بكر أبو بكر
أمد/ هناك مقالات كثيرة كُتبت فيما يسمى “اليوم التالي” للحرب على فرضية أن الحرب المشتعلة ستتوقف قريبًا أوممكن تجاوزها بسهولة رغم طوفان القتلى والجرحى والمكلومين، وعبارة “اليوم التالي” أصلًا تريح النفس المعذبة خاصة تحت العدوان، لأنها تعوضها عن قسوة الواقع القائم، فها هم يتحدثون عن اليوم التالي؟ ما يعني أن الحرب غدًا أو بعد غد ستضع أوزراها! كما الأمل أو بالحقيقة الوهم الذي اجتاح المكلومين إبان الهدنة القصيرة إن الحرب والعدوان قد توقف!
يزداد العدوان الصهيوني صلافة وجبروت واستهانة بالآخرين، فلا يوم تالي له الا المذبحة.
لم يعد أمام الثور الهائج ما يصدّه مطلقًا فثور الحرب لا يفهم الا المزيد من الدماء لتتبعثر على ملابس وأيدي ووجوه العالم. وهو ما تريده القيادة الإسرائيلية اليمينية التي تراهن على استحالة توقف الدعم الامريكي، بل وتراهن على تواصل الدعم الامريكي بلا انقطاع، حتى لو محى الجيش الصهيوني “الأخلاقي” كل الفسطينيين عن وجه الأرض! وكل ما يمكن للإدارة الامريكية أن تفعله هو الكذب على العالم وخاصة العرب والفلسطينيين، ولم لا، فالقوي يكذب كما كان قد واجه السياسي الأمريكي فيليب حبيب الاخ هاني الحسن ما بعد بيروت حين حدثه عن فشلهم بحماية المدنيين بعد الخروج من هناك وحصول مذبحة صبرا وشاتيلا قائلا له: ألم تعلم أن الدول العظمى تكذب!
لم يعد أمام ثور الحرب الإسرائيلي الهائج ما يصدّه مطلقًا مادامت أمريكا تمارس الكذب من جهة، وتجد من يشترى هذه الأكاذيب خاصة في الامة العربية التي تحلّل بعضها من أعباء القضية أصلًا! وهي من جهة أخرى تمارس الترقيع أو التغطية (بل واحيانًا التجميل) على بشاعات الحرب، وجلّ ما تفعله مع “نتنياهو” طلب تعديل الوجهة قليلًا، أوالتخفيف من صدمة العالم بوحشية “نتنياهو” وتصريحاته، وكما الأمر مع هيجان آلته الحربية المدمرة.
مؤخرا أعلن نتنياهو (السبت 13/1/2023م) أننا “سنواصل الحرب في قطاع غزة، حتى نحقق جميع أهدافنا، ولن توقفنا (محكمة العدل الدولية في) لاهاي”، و”لن يوقفنا محور الشر”!
وأضاف قائلًا أن جيشه: “يشن حربا عادلة ضد النازيين الجدد”!؟ معتبرا أن “الهجوم على دولة اليهود هو نفاق وانحطاط في التاريخ الإنساني ضد شعب قام من رماد المحرقة”.!
إذن عنوان المرحلة الحالية لدى الحكومة الإسرائيلية هو الصلف والاستهانة والغطرسة والإمعان بالقتل والإبادة والتهجير وتحدي العالم!
لذا سيستمر عدوان “نتنياهو” رغم “محور الشر” (الكل من الأغراب، الأغيار هم الشر، وعلى رأسهم العماليق/الفلسطينيين المطلوب إبادتهم حسب أساطيره وخرافاته التاريخية) ولا قيمة عنده لما تفعله محكمة العدل الدولية، وقضية جنوب إفريقيا المرفوعة ضد حكومته وجيشه بتهمة الإبادة الجماعية للفلسطينيين، مستهينًا بها وبحكمها أي كان. ومتهمًا العالم بالنفاق. كما استخدم موظفوه أوصافًا تدل على الفشل في مواجهة العالم والانسانية مثل السفالة والحقارة…الخ، في وصف الأمم التي وقفت ضد مذبحة ال100 يوم حتى الآن، وبدلالة القدرة “الأخلاقية” العجيبة لدى القيادة الإسرائيلية الحالية على الاستهانة بالدماء، وتبرير ذلك بعجرفة وتكبّر، تحقيقًا لخرافات تاريخية بائدة تجيز السحق، ولما كان من تقديس “الدم الأزرق” فقط، فيمارس أحفاد الضحية النازية اليوم دور الجلاد وكأنه قدر!
تتخذ القيادة الإسرائيلية من الحائط الأمريكي الداعم حتى عنان السماء! قدرة خارقة لمحو شعب آخر عن وجه الأرض فها هو الرجل الخارق (سوبرمان) مسلحًا بكل أدوات الحرب “الغبية” يقتل ويصعق ويدمر بجميع الاتجاهات ولا يرى بغيره الا ذلك، ولمن يرشده أو يحاول أن يخفّف من وطأة حربه (أمريكا المنافقة) فليذهب الى الجحيم، فنحن دولة مستقلة وأنا “نتنياهو” لست “بن غوريون” مؤسس الدولة والذي خضع للأمريكان بحرب عام 1956م، بل أفضل!
الى ما سبق ومع مرور الزمن قد يراهن نتنياهو أن الخبر الفلسطيني المعمّد بالدم والمحق سيعود كما كان قبل الأحداث الى خلفية الصورة والأحداث، وقد يصبح نسيًا منسيًا! وهو لا يريد أن يعلم أن فلسطين وشعبها باقية الى الأبد، وستظل لعنة ونقمة تلاحقه وتقض مضاجعه، ومضاجع زمرته الدموية الحقودة. ولن يستطيع منع هذه اللعنة مهما ظن أنه “يدفشها” الى الخلف استنادًا “للذاكرة القصيرة” للناس.
إن الحقيقة الغائبة عن القاتل أنه بأفعاله البربرية اليومية يعيد الى الصورة النضالية الفلسطينية وصورة الحق والعدل الفلسطيني بهاءه وألقه، ويعيد التضامن لفلسطين وشعبها البطل مع كل ضحية، ومع كل تصريح يجعل منه بامتياز المجرم الأول في هذا العصر.
الامعان بالقتل الحاصل بصلف جاء من فكرة الاستخفاف بالدم العربي والفلسطيني دينيًا و”قوميًا”، وسياسيًا. واستحقارًا للمحيط العربي واستصغارًا له، واستخفافًا بكل العالم الحر. وجاء من فكرة أن المقياس الوحيد لأي فعل يقوم به مرتبط بسلوك الولايات المتحدة الامريكية فهي ميزان الحرارة، وما دام الميزان -رغم كل ما يصدر من تصريحات قادة أمريكا- لا يمكن أن يختل ضدنا، فلنا أن نُمعن بالقتل ونواصل الذبح، ولينبح النابحون فالمسيرة أو “المقتلة” تتواصل!
وكما تقول الكاتبة آمال موسى في فكرتها حول الاستخفاف والإمعان بالقتل أنه” بناءً على ما تقدم؛ فإن لا حديث ولا نية لإنزال العقاب ب”إسرائيل”، وواضح أيضاً أن آلاف الأرواح الفلسطينية التي قُتلت وغالبيتها من الأطفال والنساء كأن ما حصل لهم هو كارثة طبيعية لا حول للإنسانية ولا قوة أمامها. أي الأمر لا يختلف عن إعصار ليبيا وزلزال تركيا وسوريا والمغرب.”
ردود الفعل الإسرائيلية الرسمية المتعجرفة والمستهينة على محكمة العدل الدولية فقدت الاتزان كما فقدته بعد المباغتة في أكتوبر حين جعلت من الانتقام والكراهية والحقد والثأر والسحق والمحق للإنسانية هو القوة الدافعة بالتعامل مع الفلسطينيين بقطاع غزة والضفة مما شكّل لليمين الإسرائيلي فرصة لتحقيق حلمه بالإبادة الجماعية والتخلص من الشعب الفلسطيني مرة واحدة وللأبد! كما تفعل يوميًا في قطاع غزة، والضفة الغربية بالقتل والترويع وانتهاب الأرض وبما يمنع تحرير دولة فلسطين القائمة ولكنها تحت الاحتلال.
قالت العرب “من أمن العقاب أساء الأدب” وهذا ما ينطبق كليًا على فعل الاستهانة والإمعان والصلف والعجرفة وتواصل المذبحة، فمن كان لديه أمريكا أو النفاق الامريكي أوالكذب المغموس بالشوكولاته على الآخرين-كما يقول لسان حال العدوان- فليذهب الجميع الى الجحيم وبامكاننا ان نقول أو نفعل ما نشاء!؟ وفي الحقيقة أن “نتنياهو” وزمرته يطلقون رصاصة الرحمة على أنفسهم ويدينون الاحتلال الذي يظهر مع كل تصريح أو فعل يفعلونه أنه تعدى نطاق الحرب “الكلاسيكي” وذهب بعيدًا عن الوعي الانساني السليم! وليعلم أن “اليوم التالي” دومًا هو يوم شمس فلسطين.