أمد/
أما وقد احتفلت حركة المقاومة الإسلامية(حماس) هذا العام بذكرى انطلاقتها السادسة والثلاثين في هذا العام بطريقة مختلفة تماما عن كل ما سبق من سنين؛ وفي ظل استمرار تصدرها لمعركة(طوفان الأقصى) التي أطلقتها في 7-10-2023م دون أن تبدو مؤشرات قوية أو لنقل كافية لتحرك الأمة وتوجيه بوصلتها نحو القدس، فنستكمل حديثنا الذي بدأناه في المقال السابق حول أحد الأهداف المركزية لحركة حماس وهو إيقاظ الأمة لتأخذ دورها المطلوب شرعا وعرفا وأخلاقا في الذب عن فلسطين وشعبها.
هوية فلسطينية دونها هويات عربية في واد آخر
تم إشهار حركة التحرير الوطني الفلسطيني(فتح) في الفاتح من كانون الثاني-يناير 1965 ليكون أحد أوائل شهدائها بعد عام واحد الأربعيني(جلال كعوش) الذي اعتقله رجال المكتب الثاني في لبنان وعذبوه حتى فارق الحياة.
وقتها كانت الدولة اللبنانية وأجهزتها قوية ومتحكمة شأنها شأن بقية الدول العربية، وهي لم تفعل ذلك خدمة لإسرائيل وكرها بفلسطين بالضرورة، ولكن خدمة لمصالح مفترضة للدولة اللبنانية، ترى بأن العمل المقاوم، يضر بمصالح هذه الدولة ويعرضها لخطر كبير!
هذه النظرية تحولت إلى ما يشبه العقيدة تجاه كل من يريد مقاومة إسرائيل من أية دولة عربية، وتتسلح النظرية أن هذا المنع وهذه الحيلولة دون مقاومة إسرائيل هي تصرف (حكيم) من الدولة العربية الوطنية القُطرية يخدم شعب فلسطين ويصب في صالح قضيتها!
وجلال كعوش وهناك غيره سواء اعتقلوا أو عذبوا وقضوا أو بقوا أحياء في سجون العديد من الدول العربية، ليسوا من الإخوان المسلمين، وبعضهم ليس من التيار الإسلامي، بل قد يناصبه العداء، ولكن الدولة العربية الحديثة(دولة ما بعد الاستعمار الأوروبي) تبنت فكرة منع الفلسطيني من مقاومة إسرائيل انطلاقا من أرضها، ومنع من يريد مقاومتها من أبناء تلك الدولة(بغض النظر عن اسمها) باستخدام القبضة الأمنية الفولاذية، والدعاية الإعلامية المزايدة المتهِمة لهؤلاء بتعريض مصالح(الوطن) للخطر وربما حتى وصمهم بالخيانة والعمل لصالح الاستعمار والصهيونية!
ولذا وجدنا أبناء الإخوان المسلمين في مصر الذين قاتلوا في فلسطين أيام النكبة الكبرى(1948م) توضع الأصفاد في أيديهم ويزج بهم في سجون النظام الملكي في مصر بعيد معارك شهد حتى خصومهم أنهم أبلوا فيها بلاء حسنا!
ولم يختلف النظام الجمهوري الذي انقلب على الملكية في مصر كثيرا، فقد حاول الهيمنة على حركة فتح، ولا مجال لشرح هذه المسألة، ورفض طلب الآلاف من الإخوان المسلمين الذين زجّهم في سجونه وأجبرهم على تكسير الحجارة (الأشغال الشاقة) في المشاركة في معارك حرب العدوان الثلاثي في 1956.
والهوية الوطنية الفلسطينية عانت حالة من الارتباك والاضطراب حتى تبلورت، والسبب هو محاولة العديد من الأنظمة العربية طمسها والسيطرة عليها؛ ذلك لأن الفلسطينيين منذ ثوراتهم الكبرى ضد سلطات الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية، حرصوا على التأكيد على أنهم جزء من الأمة العربية، لدرجة تسليم قرارهم السياسي للدول العربية التي لم تنكر ثقتها ببريطانيا باعتباره(صديقة).
وبعيد النكبة الكبرى اكتشف الفلسطيني أن هويات وطنية قُطرية نبتت وترسخت في المحيط العربي لا تقتصر على علم ونشيد وطني، بل حالة نفسية واجتماعية مدعمة بإطار سياسي ومفاهيم ومصالح لا تلتقي بالضرورة برغبة الفلسطيني في تحرير أرضه بل قد تصطدم معها بعنف.
ومع ذلك لم ييأس الفلسطينيون من محاولة سحب المنظومة العربية رسميا وشعبيا نحو تحمل مسؤولية شرعية وقومية وأخلاقية، لأن فلسطين لم تكن دولة مستقلة قائمة بذاتها احتلتها العصابات الصهيونية وأقامت(إسرائيل) فوق ثلثي أرضها؛ بل انهزمت جيوش عربية –بغض النظر عن حجمها- أمام تلك العصابات، وأحجم العرب عن إعطاء الفلسطينيين سلاحا يذودون فيه عن أرضهم، والرسالة المتداولة للشهيد عبد القادر الحسيني الموجهة للأمين العام لجامعة الدول العربية خير دليل وشاهد على هذه الحقيقة.