سليم يونس الزريعي
أمد/ على مدى مائة يوم نفذ فيها الكيان الصهيوني مئات المجازر دفع فيها الغزيون أكثر من 4 في المائة من أهلها بين شهيد ومفقود وجريح ، بمكن للمراقب أن يلحظ التغيير الجوهري في خطاب حركة حماس في سياق تسلسلها التاريخي، ذلك أن سقف الأهداف خلال لحظة الانفعال ونشوة الانتصار في ذلك اليوم، التي لم تتوقع فيه حماس هذا الانهيار لدى جيش الاحتلال، وبين يناير 2004، طرأ تغييرا جوهريا على الأهداف ولغة الخطاب الحمساوي.
ذلك أن هناك فرق بين اعتبار إسماعيل هنية زعيم حماس أن معركة طوفان الأقصى دشنت مرحلة التحرير، التي تسعى حماس من خلالها لإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية وإنجاز الحرية للشعب وحق تقرير المصير واستعاد السيادة الإسلامية على المسجد الأقصى. وبين هذا الكم من الدم والتدمير الذي طال كل مظاهر الحياة وحتى الحجر في غزة، الأمر الذي صدم العالم وشكل حالة استفزاز جراء التوحش غير الإنساني الذي كشف عن طبيعة الكيان الصهيوني. وبشكل غير مسبوق، ومع أن هذا ينفي ذاك، إلا أن هنية تعامل مع ضحايا غزة وكأنهم ليسوا صمن حساب الخسائر، وإنما ضمن مشروع استثمار بعيدة عن النزاهة وغير أخلاقية.
لكن المؤسف أنه صمن أحد تجليات “الدون كيشوتية” السياسية والفكرية وجه هنية حديثه لقادة الاحتلال الإسرائيلي، بالخروج من القدس، مؤكدا أن المقاومة على “موعد مع النصر العظيم والفتح المبين. فيما غزة تحترق والضفة تدمر ، مع أن أهل الضفة يواجهون تدمير وتجريف الآلة العسكرية الصهيونية بكل القوة والصبر .
إن مفارقة الخطاب الحمساوي أنها تتجاهل أن الناس لديها عقول مفكرة وتعرف ما يجري حولها، ومن المؤلم محاولة استغباءهاـ في حين يؤكد هنية أن عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر وضعت البداية لإنهاء الاحتلال؛ ووضعت البداية الحقيقية لزوال هذا الاحتلال عن أرضنا وعن قدسنا وعن مقدساتنا.، هذه اللغة المفارقة من حيث المعطيات، تكشف بؤس هذا الخطاب، لأن الوقائع تقول إن هناك حربا حقيقية تجري في الضفة تبدأ بانتهاك المدن والمخيمات وتدمير البيوت ، ولا تنتهي بحملة الاعتقالات التي طالت أكثر من خمسة آلاف معتقل خلال100 يوم من الحرب على غزة.
لكن السؤال لمن يوجه هنية خطابه عندما يصر على أن الانتصار العسكري المدوي الذي حُسم من الساعات الأولى للمعركة. ويقصد به وقائع 7 أكتوبر ، هي تدشين لعملية التحرير، التي هي كما نفهمها هي تحرير المناطق التي تمثل غزة امتدادا لها ، فيما لغة هنية تتناقض مع الوقائع؟ ، وبهذه اللغة تحضر الالتباسات ، من خلال فوضى المفاهيم ، التي عنوانها الربط التعسفي بين تدشين عملية التحرير والنصر، فيما غزة تدمر، ومع ذلك يجب حسب هنية توظيف هذا النصر في الاستثمار السياسي ، ولأن الوقائع مفجعة جاءت مفردة الاستثمار مفاجئة كونها مناقضة لحالة الشحن السياسي الذي أعقب عملية طوفان الأقصى، الذي جرى التعاطي معها على أنها دشنت عملية التحرير المستمرة، وهي ليست كما أعاد توصيفها حسن نصر الله ، من أنها معركة من معارك أخرى على طريق القدس وأن المعركة تكسب بالنقاط وليس بالضربة القاضية حسب تعبيره. أي عكس ما روجت حماس.
إن اسمرار مسلسل توظيف اللغة في غير محلها، تفقدها قيمتها كونها مناقضة للوقائع ، فمن غير الصائب أن يؤكد هنية على أن المقاومة مستمرة متواصلة ولن تتوقف إلا برحيل هذا المحتل عن أرضنا ومقدساتنا . فيما يصور ما يجري بالعدوان وهو كذلك، في حين أنه يناشد حتى العدو الأمريكي استخدام نفوذه لوقف إطلاق النار. وهذه إن لم تكن حالة جهل معرفي، فهي تعكس المأزق العسكري، ونظن أن اللغة تخون هنية وبعض مسؤولي حماس عندما يوظفون لحظة انهيار مقاومة الكيان يوم 7 أكتوبر والتعامل معها وكأنها وقائع مستمرة في تغطية غبية على المحرقة التي يتعرض لها أهل غزةـ ـ بل واعتبار استمرار مقاومة محرقة غزة بداية الانتصار ، لكن المهم هنا أن هذا الانتصار المقتصر على يوم طوفان الأقصى، هو فرصة للاستثمار السياسي. أي المساومة السياسية ويبدو أن هنية نسي أن الانتصار يعني فرض التحرير وليس وضعه في بازار المساومات .
ولأن حسابات حماس لم تطابق توقعاتها بخصوص ارتدادات طوفان الأقصى من جانب الكيان أو من جانب ما يسمى بمحور المقاومة ، وكذلك ما كان متوقعا من الضفة والقدس والداخل المحتل عام1948. بدأت تبحث عن مخرج من هذه المحرقة وهو مخرج يختلف في جوهره عن الخطاب الحمساوي المعلن ، فقد كشف عضو المكتب السياسي لـ”حماس”، غازي حمد، لـ”الشرق”، أن “الحركة عرضت وقفاً تاماً شاملاً لإطلاق النار، والشروع في عملية تبادل أسرى بين الجانبين، وأضاف: “لقد خاطبنا كل الأطراف )مصر، وقطر(، وعرضنا حلاً سياسياً شاملاً، تضمن قبول “حماس” لحل سياسي على أساس القرارات الدولية التي تنص على قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967. لكن إسرائيل رفضت هذه العروض مُعلنة مواصلة الحرب، “حتى تحقق أهدافها المزعومة”.
وأخيرأ لم لا تختصر حماس الطريق وتذهب نحو الوحدة التي فجرتها يوم استولت على قطاع غزة؛ لتكون جزءا من مشروع فلسطين، عوض أن تبحث لنفسها لدى واشنطن والكيان عن مكان تكون فيه فلسطين جزءا من مشروع حماس.