماعية باعتبارها لا أساس لها من الصحة وبغيضة من الناحية الأخلاقية، فإن الحكومة تختار عدم مقاطعة إجراءات محكمة العدل الدولية.
وترى الصحيفة أن الخطوة تشبه – إلى حد كبير- القضية التي رفعتها غامبيا ضد ميانمار، العام 2019، متهمة إياها بارتكاب إبادة جماعية لأقلية الروهينغا المسلمة.
وعلى الرغم من عدم انضمام أي دولة رسميًا إلى شكوى جنوب أفريقيا حتى الآن، إلا أن العديد منها، بما في ذلك: الجزائر، وبوليفيا، والبرازيل، وكولومبيا، وكوبا، وإيران، وتركيا، وفنزويلا، وفلسطين، أدانت الإبادة الجماعية أو أثارت مخاوف بشأن خطر الإبادة الجماعية.
وأكدت أنه على الرغم من أن قضاة محكمة العدل الدولية غير ملزمين بالتدابير التي طلبتها جنوب أفريقيا، فإن قرارهم قد يحمل ثقلًا رمزيًا كبيرًا، حيث ستتم مراقبة رد إسرائيل، بما في ذلك دفاعها على أساس "الدفاع المشروع"، عن كثب.
وشدد التقرير على أن نتيجة هذه المعركة القانونية لن تشكل مسار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فقط، بل تطال أيضًا سوابق للتفسير القانوني الدولي للإبادة الجماعية.