صالح عوض
أمد/ يحفر الدم الفلسطيني بجدارة في أرض الانسانية مجرى نهر للكرامة والعزة والحرية.. وتشرق الشمس من خلف التلال بعد غياب طويل تيقظ المتعبين المستعبدين من بني البشر فتفرّ الخفافيش وتهجع الضفادع عن نقيقها وتهرب الثعالب وتنزوي وتكتسي الحبال بهاء بشموخها تسر الناظرين.. تمتد أشعة الشمس الى ضمائر الانسانية المقيدة وعقولها المشتتة فيتنفض الانسان في كل مكان بكل تكامله معلنا انحيازه لأخيه الفلسطيني، ومعلنا حربه ضد الجريمة وصانعيها ومكائد شياطين الافك والجريمة، التي كادت تلقي به خارج انسانيته.. ماذا فعل الفلسطينيون بالعالم لكي ينتقض كله على مدار 100 يوم؟؟ هنا نبسط القول لنفند نفث الشياطين التي تحاول تيئيس شعوبنا لنخسر الاحساس بانتصارنا فنسلم الراية لعدونا في لحظات ما قبل اعلان الانتصار.
محليا واقليميا ودوليا قبل الطوفان:
منذ زمن طويل ونحن نتلقى ضربات وقوى الاستعمار تتقدم نحو مزيد من الانجازات على حساب وجودنا بكل عناصره، ولقد وضع الاستعماريون منذ عدة قرون استراتيجيتهم للهيمنة على العالم الاسلامي وتفتيت مركزه المغناطيسي المتمثل بالعرب.. وبعد أن حقق الاستعماريون انتصارات واسعة مشرقا ومغربا تطور أداؤهم ليتحول المشروع الاستعماري الى نظام دولي جديد يتحكم في كل العالم معتمدا على الاستعباد للبشرية ومن جيوش استعمارية وقادة استعماريين الى مركز فعل جديد متمثلا بقوى راس المال العالمي مجسدة في كتلة من عصابة المال العالمي التي أنشأت لاستمرار هيمنتها لوبيات وجماعات سرية وعلنية منها الحركة الصهيونية والماسونية والنخب اللائكية والعلمانية وطابور المستشرقين والتنويريين.. واشتغل المشروع الجديد- النظام الدولي الجديد- بتفان واتقان لاحكام السيطرة على العالم وسار في نهج التطور المستمر والقفزات المتتالية والسريعة..
في ظل النظام الدولي الجديد أصبحت الدول والشعوب على مستوى العالم في سياق العبودية لمجموعة راس المال العالمي.. وكل من يخرج عن هذا السياق تفرض عليه اشكال الحصار والعقوبات كما تم بشأن كثير من دول العالم في كوبا ونيكارغاوا وايران ويوغسلافيا والعراق وكثير من الدول التي تلاحقها الاجراءات العقابية.. ولم تقف العقوبات عند حدود الدول بل امتدت الى الهيئات والاشخاص والمؤسسات التي تتصدى لهيمنة النظام الدولي فكانت الاجراءات تلاحق بلا توان كل من يتعرض ان لم يتم التحكم به وتوجيهه حسب المطلوب.. وقد تصل الملاحقات ان لم تجد عملية الاستمالة والاغراء الى درجة الاغتيال والاعدام كما تم لكثير من العقول العربية من المشد الى نعيم خضر وقافلة طويلة من المفكرين والعلماء العرب.
على مستوى العالم تحكمت هذه القيادة السرية باكبر دولة في العالم-الولايات المتحدة الامريكية- وحولتها الى اداة طيعة لتنفيذ مخططاتها الكونية وكانت العملية ذات عدة اهداف في لحظة واحدة، ففي الحروب التي تشنها الدولة الامريكية تضطر لشراء الاسلحة والذخائر من مجمع الصناعات الحربي والتزود بالمنتجات الاخرى الضرورية من قطاعات راسمالية عملاقة تخوض الدولة بجيشها الحروب وتأتي الشركات الكبرى النفطية تسرق وتنهب ووحده المواطن الامريكي من يدفع الثمن ووحدها الدولة الامريكية الخاسر الاكبر حيث بلغت الديون عليها أكثر من 30 تريليون دولار.
وتقوم الحكومة الامريكية لتوفير بعض الاموال لايقاف العجز الرهيب في موازنتها الى تمدد اقدامها في العالم فتخضع اوربا لسياستها الاستعمارية في العالم وتجد اوربا نفسها رهينة القرار الدولي ولضمان عملية تدفق المصالح خدمة للكبار من رجال المال تتقدم الجيوش الامريكية تكسر البلاد العربية والاسلامية تفرض وقائع جديدة حيث عادت امريكا موجودة في مشرق العرب ومغربهم بقواعد عسكرية وامنية وبمستشارين امنيين واذرع منتشرة من الجواسيس والوكلاء.. وهكذا اصبحت اوربا تابع لسياسات امريكا فيما اصبح عالمنا الاسلامي تابع خانع للارادة الامريكية فيما الوطن العربي يتلقى اصعب الضربات واقساها على اعتبار ان هناك تخوف حقيقي من احتمالية حدوث نهوض روحي في مراكز الفعل داخله يتبع ذلك تحرك في شتى بلاد المسلمين وهذه كتلة في الحسابات الاستعمارية تحوز على النصيب الاكبر من التخوف الذي يقود الى التخطيط المستمر لشلها وتشتيتها.. ومن هنا يصنعون لها الفتن الداخلية والاشتباك فيما بينها فكل دولة عربية تعيش حالة صراع مع الدولة الجار.
الانقلاب الكوني:
هذه هي الحال قبل 7 أكتوبر 2023 ومن العبث القول الان ان الحال كما كان عليه.. الان انقلاب كوني عالمي واقليمي ومحلي.. الان تهتز الارض بدون توقف تحت اقدام الجبابرة من عتاة السياسة المال والشطنة..
امريكا حيث مركز الشر العالمي يتحرك الانسان ليصبح مركز حركية الحرية والتحرر والكرامة وتصبح واشنطن اهم مكان يتم تقرير صيغة الانعتاق من القوى الشريرة المهيمنة على القرار الدولي.. في امريكا يتنفض الشعب الامريكي في قطاعات واسعة لاسيما فئة الشباب بكلام لم يعتاده الناس .. هم يكتشفون على وهج الدم الفلسطيني الاعداء الحقيقيين الذين يديرون العالم من واشنطن.. وهنا يبدأ الفعل في المكان الصح ويكون الفعل هو الفعل المؤثر والايجابي.. هنا تكون كل كلمة ذات رسالة ويكون كل فعل انما هو في الاتجاه الصحيح.. لقد انتفض الامريكان ضد النظام الدولي الجديد وضد هيمنة اولئك الذين يصنعون الحروب لتجويع شعوب وقتل شعوب وذلك كله باموال الشعب الامريكي.. وهذا ما يعكس الاضطراب الحاصل في الخطاب الرسمي الامريكي وتناقضه فعلى مدار 100 يوم لاحطنا كم هي الفوضى في الموقف الامريكي لانه يحاول الموازنة بين المطالب الشعبية المتصاعدة وبين اوامر اصحاب النظام الدولي وتوجيهاتهم ومصالحهم.
وبدرجة لاتقل انطلقت اوربا في قطاعات الشباب والطبقات السياسية ووصل الامر احيانا الى مراكز الحكم في بعض دول اوربا وتقدمت دول بخطوات بعيدة نصرة لفلسطيني ومطالبة بمقاضاة العصابة الحاكمة في الكيان الصهيوني كما جاء في موقف نائبة رئيس الوزراء البلجيكي وكما كان موقف رئيس وزراء اسبانيا.. وتحسست اوربا حجم خسائرها جراء تبعيتها للسياسة الامريكية.. لقد أصبحت شوارع لندن وفرنسا واسبانيا تضج بموقف جديد لن يستطيع الحاكم الاوربي تجاهله الامر الذي انعكس بشكل كبير في تعديلات للمواقف الاوربية تجاه ما يحصل ولم يستقر على موقفه المعادي للشعب الفلسطيني الا موقف المانيا التي تستعبد من قبل الحركة الصهيونية.
واقليميا بدأ التحرك يعطي ثماره ولن يكون الموقف اليمني الرائع الا بداية الاتساع ليشمل كل بلاد المشرق العربي.. فهاهي اليمن تتحكم في بحر العرب وباب المندب ويعاني الكيان الصهيوني جراء ذلك خسائر فادحة بعد ان اصبح ميناء ام الرشراش خاو على عروشه، وفي موقف اليمنيين هذا انتصار استباقي لدولة مصر التي كانت مهددة بجفاف قناة الويس اقتصاديا حيث كان من المقرر ان تقيم الهند والكيان الصهيوني قناة من اليحر الاحمر الى البحر المتوسط تجاوزا لدور قناة السويس.. ومع اليمنيين لايمكن اغفال دور المقاومة اللبنانينة والعراقية حيث الجأت ملايين اليهود الى الملاجيء او الهروب.
فلسطينيا تبدو المسألة غاية في الوضوح ان الفلسطنيين كسروا كل مسلمات القوة لدى الكيان الصهيوني وكل مسلمات الضعف لديهم.. وانهم وحدهم استطاعوا اشغال قوات العدو 100 يوم وزيادة في معركة عنيفة الحقت به وبقوته فجيعة كبرى فلقد دوت فيه صفارات الانذار لتشل الحياة فيه بكل عناوينها وترهقه ماديا ومعنويا وتحيل جيشه الى قائمة الجيوش الفاشلة الفاشية وتسوق قيادييه من انوفهم الى المحاكم في العالم وفي التاريخ.. هذا في الحين الذي قدمت فيه المقاومة الفلسطينية بما تقوم به قوة معنوية مطلوبة للجندي العرب المهزوز كما كشفت للنخب العربية ان طريق الكرامة والنهضة والاستقلال انما هو طريق البناء والعمران والتحرر من الاملاءات الاجنبية..
كلمة لابد منها:
لن تنجح أساليب الظلمة في القتل المباشر أو في تأليب بعضنا على بعضنا الآخر ومهما بلغت تضحياتنا فإننا نسير إلى دائرة الوعي والصمود وبدابات الانتصار لنمسك بتلابيب الظلمة ولن يفلتوا منا أبدا.. لم يتوقف كفاحنا لطردهم وتوحيد ديارنا وتحرير أوطاننا ولن يتوقف هذا صحيح ولكننا الان في خطوة حاسمة حتى يظهر الله أمرنا في العالمين.. فلا داعي لليأس والإحباط.. إنها سنن التاريخ وحتمياته تحكم فيما بيننا ومن ظن أن فلسطين تعود لاهلها دون هذه التضحيات وأكثر فهو لايعرف من هي فلسطين ولايعرف ارتباطها بكل قضايا الانسان في كل مكان.. فالانتصار في فلسطين انتصار لكل الاحرار والشعوب المستعبدة في العرب والمسلمين والانسانية.
في حركة تيار التاريخ تطل معالم لا تخفيها عاتيات المحن ولا تشوبها نزعات الهوى والرغبات المنحرفة.. إن الظلمة لا يفلتون وهم بجرمهم مقيدون يساقون إلى محاكم التاريخ ليستقر في الضمير الإنساني إن النصر قادم للأصوات الحرة والمواقف النبيلة وان ساعة الباطل اقصر كثيرا مما كان يتوقع الطغاة.
أين ذهبت جيوش الاستعمار الفرنسي وترسانته الفتاكة..؟ والسؤال نفسه نطرحه اليوم على الجيش الصهيوني وترسانته الفتاكة: ما هو مصيرك والى أين تذهب؟.. هاهي آثار الفرنسيين الاستعماريين في كل مكان وقد اسكن الله المستضعفين المظلومين مساكنهم.. هاهي الأرض تتنفس بملء رئتها حرية واستقلالا.. فماذا كانت نتيجة ما فعله الاستعماريون خلال قرن وثلث في مواجهة شعب حر أبى حياة الضيم فقاوم الاستعمار ثقافة وحربا وعلى أكثر من جبهة.. النتيجة أن الاستعماريين لم يجدوا إلا الهروب المذل لهم ليكون ذلك إيذانا بانهيارات تسلطهم وعنجهيتهم واندحارهم في العالمين.. والأمر لا يقف عند حدود الظاهر بل يتسرب إلى نفسيات المهزومين الذين سلموا بالأمر الواقع فأصبحت.. صورة الثائر المنتصر أقوى واعز في وجدان البشرية جمعاء في حين مثَّل المستعمر المهزوم المدحور رمز الخسة والنذالة..
إن الظلمة لا يفلتون.. هو قانون الهي نافذ حتما فمهما حاول الظلمة تمديد ساعة ظلمهم فهي لن تكون إلا وبالا عليهم وشاهدة على خستهم ونذالتهم وان كل ما تفعله الإدارة الأمريكية الآن لن ينقذها من عقاب التاريخ الحتمي وسنن الانهيارات الماضية في الأمم والشعوب والحضارات.. فلقد عتت هذه الإمبراطورية الشريرة ومدت أياديها الأخطبوطية في شرق الأمة وغربها تحاول التفتيت والتخريب في كل الحياة ومطاردة كل عناصر المقاومة فيها إلا أن الصمود الأسطوري الذي تبديه الأمة في العراق وبلاد الشام واليمن حيث تكسرت موجات الهجمة الغربية متعددة الأشكال والأنماط.. ليصبح الجندي الأمريكي والصهيوني رمزا للهمجية والجريمة والانحدار الأخلاقي ولتظل محاولاتهم في كسر الروح المعنوية للأمة شهادة إدانة للحضارة الغربية جملة وهاهو كل شيء في الولايات المتحدة ينهار لتتحول الدولة إلى إقطاعيات للمافيا السياسية والأمنية والمالية.. وهاهي تسير نحو نهايات التسيد الذي قاتلت من اجله وأنفقت الأموال الطائلة ودفعت بمئات آلاف الأمريكان إلى الموت في حروب جميعها انتهى بفشل وخسران كبيرين.
إن الظلمة لا يفلتون وما هي إلا ساعة ظلم قاسية، ولكن نحن الان في تقويضها من جذورها، والأهم هنا أن المظلومين لم يستسلموا للطغيان الأمريكي أو الفرنسي أو البريطاني أو الصهيوني.. فمنذ الحملة الفرنسية على مصر مرورا بالهجوم على الجزائر وصولا إلى الإعلان عن ضم القدس للكيان الصهيوني.. لم تترك الأمة الاستعمار بلا مقاومة ولكننا الان ننسف قواعده معنا كل احرار العالم.. انها ايام الله العظمى والساعات الرائعة ونحن نتابع هذه الفدائية المتألقة في الفلسطينيين انها بدايات الانتصار الكبير عربيا واسلاميا وانسانيا.