حسن لافي
أمد/ بدأ مجلس الحرب الإسرائيلي، وخاصة ممثلي حزب المعسكر الرسمي بني غانتس وغادي آيزنكوت بطرح أسئلة تتعلق بجوهر مستقبل الحرب في غزة، وكيفية التعامل مع بقية الجبهات المشتعلة الأخرى، والحديث يدور عن الجبهة اللبنانية بالذات، إذ نشرت القناة 12 الإسرائيلية أن بني غانتس قدّم في الأيام الأخيرة قائمة من سبع قضايا حساسة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي تتعلق باستمرار الحرب، ويطالب بإجراء نقاش حولها في مجلس الحرب من أجل أخذ قرارات فيها، القائمة تحتوي على:
أولاً: قضية السيطرة على معبر رفح ومحور صلاح الدين (فيلادلفيا) على طول الحدود المصرية – الفلسطينية مع غزة.
ثانياً: أهداف الحرب المعلنة، وهل هناك حاجة إلى إعادة تحديدها من جديد، ولا سيما تلك المتعلقة بعودة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في غزة.
ثالثاً: صوغ اليوم التالي للحرب، بمعنى ما هي استراتيجية الخروج من الحرب؟
رابعاً: كيفية إدارة حياة السكان في غزة، وماهية الجهات التي ستقوم بتلك المهمة.
خامساً: عودة المستوطنين النازحين من مستوطنات غلاف غزة في الجنوب، ومستوطنات الشمال المجاورة للحدود اللبنانية.
سادساً: مطالب رؤساء مجالس المستوطنات في الجنوب والشمال واحتياجات المستوطنين الأمنية والحياتية.
سابعاً: الفترة الزمنية النهائية التي يمكن أن تمنحها “إسرائيل” للجهود السياسية الدبلوماسية للوصول إلى اتفاق مع لبنان وحزب الله؟
تشير هذه المجموعة من المطالب من إحدى ركائز مجلس الحرب الإسرائيلي، إلى أمر واحد أساسي ألا وهو أن “إسرائيل” تدير الحرب بلا استراتيجية حقيقية، بل ما يقود تلك الحرب حالة من العاطفة الانتقامية الفاشية، وأنه رغم السيطرة الإسرائيلية تقريباً على أكثر من 60% من مساحة قطاع غزة، فإن الباحث في معهد الأمن القومي الإسرائيلي “عوفر شيلح” يقول إن”احتلال الأرض والسيطرة عليها طوال الوقت يهدد بتحوّل الاحتلال من حل إلى أزمة، كما حدث مع إسرائيل في جنوب لبنان والولايات المتحدة الأميركية في العراق”، وأن قتال “الجيش” الإسرائيلي في غزة منذ بدء الحرب، يدور في إطار العمليات التكتيكية القتالية المتتالية، وكل ما يتم تداوله من تصريحات المستويين السياسي والعسكري الإسرائيليين، حول تفكيك القوة العسكرية للمقاومة والقضاء على حكم حركة حماس، وعدم عودة غزة مصدراً لتهديد “إسرائيل” مجدداً، واستعادة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في غزة، يؤكد شيلح أنها أهداف لا يمكن تحقيقها أبداً من خلال العملية العسكرية وحدها مهما كانت قوتها”.
لذلك، من السهل الوصول إلى الحقيقة التي تحاول “إسرائيل” إخفاءها، وخاصة نتنياهو، ولأهداف سياسية مصلحية شخصية، أن أهداف الحرب المعلنة لا تندرج ضمن خطة استراتيجية سياسية شاملة محددة المعالم، تنصب فيها كل الجهود المبذولة، يكون العمل العسكري جزءاً منها، تسعى للوصول إلى هدف سياسي واضح.
إن من أهم الأسباب المؤدية إلى ذلك، يتمثل في مصالح نتنياهو الشخصية السياسية والائتلافية الحكومية، كما ألهمه بذلك كل من غانتس والإدارة الأميركية، فمن الواضح أن نتنياهو قد يكون الشخص الوحيد في “إسرائيل” الذي له مصلحة شخصية في استدامة الحرب إلى ما لا نهاية، بل كما ألمح بعض المسؤولين الأميركيين أن نتنياهو يحاول توريط أميركا في حرب إقليمية من خلال إشعال حرب مع حزب الله على الجبهة الشمالية، ناهيك بتصريحاته الدائمة عن استمرارية الحرب من دون توقف حتى تحقيق أهدافها، التي بالأساس هي أهداف غير منطقية ومتناقضة وغير قابلة للتحقيق مجتمعة وفي آن واحد.
أضف إلى ذلك، ارتباط نجاة حكومة نتنياهو، واستمرارية توليه منصب رئيس الوزراء باستمرارية تحالفه مع “الصهيونية الدينية”، التي تطرح خططاً استراتيجية لليوم التالي للحرب مثل تهجير سكان غزة، وإعادة احتلال غزة وإدارتها بشكل مباشر تحت الإدارة المدنية الإسرائيلية، وعودة الاستيطان فيها، وغيرها من الأفكار التي وصفها رئيس مركز الدراسات والاستراتيجية في معهد “رايخمن” عاموس جلعاد بأنها أفكار غير قابلة للتطبيق، وغير منطقية إلا بنظر من يطرحها فقط.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أن الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن باتت لديها رؤية سياسية إقليمية واضحة لشكل الشرق الأوسط ستكون ترتيبات اليوم التالي لحرب غزة مفتاحاً لتنفيذها، مبنية على استعادة فكرة التحالف الأميركي- صهيو- عربي، من خلال التطبيع الإسرائيلي – السعودي، وإعادة إعمار غزة وفتح آفاق جديدة لحل الدولتين من خلال توحيد الضفة وغزة تحت حكم السلطة الفلسطينية المحسنة أميركياً، وهنا يدرك نتنياهو أنه صار بين سنديان الرؤية الأميركية في ظل احتياج “إسرائيل” الوجودي لها، في ظل عدم انتهاء الحرب وإمكانية تدحرجها إلى جبهات أخرى، وبين مطرقة الاصطدام مع حلفائه من “الصهيونية الدينية” الرافضين أي حديث حول حل الدولتين أو حتى مجرد الكلام عن أفق سياسي لحل القضية الفلسطينية.
ولذلك، نجد نتنياهو يناور من خلال تأجيل النقاش في القضايا المصيرية لليوم التالي للحرب، ومحاولة اللعب على عامل الوقت، من خلال الانتقال إلى المرحلة الثالثة من القتال في غزة، لتهدئة الأميركيين، وعقد صفقة لوصول الأدوية إلى الأسرى الإسرائيليين في غزة بوساطة قطرية، وتسويقها إعلامياً بشكل كبير من أجل تخفيف ضغط عوائل الأسرى الإسرائيليين، وغيرها من أحابيل الساحر نتنياهو، الذي يتناسى أن الوقت لا يلعب لصالحه، وأن “إسرائيل” لا تملك كل الوقت لاستمرار الحرب على غزة، على الأقل في قضية الأسرى الإسرائيليين في ظل شبه إجماع إسرائيلي أن وقتهم ينفد واحتمال استمرارية بقائهم على قيد الحياة في غزة مشكوك فيه في ظل الظروف المأساوية التي تعاني منها غزة من جراء الحرب الإسرائيلية.
ولا يمكن إغفال أن وقت حكومة الطوارئ التي تشكلت تحت ضغط عملية “طوفان الأقصى”، بدأ ينفد، وأن شعار تغليب مصلحة “إسرائيل” العامة على المصالح السياسية الحزبية والقطاعية الضيقة تآكل بشكل واضح، وبالتالي باتت الخلافات السياسية الحزبية حول الكثير من القضايا السمة الغالبة في المشهد السياسي الإسرائيلي، وصارت جلسات الكابينت السياسي والأمني الموسع، عبارة عن صراخ بين المستوى السياسي بعضه البعض وبين المستوى السياسي و “الجيش”، ما جعل جلساته فرصة للاستمتاع بتناول الفشار (البوب كورن)، وكأن الوزراء يشاهدون عرضاً مسرحياً، كما فعلت وزيرة المواصلات الإسرائيلية، وعضو الكابينت الموسع ميري ريجف، في فضيحة كبرى تناولها الإعلام الإسرائيلي باستهجان بالغ.
ورغم مخاوف بني غانتس من انسحابه من حكومة الحرب، وتأثير تلك الخطوة في شعبيته الجماهيرية كونه المتصدر لاستطلاعات الرأي لخلافة نتنياهو في رئاسة الحكومة في أول انتخابات بعد انتهاء الحرب، بيد أن مطالبته، بنقاش تلك القضايا السبع عبارة عن تمهيد الطريق أمام هذا الانسحاب، وتهيئة الشارع الإسرائيلي، محملاً نتنياهو وحلفاءه المسؤولية عن هذا الانسحاب، وإظهار نفسه الحريص على أمن “إسرائيل”، متسلحاً بالموقف الأميركي المتحفظ جداً من أداء نتنياهو شركائه، وبالإضافة إلى أن موقف المؤسسة العسكرية و”الجيش”، اللذين يدركان أن نتنياهو يعد لهما فخاً كبيراً من خلال تحميلهما المسؤولية عن فشل “طوفان الأقصى”، وتنصله من ذلك، ناهيك بتحميلهما مسؤولية فشل تحقيق أهداف الحرب، الأمر الذي تشي به مهاجمة أعضاء حزب الليكود ممثلي “الجيش” في لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، وتحميلهم الفشل في تحقيق أهداف الحرب بعد أكثر من 100 يوم من القتال.
لذلك، نجد أن آيزنكوت الذي ارتفعت شعبيته و “مصداقيته” بعد مقتل ابنه في حرب غزة، ورئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي، ووزير الحرب يؤاف غالنت، ومعهم غانتس وكلهم تربطهم علاقة جذرية بالمؤسسة العسكرية و “الجيش”، متفقون في موقف موحد داخل مجلس الحرب أن “من دون اتخاذ قرارات بشأن تلك القضايا السياسية، ستكون نتائج الحرب مغايرة عما تبدو عليه الآن” في إشارة واضحة إلى تحميل نتنياهو الفشل المحتمل في عدم تحقيق حرب غزة أهدافها المعلنة.