د. وسيم وني
أمد/
معاناة كبيرة ومأساة هائلة يتعرض لها شعبنا الفلسطيني في أعنف وأقسى عدوان شهده التاريخ على يد “شراذمه العصر” جيش الاحتلال الإسرائيلي والذي حول فيها عروس البحر قطاع غزة إلى رقعة هائلة من الدمار وأصبحت تنتشر فيها رائحة الموت، إذ يصادف يوم الأحد 14 يناير/كانون الثاني 2024 يوم الـ 100 من العدوان، والذي بدأ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي ضد شعبنا وأرضنا الفلسطينية في ظروف إنسانية وصحية غاية في الصعوبة.
فآلة القتل والتدمير لا تتوقف لو حتى لحظة واحدة ودمرت كل مقومات الحياة وقطعت الماء والغذاء والدواء وحطمت المنظومة الصحية برمتها وفرضت النزوح على مليوني فلسطيني وحاولت تهجيرهم واقتلاعهم من أرضهم التي أحبوها وأحبتهم وقدموا أرواحهم وأحبتهم فداء لترابها.
وبعد مئة يوم من العدوان المستمر إلى الآن والعدد في ازدياد نحن نتحدث عن حوالي أربعة وعشرين ألف شهيد وأكثر من سبعة آلاف مفقود وستين ألف جريح ورغم ذلك وشعبنا الفلسطيني لم ولن يرفع الراية البيضاء أو يغادر أرضه، في أعظم وأبشع كارثة إنسانية قام بها كيان الاحتلال ولا زالت تتفاقم بسبب اللغة اللاإنسانية وحرب الإبادة الجماعية التي ينتهجها قادة الاحتلال واستخدام الغذاء والماء والوقود كأدوات للحرب ضد شعبنا وأرضنا.
وبعد مئة يوم من هذه المجازر التي يندى لها جبين الإنسانية لابد من وقفة حاسمة وجادة لمحاسبة الكيان وقادته ، في كارثة هائلة فرضها الكيان على شعبنا الفلسطيني بدءًا من الأعداد الهائلة للشهداء والجرحى والمفقودين والنازحين الذين حرموا من أبسط وأدنى حقوقهم وأبسط مقومات الحياة وباتوا يرزحون تحت خط الفقر والجوع والأمراض وانتظار الموت الذي يحيط بهم من كل جانب وفي أي لحظة ، فقد أصبح كل شبر من قطاع غزة معطرًا بدم ورفات شهيد سواء في الطرقات والساحات والمستشفيات وحتى في الملاعب أصبح شعبنا يدفن فيها فلذات كبده ويغادر ولكنه لن يركع أو يساوم عن حقوقه الوطنية ، وحتى الجسم الطبي والصحي فقد كل مقوماته سواء من المشافي والكوادر الطبية والتمريضية والدفاع المدني خرجت آلياته وطواقمه عن مسار العمل والصحفيون الذين ينقلون للعالم صورة هذه الجرائم تم استهدافهم بشكل متعمد لأنهم مصدر الحقيقة التي يحاولون عبثاً طمسها، و حتى دور العبادة سواء الجوامع أم الكنائس لم تسلم أيضاً من الدمار الممنهج فطالها القصف والحصار والامراض المعدية التي انتشرت بين صفوف النازحين .
هذه المشاهد التي نراها أعادت إلى ذاكرتنا حكايات اللجوء وبدايات اغتصاب فلسطين وترويع وتهجير أهلها، فأصبحت الخيمة هي العنوان كما في العام 1948م، ولم يسلم النازحون الذي التجأوا إلى مدارس وكالة الأونروا التي تتبع للأمم المتحدة علها تحميهم من بطش آلة القتل التي لا ترحم إلا أن اسرائيل دون رحمة استهدفتهم وقطعت الكهرباء والانترنت الاتصالات عنهم وجميعنا شاهد كيف اضطر الاطباء الى اجراء عملياتهم الجراحية على اضاءة الهواتف النقالة والاجهزة الخلوية.
وأخيراً ونحن تجاوزنا مائة يوم على شلال الدم، مائة يوم على المذابح والابادة الجماعية، مائة يوم على الألم والفقد، مائة يوم على الوحشية واللاإنسانية، مائة يوم على الدمار الذي لم يسبق له بالتاريخ، مائة يوم على الشجب والإدانة، مائة يوم على انفلات الإنسانية وشعبنا صامد ويرفض مخططات التهجير ويتمسك بأرضه.
مائة يوم أقوم بتدوينها بقلمي هنا، لا تكفيها آلاف من الكتب والمجلدات، لكي نروي لمن بعدنا عن هذه المأساة المروعة، لشعب ليس كمثيله شعب في دفع الأثمان والدفاع عن قضيته العادلة، لعلنا نتذكرها يوما ما ليتوقف القتل والذبح وتسترد الحقوق، مائة يوم من الدم نسجلها بأقلامنا لكي تشهد علينا جميعا، بأننا كنا هنا ورأينا كل هذا الظلم. ورأينا غزة وهي تباد ولم ترفع الراية البيضاء.
مائة يوم وغزة تحت ابادة الحرب والقتل والحصار والتجويع، فهل يستيقظ ضمير من يتغنى بالإنسانية ويطبع مع هذا الاحتلال ويدعمه ويغطي على جرائمه؟