مسك محمد
أمد/ يتزايد الحديث هذه الأيام عن هدنة جديدة حركة “حماس” وإسرائيل والتي بموجبها يتم إطلاق سراح الرهائن الإسرائيلية من قبضة حماس وكذلك شيوع الهدوء في غزة وعودة الروح إلى القطاع الجريح بعد أكثر من مئة يوم من الحرب.
ربما يرغب الطرفان في الهدنة بسبب تفاقم الأوضاع وتعقدها على أرض فلسطين وفي المنطقة ككل خاصة بعد دخول أطراف خارجية في دائرة الصراع، ولعل أبرزها حزب الله اللبناني والحوثيين اليمنيين، لكن تبدو سياسة “العند والتكبر” سائدة بين الطرفين من أجل إثبات كل طرف للآخر والعالم أنه الأقوى والجبهة الفائزة في الحرب.
سيناريوهات كثيرة تدور عبر وسائل الإعلام العالمية والإقليمية عن مبررات خاصة بإسرائيل أو بحماس لعدم القبول بشروط هدنة جديدة، لكن ربما هناك حقيقة واحدة تلخص المشهد، وهي أن الطرفين يلعبان “سياسة” دون النظر إلى الأبعاد الإنسانية للحرب أو أوضاع الرهائن!
مازالت الوساطة المصرية القطرية تنادي بتجدد الهدنة غير أن ما يُقال من قبل إسرائيل أو حماس عن “خلافات اللحظة الأخيرة” تنهي كل الجهود الرامية للاتفاق أو تهدئة الوضع الإنساني.. فمن أين يأتي السلام؟!
قرار “حماس” أيضا باستمرار احتجاز الرهائن يلاقي انتقادات واسعة النطاق في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، كما أثار هذا النهج مخاوف بشأن مصير هؤلاء الأفراد، فضلاً عن تأثير هذه الخطوة على الوضع الإنساني الهش أصلاً في غزة، فالناس تريد إنهاء الحرب وحلول السلام.. لكن من يسمع ويستجيب!
واقعيًا، نحن أمام مأساة ومعادلة صعبة لا تنحل، ويبدو أن دخول جهات دولية على خط الوساطة لإقناع طرفي الصراع أو أي منهما بالتنازل عن بعض الشروط من أجل حقن الدماء في غزة وعودة الرهائن إلى ديارهم باءت بالفشل ولن تجدي، وما يزيد المأساة ألمًا هو تسجيل الحرب على غزة حوالي 100 ألف ضحية في 100 يوم، فما بين شهيد وجريح ومفقود تتجدد المأساة اليومية.
إن جهود الوساطات المحلية والدولية في التوصل إلى هدنة جديدة قد تسكن الآلام وتخفف وطأ المأساة سواء للشعب الفلسطيني أو للرهائن الإسرائيلية وذويهم ممن يحتجون يوميا في إسرائيل وينادون بعودة أهاليهم ورحيل حكومة نتنياهو.
لكن تظل الإبادة الجماعية في حق شعب غزة جريمة تلاحق نتيناهو وحكومته، خاصة وأن هناك مليون و955 ألف فلسطيني نزحوا قسرا من منازلهم ومناطق سكنهم في قطاع غزة، دون توفر ملجأ آمن لهم، أي حوالي 85% من إجمالي السكان، فمازالت تل أبيب تتعمّد تدمير وإلحاق أضرار جسيمة في الشعب والمجتمع ومرافق البنية التحتية بقطاع غزة، لتجعلها منطقة غير صالحة للسكن، ودمرت المساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات والمرافق والحياة ككل وكأنها لا تريد إنهاء الحرب أو عودة الرهائن.
باستقراء المشهد في غزة، يبدو أن مصير الرهائن الإسرائيلية مرتبط باستمرار جهود الهدنة والحلول الإنسانية، فنادت الأمم المتحدة بضرورة الاتفاق على خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح لإنهاء الصراع بين الطرفين وإنقاذ الوضع الإنساني في غزة، وحلول عملية السلام بإعلان اتفاق تأمين إطلاق سراح رهائن لدى حماس، وحلول هدنة لتيسير الإفراج عن الرهائن وتخفيف احتياجات الفلسطينيين في غزة، والتي بالتالي ستحدث نوعا من الهدوء داخل القطاع، ومن ثم تدفق المساعدات الإنسانية بشكل مستمر وآمن إلى جميع المحتاجين.
هذا الاتجاه دعمته جامعة الدول العربية التي رحبت بهدنة شاملة في غزة، وذلك في الوقت الذي تصاعد فيه الضغط الدولي، وتمسكت فيه عائلات الرهائن الإسرائيليين بمطالبة حكومة بلادهم بالاستقالة أو التحرك الفوري لتأمين الإفراج عنهم.
وعلى الرغم من تشبث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمواصلة الضغط العسكري، تتواصل الجهود والمساعي الدبلوماسية من أجل تسريع التوافق حول هدنة جديدة تسهل تبادل الإفراج عن الرهائن والأسرى بين إسرائيل وحماس.
في نفس الوقت، تريد حماس أن تظهر هي الأخرى في موقف قوة وصاحبة ثقل سياسي في فلسطين والمنطقة، لذلك تتعنت أمام شروط الهدنة وتغلق الأفق على أي بارقة أمل لإنهاء الحرب.
ولكن، يبدو أن الموقف يحتاج إلى وعي من الطرفين بخطورة الحرب ووضع الأسرى، وكذلك تنازلات لهدنة أخيرة في غزة، لأن استمرار الحرب ليس من مصلحة أحد.