حسن احمد عبدالله
أمد/ اعلن رئيس وزراء اسرائيلي رفضه اقامة دولة فلسطينية، فيما قال بناء مستشار الامن الاميركي السابق جون بولتون، ان: “حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد بات ميتًا، وان الفلسطينيين يحتاجون للتوطين في اقتصادات دول قوية، والسخرية الآن هي أن الدول العربية هي التي لا تقبل الفلسطينيين”.
هذا الموقف من الجانبين ليس وليد ردة فعل انما هو سلوك تاريخي يتصل بفهم معنى الحقوق الشرعية للاخرين، وينسجم مع العقيدة السياسية للطرفين، ولهذا حين يقول الرئيس الاميركي جو بادين: “لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها”، لا استغرابه اذا فهمنا حقيقة المنطق الذي يقود سياسة الولايات المتحدة واسرائيل، ومعظم الدول التي قامت على المبدأ نفسه لوجود اسرائيل وقبلها الولايات المتحدة.
اذ ثمة اشكالية في المنطق الاميركي تحديدا، والغربي عموما، في ما يتعلق بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ورفض الاعتراف بشرعيتها، وهي مبنية على اساس تاريخي يستند الى فكرة الدولة التي قامت عليها بعض الدول الغربية، ففي حالة الولايات الاميركية، اذا جرى الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته فهذا يعني نقض المبررات التاريخية – العقائدية التي بني عليها مفهوم وجود الولايات المتحدة، بصيغتها الاولى في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وما تمخض عنه من وجود دويلات، تحولت فيما دولة واحدة بعد صراع دموي كبير.
ايضا ان الاعتراف بالشرعية الفلسطينية يناقض مبدأ الاتحاد القائمة عليه الدولة الاميركية، لانه ذلك يفسح بالمجال للجمهوريات الساعية الى الانفصال لتبرير مطالبها باقامة دولة غير منضوية تحت اللواء الاميركي.
هذا في ما يتعلق بالفهم المعقد لمعنى رفض الشرعية الفلسطينية من جهة فلسفة الحقوق، وتطويعها وفقا لمتطلبات الوجود السياسي والواقعي تاريخيا، في المقابل ان انكار الشرعية الفلسطينية من الجانب الذاتي اليهودي / الاسرائيلي ضرورة من وجهة النظر الاسرائيلية لاستمرار الوجود، لهذا كانت المسألة الاهم لدى الحركة الصهيونية منذ الاساس انكار وجود الفلسطينيين، ولقد اتضحت هذه العقيدة في بداية بدء تنفيذ المخطط في القرن التاسع عشر، وتبلورت في بداية القرن العشرين، حين اقيمت اول مستعمرة يهودية في شمال فلسطين المحتلة عام 1908، وهي ما تسمى “كفار يوفال” على على تخوم بلدة ابل القمح، اذ يومها جرى انكار حق اهل الارض في ارضهم.
وتبلورت في المحادثات المصرية- الاسرائيلية- الاميركية في “كامب ديفيد” ورفض مناحيم بيغن مبدأ الاعتراف بالفلسطينيين، او التنازل عن الضفة الغربية، وحتى انكاره التخلي عن قطاع غزة، لان مبرره “انها ارض يهودية، وتنازل عنها يعني نقض السيادة الاسرائيلية”.
اليوم حين يتجدد الحديث عن حل “الدوليتن” فإن ثمة اشكالية كبيرة لدى الاميركيين والاسرائيليين على حد سواء، وهو ان اقامة دولة فلسطينية يعني الاعتراف بالحق الشرعي، وبالتالي نقض الشرعية الاسرائيلية، ما يؤدي الى الاعتراف الضمني وغير المباشر بعدم صحة النبوءة المزعومة بوجود اسرائيل التوراتية.
هذا الموقف تاريخي في الرؤية الاميركية- الاسرائيلية الى فلسطين، وحتى عندما فرض على واشنطن وتل ابيب “اتفاق اوسلو” عملت الادارتين على تقويضه تدريجيا، وجعله اشبه بحكم نصف ذاتي كي لا تنقضا مبرراتهما التاريخية المزعومة من جهة، ويتماشى ايضا مع مقولة ان “مشكلة الفلسطينية عربية، وليست اسرائيلية”، وان حل اللاجئين يجب ان يكون عربيا.
على هذا المبدأ يمكن فهم ماذا يعني قانون الدولة اليهودية، ولماذا جدد الرئيس الاميركي جو بايدن مقولته الشهيرة “لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها”، لانه في هذه النقطة يتحدث عقائديا، وليس بوصفه رئيسا اميركيا، ويخضع للدستور والقانون الاميركي.
في هذا الشأن يمكن التذكير بالاقترح بيغن خلال المفاوضات في القدس حين زارها انور السادات اذا قال الاول للاخير: “عليكم ان تنظروا الى ليبيا فهي المجال الستراتيجي لكم، وتنسوا الاراضي التي تعتبرونها محتلة”.
كان البحث عن اقامة وطن بديل للشعب الفلسطيني هو الركن الاساسي في عملية طمس الوجود، لان مجرد البقاء في الارض ينسف مبدأ شرعية الكيان الصهيوني، ولهذا حين يجري التسويق، غربيا عموما، واميركيا خصوصا لـ”حل الدولتين” في هذا الشكل المبالغ فيه اليوم، فان الهدف منه تسويف الوقت لا اكثر.
فهذا الشعار يفتقد الى اهم العناصر القانونية، وهو عدم السماح للفلسطيني اختيار ممثله القانوني، بل الفرض عليه من يحكمه، وهذا يخالف مبدأ القانون الدولي.
ثانيا: ان عدم الاعتراف بمبدأ الحق بعناصر الدولة الواقعية، وايضا ان مجرد اعلان الدولة، يعني الاعتراف بحقها بالدفاع عن النفس، وهذا يناقض مبدأ وجود اسرائيل، لان فكرتها قائمة اساسا على التوسع، لهذا فهي ضربت عرض الحائط بكل المواثيق وعززت الاستطيان في الضفة الغربية مثلا، وليس مستغربا انكار الوجود الفلسطيني الذي يبرر الابادة الجماعية الحاصلة حاليا.