أمد/
د. عبد الرحيم جاموس
أمد/ في عصر مثل هذا اليوم الرابع عشر من شهر كانون ثاني يناير لعام1991م، استذكر آخر مكالمة هاتفية جرت وحصلت بيني وبين الشهيد صلاح خلف أبو إياد رحمه الله .. في إطار مهامنا وعملنا النضالي في خدمة شعبنا وقضيته وخدمة أمتنا العربية، ذلك لأنقل له جوابا على رسالة له كلفتُ من قبله وبرفقتي المرحوم الاخ عبداللطيف عثمان أبو بسام بنقلها إلى سمو أمير الرياض آنذاك الامير سلمان بن عبدالعزيز، وهو اليوم خادم الحرمين الشريفين ملك المملكة العربية السعودية حفظه الله، وكانت فحوى رسالة الشهيد أبو إياد (تتضمن التوصية على الحفاظ على أبناء شعبنا الفلسطيني المقيمين في المملكة وعلى المصالح الفلسطينية والحرص على تمتين العلاقة الأخوية الفلسطينية السعودية التي تربط الشعبين والقيادتين) وتأتي أهمية تلك الرسالة في ظل توتر الأجواء في المنطقة العربية في تلك الفترة، جراء الإحتلال العراقي لدولة الكويت في 1/8/1990 م وما استتبع ذلك الحدث الرهيب من تطورات على مستوى النظام العربي والعلاقات العربية العربية ومجمل العلاقات الدولية، وعلى المستوى الفلسطيني بشكل خاص لازال شعبنا يكتوي بآثاره. حيث تم تشكيل حلف دولي بقيادة الولايات المتحدة ودول عربية وغيرها بلغ عددها اثنان وثلاثون دولة لتحرير الكويت كرد فعل على احتلال العراق للكويت وعدم قبول انسحابه منها …. كانت الرسالة التي كُلفنا بنقلها إلى الأمير سلمان أمير منطقة الرياض حينها من الشهيد أبو إياد (تؤكد على حرص قيادتنا وشعبنا على أمن المملكة العربية السعودية وأمن الحرمين الشريفين وأن أمن شعبنا الفلسطيني وشعب المملكة العربية السعودية وحدة واحدة لا تتجزأ .. وأن من يخطئ من أبناء شعبنا شأنه شأن من يخطئ من أبناء المملكة يطبق عليه القانون .. وأن لا يعاقب الفلسطيني لكونه فلسطيني فقط ..) وبالفعل نقلنا رسالته مساء يوم13/1/1991 م إلى سمو الأمير في لقاء ليلي دام قرابة ساعتين، ووجدنا التفهم الكامل من لدن سمو أمير منطقة الرياض الأمير سلمان و كان بحضور مدير مكتب سموه الخاص الأستاذ عساف أبو اثنين، ووجدنا التفهم الشامل لمضمون تلك الرسالة الهامة التي نقلناها إلى سموه … ( حيث أجاب سموه أن أبناء فلسطين خبرناهم عقودا وكانوا من الأوائل الذين وفدوا إلى المملكة من الأشقاء والأصدقاء والذين كان لهم الدور الفعال والمشرف في مشاركة إخوانهم السعوديين في نهضة المملكة وبنائها في مختلف المجالات التعليمية والصحية والزراعية والصناعية والعمرانية، وقال ان شعب المملكة وحكومتها ومليكها الملك فهد رحمه الله آنذاك، يقدرون ذلك خير تقدير .. وأنهم يحرصون على سلامة وأمن وعمل أبناء فلسطين المقيمين في المملكة، كما يحرصون على أبنائهم وأنفسهم … وأن من يخطئ منهم شأنه شأن أبناء العائلة… وشأن أي مواطن سعودي .. يحاسبه القضاء والقانون ولن يؤخذ أحد من الآخرين بجريرة أحدٍ من المخطئين …) ..! فقد أبلغت الأخ أبو إياد في تلك المكالمة جواب سمو الأمير سلمان على رسالته هاتفيا في عصر ذاك اليوم الحزين … ولم أكن اتنبأ أن يقع قدر استشهاده في مساء ذاك اليوم الحزين أي بعد ساعات قليلة من مهاتفته، والذي بدوره شكر الأمير سلمان والمملكة حكومة وشعبا وملكا على مواقفها الثابتة دائما من الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة … لقد مثل خبر استشهاده لنا ولشعبنا ولأمتنا صدمة كبيرة وحزنا عميقا بقي كامنا في نفوسنا .. ولا أنسى كلمات العزاء التي تلقيناها فيه، لنا ولشعبنا من لدن سمو الأمير سلمان آن ذاك إذ قال حفظه الله (الأخ صلاح أبو إياد الذي تفانى في خدمة شعبه وقضيته حتى الرمق الأخير من حياته، إنه يمثل خسارة كبيرة لنا ولكم ولفلسطين .. وقال عزاؤنا فيه الإستمرار في خدمة القضية التي قضى من أجلها وهي قضيتنا جميعا قضية فلسطين هي قضية العرب والمسلمين الأولى …) رحم الله الشهيد أبو إياد صلاح خلف والشهيد هايل عبد الحميد أبو الهول والشهيد فخري العمري أبو محمد الذين امتدت لهم يد الغدر والخيانة معا في مساء14/1/1991 م .. ليرتقوا شهداء على مذبح الحرية لتحرير فلسطين. ليرحمهم الله رحمة واسعة ويسكنهم الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. وليحفظ الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الذي واكب مع إخوانه ملوك المملكة وحكوماتها وشعبها دعم الشعب الفلسطيني وقيادته وقضيته في كافة مراحلها، ولازالت المملكة تمثل العمق الإستراتيجي في دعم صمود ومساندة شعبنا الفلسطيني والدفاع عن قضيته في كافة المحافل، حتى يحقق شعبنا الفلسطيني، أهدافه الوطنية في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. لقد كان الشهيد أبو إياد ورفاقه من جيل الطليعة النضالية المؤسسة الأولى الذين عبدوا لنا بدمائهم طريق الثورة والعودة، نعم بدمائهم ودماء من سبقهم ولحقهم من الشهداء الأبرار كانوا مشاعل تنير طريق العودة إلى فلسطين وطريق الثورة حتى التحرير والنصر المبين .. لقد تتلمذنا وجيلنا على أيديهم .. لمواصلة النضال حتى التحرير والعودة وتقرير المصير وإقامة دولة فلسطين الديمقراطية وعاصمتها القدس.