سليم يونس الزريعي
أمد/ ليس غريبا على أي مسؤول في كيان الاحتلال الصهيوني ، أن يكذب فيما كيانه أسس على كومة من الأكاذيب ، ومن ثم هل لنتنياهو الكاذب كشخص وكمسؤول، الذي يمثل أكبر كذبة عرفتها البشرية وتتعلق بوجود الكيان في ذاته أن يتهم الآخرين بالكذب؟
إن رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو عندما اتهم يوم الخميس 11 يناير 2024، جنوب أفريقيا بـ”تقديم نفاق وأكاذيب إلى محكمة العدل التابعة للأمم المتحدة” عندما اتهمت الكيان” بارتكاب إبادة جماعية في غزة لا يمكن أن يحدث إلا في عالم مقلوب رأسا على عقب”.
لكن نتنياهو كشخص ومسؤول كاذب تجاهل أن وجود كيانه هو نتيجة مؤامرة استعمارية غربية كان العالم فيها هو الذي كان مقلوبا ، عندما تواطأ مع الحركة الصهيونية والمسيحية الصهيونية الاستناد لمجموعة من الخرافات والأكاذيب في أكبر عملية تزوير في التاريخ لزرع الكيان الصهيوني في فلسطين. وأن الأكذوبة الأكبر هي في وجود الكيان في ذاته كونه أسس على أكاذيب توراتية دحضها مؤرخون وعلماء آثار يهود.
هؤلاء العلماء أكدوا أن الرواية التوراتية التي أقيم على أساسها المشروع الصهيوني في فلسطين كانت اختلاق متعمد أسبع عليها مروجوها رداء إلهيا، وهذا التزييف باسم الإله كشفه علماء آثار ومؤرخون يهود (إسرائيليون)، ممن يعيشون أو عاشوا في فلسطين المحتلة، فعاشوا صدمة الحقيقة بعد أن اكتشفوا أن كل الأسس التي قام على أساسها المشروع الصهيوني في فلسطين هي مجرد أكاذيب ولا أساس لها في الواقع. وأن ما يسمى بالوعد الإلهي حسب التوراة ليس سوى أسطورة مختلقة، في حين أن الحركة الصهيونية قد رأت في التوراة الأساس الفكري الأهم لإقامة الدولة اليهودية.
ولذلك جرت عملية فكرية واسعة لتعميق مفاهيم هذا الكتاب في الذهن الصهيوني، وتحويله من مجرد كتاب ديني إلى برنامج عمل، بعد ان كان المتدينون اليهود وطوال قرون يركزون على التلمود الذي يحوي التشريعات والشرائع الدينية ويخلو تقريبا من الأبعاد التاريخية.
غير أنه في إطار الترويج لمشروع الحركة الصهيونية اعتبر العرف الصهيوني أن “التوراة” مصدر للتاريخ، وفيه تكمن كل مبررات الادعاء اليهودي بالحق التاريخي في فلسطين. وجاء هذا الإحياء لهذا المصدر في الوقت الذي كانت فيه أغلبية الباحثين في هذا الحقل ترى في هذا الكتاب مجرد أساطير لا يمكن الاستناد إليها، لا في كتابة التاريخ القديم لفلسطين، ولا في منح الحق لليهود في فلسطين.
لذلك رأى عالم الآثار اليهودي زئيف هرتسوغ“ أن سكان العالم سيُذهلون، وليس فقط مواطنو إسرائيل والشعب اليهودي، عند سماع الحقائق التي باتت معروفة لعلماء الآثار الذين يتولون الحفريات منذ مدة من الزمن. فبعد الجهود الجبارة في مضمار التنقيب عن “إسرائيل القديمة” في فلسطين، توصل علماء الآثار إلى نتيجة مخيفة، وهي أنه لم يكن هناك أي شيء على الإطلاق يدل علي وجود اليهود في فلسطين، وحكايات الآباء التوراتية هي مجرد أساطير. لم نهبط من مصر، لم نحتل فلسطين، ولا ذكر لإمبراطورية داود وسليمان. إن المكتشفات الأثرية أظهرت بطلان ما تضمنته النصوص التوراتية حول وجود مملكة متحدة يهودية بين داوود وسليمان في فلسطين(3) “بل إن هرتسوغ جزم بصورة قاطعة بأن القدس لم تكن إطلاقا عاصمة مملكة كبيرة كما تذكر المزاعم التوراتية(4).
فيما نسف باحثان يهوديان هما بروفسور يسرائيل فنكلشتاين من قسم علم الآثار بجامعة تل أبيب، ونيل سيلبرمان عالم آثار أمريكي يهودي في كتاب بعنوان بدايات إسرائيل (ראשיתישראל)، قصص التوراة الأساسية مثل الخروج من سيناء وعجائب موسى ورحلة احتلال يشوع بن نون لأرض الميعاد اذ تبين مثلا أنها آثار هكسوسية وليست يهودية، بل ذهبوا إلى القول إنه على الأغلب الملك سليمان وداوود هما أسطورتان، مؤكدين أنه لا علاقة بين التوراة وأرض إسرائيل(5).
وذكر عالم الآثار ميشيل هوبينك أنّ علم الآثار في إسرائيل هو علم مشحون بالتوقعات، ومنذ القرن التاسع عشر، يجري التنقيب في الأرض للعثور على أدلّةٍ ملموسةٍ حول تاريخ الشعب اليهوديّ كما جاء في التوراة، لكن، بعد مرور قرن، لم تتوصل الحفائر إلى العثور على ما يؤكّد هذا التاريخ، بل على العكس من ذلك، تشير الدلائل إلى اتجاهٍ مُعاكسٍ(6).
وتوافِق غالبية علماء الآثار على أنّ معظم قصص التوراة لم تحدث بالفعل، ويجب اعتبارها مجرد أساطير، وحتى عالم إسرائيليّ مثل زئيف هرتسوغ، توصّل إلى قناعة بأنّ البحث عن أشياءٍ لا وجود لها ليس مُجديًا، كما قال.
والسبب الرئيس وراء عدم اقتناع معظم علماء الآثار بالحقيقة التاريخيّة لقصة خروج اليهود من مصر، كما وردت في التوراة، هو الغياب التّام لما يشير إلى وجود بني إسرائيل لدى المصريين القدامى، وتابع أنّ الفراعنة حافظوا على تاريخهم بكل عناية في النقوش والمخطوطات والمراسلات التاريخية، ولكن لا ذكر في تاريخهم أبدًا لمجموعة ضخمة تزيد عن مليوني إسرائيلي، جاء ذكرهم في التوراة، ولا عن رحيلهم المفاجئ، أوْ هزيمة الجيش المصريّ(7).
ويقول عالم الآثار هرتسوغ وكابن للشعب اليهودي، وكتلميذ للمدرسة التوراتية، فإنني أدرك عمق الإحباط النابع من الفجوة بين التوقعات وإثبات التوراة كمصدر تاريخي وبين الوقائع المكتشفة على الأرض(8).
وخيبت نتائج فورة حفريات علم الآثار بعد حرب 1967 آمالهم التي لم تتطابق وتخيلات الـ”تناخ”!عندها، اقترح الباحثون التعامل مع قصص الآباء هذه على أنها مجموعة قصصيّة اخترعها باحثون لاهوتيون أكفّاء. وقد قضت الاستنتاجات العلمية لديهم بأنّه “إذا كان ثمة كيان سياسي قام في يهودا في القرن العاشر قبل الميلاد، فإن هذا الكيان هو مملكة قبلية صغيرة، لم يتعدَّ حجم القدس فيها حجم بلدة محصَّنة، ومن المحتمل أن تكون قد تطورت في هذا الكيان الصغير عائلة سُمِّيت آل داوود”. وأنه لم يكن هناك على الإطلاق مملكة موحدة وعظيمة، وأنه لم تكن لدى الملك سليمان قصور فخمة وفسيحة ليُسكِن فيها سبعمائة زوجة”(3)
وعلى طريقته في نقض فكرة “الدولة اليهودية”، أقدم المؤرخ شلومو ساند على تقويض فكرة “المنفى وأن الشعب اليهودي أجلي عن بلاده بالقوة، كما يقول شموئيل عغنون إن “الشعب اليهودي أُجلي في أثر خراب الهيكل سنة 70 للميلاد… وفي قلبه أمل… في وطنه القديم” بأن رد ساند قائلا: “الرومانيّون لم يقوموا قط بنفي الشعوب… وهذه السياسة الشاذة لم تطبَّق في الشرق الأوسط”(4).
وفرّق ساند بين الانتماء لليهودية والإثنية؛ فاليهودية لم تنحصر في إثنية بعينها. فرجع إلى الأناجيل ليلتقط إشارات واسعة إلى عدم ثبات اليهودية في جنس واحد، فيُذكِّر بسفر زكريا، “فتأتي شعوبٌ كثيرة وأمم قوية ليطلبوا ربَّ الجنود في أورشليم، وليترضّوا وجه الرب”؛ (زكريا، الإصحاح الثامن)”. وتحدث عن تهوُّد مملكة الحشمونائيم (القرن الثاني ق.م)، ومملكة حديب في القرن الثاني الميلادي شمال الهلال الخصيب، فكانت مملكة حوديب، هي الكيان السياسي اليهودي الأول خارج يهودا ولم تكن الأخيرة. واستوطن اليهود في الحجاز؛ في تهامة ويثرب وخيبر، وكان التبشير باليهودية في اليمن قد ساهم في القرون الأولى للميلاد بانتشار التهويد في اليمن “مملكة حمير”، ويأتي بمثال تهويد أهل مملكة الخزر، ما بين القرنين السادس والحادي عشر، بين جورجيا ونهر الفولغا، الذين ذكرهم الرحالة ابن فضلان والجغرافي الإطخري والمؤرخ المسعودي. لهذا سعى الصهاينة إلى طمس الخزر من ذاكرة التاريخ، وسجلت أفريقيا الشمالية إحدى نجاحات التهويد. ولم يبدأ التهويد بالتراجع، إلَّا مع بدء التضييق على اليهودية، وذلك بعد وصول المسيحية للسلطة مع الإمبراطور قسطنطين (ت 272)، في القرن الرابع. فكانت اليهودية عابرة للأمم ولم تخصّ قومًا بحدِّ ذاته.
وعمل ساند على تفكيك الأسطورة الصهيونية عن شجرة أنساب اليهود المتسلسل لـ”الشعب اليهودي”، واتهمه نقاده الصهاينة بأنه حاول فصم علاقة اليهود بـ”أرض الأجداد” وجرّدهم من حقهم التاريخي، فرد عليهم بالقول إنه “لم يكن يتصور أن يكون هناك في مطلع القرن 21، من يُبرِّر إقامة دولة إسرائيل بالادعاء أنّها ’أرض الأجداد’”.
وشرح ساند موضوع كتابه بالقول: حاولت أن أشرح في كتابي “اختراع الشعب اليهودي” كيف فبركت الحركة الصهيونية تاريخًا مزيفًا لليهود مبنيًا على فكرة الشعب اليهودي. وبيّنتُ أن هذه فكرة خاطئة ومجرّد خرافة، تمّ استعمالها من أجل تبرير الاحتلال الإسرائيلي، فالشعب بالمعنى الأنثروبولوجي والسوسيولوجي – الاجتماعي، هو مصطلحٌ يُطلق على مجموعة بشرية تجمعها ثقافة مشتركة مثل؛ اللغة والأدب والموسيقى وما إلى ذلك من الشروط الثقافية الأخرى. وهذا ما لا ينطبق على الشعب اليهودي الذي اخترعته الحركة الصهيونية”(5).
ونخلص إلى القول إلى أنه من غير المستغرب أن يكون الكذب هو سلوك وثقافة مسؤولي هذا الكيان الذي أقيم على كومة من الأكاذيب، لكن العالم الذي كان مقلوبا في زمن صدور وعد بلفور وزرع الكيان عام 1948، يتجه إلى أن يكون غير ذلك، وأنه لا يحق للمسؤولين الصهاينة الذين قام كيانهم بتؤاطؤ كولنيالي استعماري على ارتكاب المجازر والأكاذيب أن يعظوا الآخرين عن الصدق والحق والعدل، لأنه لا صدقية للمجرمين والكذبة، كونهم كذلك.
الهوامش
1- البروفيسور زئيف هرتسوغ ، علم الآثار يكشف زيف الحق التاريخي “الإسرائيلي” هآرتس 28/11/1999 https://www.facebook.com
2- المصدر السابق.
3- نبيل عودة، أساطير االتوراة تسقط،https://www.sotaliraq.com/
4- المصدر السابق.
5- البروفيسور زئيف هرتسوغ ، علم الآثار يكشف زيف الحق التاريخي “الإسرائيلي” هآرتس 28/11/1999 https://www.facebook.com
6- المصدر السابق.
7- نبيل عودة، أساطير التوراة تسقط،https://www.sotaliraq.com/
8- المصدر السابق.
1- 9شمس الدين الكيلاني، ثلاثية شلومو ساند: في حال إسرائيل: التاريخ والمصير، 16/10/2020، https://www.arab48.com/ 10 المصدر السابق.11
11- المصدر السابق.
12المصدر السابق
13 المصدر السابق.