أمد/
اليمن بعد اليوم المائة في عمق المعركة.. اليمن ينوب عن العرب في نجدة قطاع غزة.. امريكا التي تقنع المنطقة بعدم توسيع المعركة تفتح جبهات العدوان على اليمن.. مائة يوم والعدوان على العزل في قطاع غزة متواصل على مرأى ومسمع من العالم بشتى أنواع الأسلحة جوا وبرا وبحرا من قبل ترسانة يتم تزويدها على مدار الساعة من قبل الإدارة الأمريكية وحلفائها.. مائة يوم والمقاومة الفلسطينية في كامل لياقتها تقدم نماذج بطولة وفداء واقتدار منقطعة النظير تهشم شمعة الجيش المدلل وتلحق به فضائح تسقطه من حساب الجيوش ليظهر على حقيقته عصابات قتل وجريمة.. مائة يوم والحراك السياسي الدولي الرسمي المحموم لم يتوقف لحظة في التآمر والكيد على الشعب الفلسطيني وقضيته ومقاومته.. مائة يوم من الجريمة متعددة الاشكال ولم يتحرك من العرب لنجدة غزة الا جهود يمنية محدودة القدرة وجهود لبنانية خجولة.. مائة يوم ستحفظها الاجيال القادمة ان كيف قاومت غزة وحيدة محاصرة ومظلومة تقدم عشرات الاف ابنائها شهداء وجرحى ومئات الالاف بلا طعام ولا شراب ولا مأوى..
مخاطر تهدد الطوفان:
تأتي المخاطر من جهات عديدة محاولة تشتيت الطوفان وتبديد قوة دفعه وافشاله لتكون عملية الطوفان نكبة جديدة للشعب الفلسطيني كما يروج البعض فلقد أحرج الطوفان كثيرين كما أنه كشف حقيقة مواقفهم السياسية ولهذا لم تبتعد مواقفهم كثيرا عن مواقف المنسق الامريكي للعملية الجهنمية على قطاع غزة.. وهذه المخاطر متنوعة ومتعددة الاشكال والطبائع ومتعددة المصادر منها المحلي والاقليمي والدولي.. عجلة مكوكية من المؤامرة على قدم وساق تستخدم كل وسائل التلاعب والكيد لاسقاط اكبر انجاز عربي والمبادرة العربية الوحيدة بالهجوم على المحتل، منذ مائة عام في مواجهة المشروع الاستعماري والنظام الدولي.. لم يسجل العرب ضربة استراتيجية لقاعدة المشروع الاستعماري"الكيان الصهيوني"..فكل ماسبق لم يكن على أرض يعتبرها العدو محل استقراره العميق..
وتكاد تكون المقاومة عمليا وحيدة، والشعب الفلسطيني محاصر اقليميا ودوليا بشكل رسمي ، ومن هذه المخاطر ما يتم ترويجه من مناخ تسوية وحلول من خلال مفاوضات ورسل ورسائل تجوب الاقليم.. ومحاولة الايحاء بان حلا ما قادم قريبا، كما أن الحديث يتكرر لدى لقاء وزير خارجية امريكا بكل المسؤولين العرب حول "الرهائن" والمساعدات الانسانية، وذلك في اطار التغطية على ما يحصل كل يوم وكل ساعة من عمليات ابادة وتطهير عرقي، وبعيدا عن بروبوغندا المتحدثين الرسميين يطل الموقف الامريكي الواضح بعدم ايقاف المجازر ضد الشعب الفلسطيني.. وهكذا تبدو العملية السياسية من مفاوضات ووسطاء انما هي عمليات بنج لتخدير الخطاب السياسي للمقاومة الذي ينشغل بالردود على اشاعات يطلقها اعلام القوى المعادية.. وهنا يجب الانتباه انه لابد من جهد فكري يبذل قصارى طاقته في ترتيب اولويات تفرضها الامكانيات وسير المعارك والواقع الفلسطيني جملة وعلى ضوء معطيات دولية واقليمية على أرضية حسابات دقيقة.. ان غياب الحديث السياسي وعدم وضوح الاهداف السياسية في هذه الايام يعمل على تشويش الرأي العام، فمن المعروف أنه في السياسة: التيبس أسوأ من التنازل.. ومن تلك المخاطر ماهو ذاتي وماهو موضوعي انها جبهات عديدة تتوحد أحيانا وتتوازى احيانا أخرى.
الخوف على المواقع
افادتنا قراءة مسيرة الثورة الجزائرية وظروف ميلادها كثيرا في ادراك خطورة بروز الحرص على المصالح الشخصية او الحزبية او الزعامية وتضخم ذلك الى درجة تصل باصحاب هذه الحالة الى مواقع رديئة..
في الجزائر كان مصالي الحاج رحمه الله تجربة تاريخية لابد من تدبرها ونحن نتحدث عن واقعنا الفلسطيني والغريب ان كثيرا من حلقات التاريخ الجزائري تتكرر في فلسطين بصورة مشابه الى حد كبير ربما يعود ذلك لطبيعة الاستعمار في الحالتين انها استعمار احلالي استيطاني..
مصالي الحاج زعيم وطني كبير رئيس حزب الشعب صاحب الدور المهم والبعض يطلق عليه اب الوطنية الجزائرية.. الا انه لم يتوازن عندما بدأت الأوضاع تتبدل بجيل جديد، كان له راي في ممارسة العمل النضالي وتمسك برأيه.. واصبح يمثل تيارا في الحركة السياسية يسمّى المصاليون.. وكانوا في صراع مع نقيضهم المركزيين وذلك قبل أن تنطلق ثورة نوفمبر التي تجاوزت جماعة المصاليين التي كانت ترى فيها عملا مجنونا وتشكلت الجبهة الوطنية التي أخذت على عاتقها التصدي للثورة .. وقاتلت الجبهة الوطنية ضد جبهة التحرير اربع سنوات وكانت حربا قاسية خطيرة.. ووجدت قيادات الجبهة الوطنية في النهاية نفسها في خندق المستعمر..
لكن الثورة قد استمرت وانتصرت ..انه درس بليغ لمن لم يستوعب ما حصل في فلسطين بعد طوفان الاقصى واللبيب بالاشارة يفهم.. وتظهر أول المفارقات عندما يصبح واصحا أن شعبنا لا يلوم مقاومته بل يلعن غاصبيه.. ولا يحاسب ثورته ومقاومته حتى لو أخطأن في الحسابات والتكتيك، ففي الأردن وبيروت وطرابلس سقط منا عشرات الاف الشهداء في معركة ضد الانظمة والاحزاب والطوائف.. أي في معارك جانبية بحسابات الصراع الاستراتيجي لكن لم يكن جائزا لنا ان نلوم المقاومة مهما كانت الاسباب.. كل شعبنا كان مع مقاومة شعبه دون تردد.. فهل يلوم شعبنا مقاومته وهي تحارب العدو المباشر .. المنطق يقول إن هذه المعركة هي الاشرف والاوضح.. ويكون اي لوم للمقاومة هو من باب تكرار منطق العدو..اي خلل منهجي وعقلي ونفسي هذا.. عندما يصبح الضحية يلوم من يتصدى للمجرم بدل أن يسنده ويشرح دوافعه.. اي منطق هذا.. عندما يغيب معنى الحرية والكرامة والحس الوطني نصبح ابناء قبائل امعات موزعة على ولاءات الاحزاب والاشخاص..
انه حول بصر وفقدان المعيار والحس المسؤول.. كأن الكيان الصهيوني كان حملا وديعا او أسدا نائما فذهبنا نحو لايقاظه، كأنه لا يحتل فلسطين ويهود أرضها ويحول الاقصى لمعبد يهودي ويصادر الاراضي في عملية استيطان مجنونة ويقتحم المخيمات والمدن والقرى يقتل الابناء ويعتقل ويهين الشعب.. كأن هذا العدو ليس هو من يحاصر قطاع غزة منذ أكثر من 17 سنة تخللتها حروب عديدة ألجأت عشرات الشباب الى الشتات و الهجرة الى اوربا يموت كثير منهم في البحر غرقا..كأنه ليس العدو الذي أقام كيانه على أرضنا قهرا وقتلا لنا حتى استولى على كل فلسطين والقى بأكثر من نصف الشعب الفلسطيني خارج فلسطين..
عجيب منطق أولئك الذين يلومون المقاومة ويحملونها مسئولية المجزرة الحاصلة في قطاع غزة وهذا هو منطق العدو الذي يروج له، عجيب أن ينبري بعض ابناء الاحزاب الفلسطينية وأتباع الانظمة العربية الى ترويج هذه الثقافة الهزيلة المهزومة وهم بهذا العمل الدعائي المتخاذل والمخذل انما يقومون بوظيفة خطيرة تقدم للعدو مجانا..
واضح أنه ليس للمقاومة قدرة اعلامية وادبية تكافيء ما يتم بثه في هذا السياق كما أن الخلط الذي يتم الحكم عليها بسبب ممارسات الحزب الادارية فيما سبق يعقد المسألة ويكاد يجعل لهذا المنطق الاناني وجاهة، ولولا الدعم الخارجي الدولي الاتي من شعوب امريكا واوربا الذي يحمل الكيان الصهيوني المسؤولية فيما يقع من مجازر للشعب في غزة لكانت رواية المأزومين والمتربصين لها حضور كبير.
بلنكين و الهجوم الامريكي:
منذ اللحظات الاولى التي أعقبت انطلاق الطوفان دخلت أمريكا على خط المواجهة بكل ما تملك فلقد حل بالمنطقة كل طاقم الدولة الامريكية من الرئيس ووزير الدفاع ووزير الخارجية واجهزة الامن المتعددة وفرق عسكرية خاصة واعلنت حكومة الولايات المتحدة الحرب على غزة بكل قوة، وفي هذه الحرب لاشيء غير أخلاقي يستبعد، وأبرز الوسائل والادوات بجوار الذخائر يبرز الكذب والنفاق وتشويه المعاني ومحاولة تكريس رواية جديدة مخالفة للواقع والتاريخ.
وقاد وزير خارجية امريكا حملة منظمة في المنطقة والعالم لاملاء موقف محدد على كل حكام المنطقة ودفعهم جميعا لعزل المقاومة وغزة، ومراقبة سلوك الدول ومؤتمرات القمم وارسال رسائل مباشرة او غير مباشرة لكل دولة عربية بان ملفها الخاص قابل لان يتم التفاهم عليه مع الامريكان ان هي عملت على تهدئة الاجواء والمقصود عدم توسيع جبهة المواجهة في حين يتم الاستفراد بغزة ومقاومتها.. وبالفعل فقد النظام العربي القدرة على المبادرة واستسلم لمنهجية التعامل التي فرضتها السياسة الامريكية في المنطقة.
وعلى صعيد آخر يبث وزير الخارجية الامريكي كلاما يحمل في داخله تناقضه يتحدث عن إغاثة المشردين في قطاع غزة كأنهم تشردوا بسلاح غير سلاحه.. يتكلم عن عدم قبوله بتهجير اهل قطاع غزة وكأن طرفا أخر اعلن منذ البداية عن ضرورة وجود ممرات امنة لخروج سكان قطاع غزة، يتحدث عن دولة فلسطينية وهو لم يحاول اعادة أموال السلطة المحتجزة لدى الكيان الصهيوني والتي تعود لها من المقاصة.. يتكلم عن ١٥٠ أسير صهيوني لدى المقاومة ويسكت عن ٢٢ الف شهيد و٥٧ الف جريح ودمار الاف البيوت في غزة ويسكت عن واقع الحصار المفروض على قطاع غزة وعن الغيتو المفروض على الضفة الغربية متخللة بمئات الحواجز العسكرية والاستيطان المجنون.
يتكلم عن ضرورة عدم توسيع الحرب بين غزة والكيان.. في حين انه يحشد كل قوى العالم لدعم الكيان ويفتح جبهات العدوان على اليمن مستهدفا مواقع مدنية وسكنية لان اليمن قرر ان يرفع الحصار عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة..
بلنكين وزير خارجية امريكا مشحون بكراهية الشعب الفلسطيني والعرب.. بلنكين نموذج سياسي قديم على طريقة العدوان التقليدي لن يكتب له الفوز.. ومن المعلوم ان الادارات الامريكية المتوالية لم تسع يوما في حل للمشكلات بل هي دوما من يصنع المشكلات المعقدة..
جديد طوفان الاقصى:
1- محكمة العدل الدولية.. الكيان في قفص المحكمة.. اليوم يوم محاكمة المجرمين..84 صفحة هل تكفي لرصد جرائم الصهاينة.. الكيان الصهيوني في قفص المحكمة مدانا بما ضبط فيه كما كل اللصوص القتلة.. اليوم تسقط عن ايدي الصهاينة ورقة التوت .. اليوم الصهاينة لا يمثلون الضحية بل المجرم وهذا من أهم انجازات طوفان الاقصى.. وهنا يكبر السؤال: ما الذي فعله هتلر ولم يفعله نتنياهو ؟.. بل لقد تفوق على هتلر في تدميره للمقابر والمستشفيات والكنائس والمساجد والمدارس..
لا قدرة للعدو ولا دعاية ولا انتصار.. والان محكمة تدين وتجرم وتعلن ان الكيان حالة مارقة.. سلمت أيادي المقاومة التي فضحت الصهيونية وحشدت احرار العالم للتصدي للصهيونية وحلفاءها.
2- اليمن في عمق المعركة بعد أن أعلنت موقفا عروبيا واضحا أنه لان تمر أي سفينة من باب المندب الى العدو الصهيوني طالما ان الحصار مفروض على قطاع غزة.. ولقد كلف ذلك العدو الصهيوني وشركات الملاحة الغربية خسائر فادحة.. ومن هنا كان الامر غير مستوعبا من قبل الادارة الامريكي التي تكون قد ضمنت عدم رد اي عاصمة عربية على العدوان المتواصل ضد الشعب الفلسطيني.. فكان الموقف اليمني توحدا مع الشعب الفلسطيني في معركته ضد الغزاة المجرمين.. لم يكن لليمن الا موقف تمليه الاخوة العربية والانتماء لامة واحدة وفي مواجهة ذلك كان كلام الامريكان ضد توسع المعارك الا ان الامريكان هم من وسعوا المعركة وحشدوا احلافهم ضد اهل غزة وانخرطوا في معركة شيطانية ضد الشعب الفلسطيني المحاصر المظلوم.. هنا تجيء موجة العدوان الامريكي البريطاني الامريكي على اليمن لتعزز قوة الموقف اليمني العربي في خندق فلسطين وهنا تكون الخطوة الكبيرة التي ستفتح جبهات عديدة ضد الغزو الاجنبي.. لقد كان اليمن الطليعة والفاضح للحلف الشيطاني.. ويواجه اليمن الموقف بانه لن يتراجع عن نصرة غزة مهما كان الثمن،وهكذا تتوحد جبهات المواجهة لترسم فلسطين خريطة واضحة للاصدقاء والاعداء والجبناء.