أمد/ تل أبيب: الأناضول: تحول النائب المعارض في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، عوفر كسيف، إلى هدف للانتقادات في بلاده، بسبب دعمه لدعوى “الإبادة الجماعية” في غزة، التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد تل أبيب نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
و”كسيف” هو نائب عن “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة”، ومعروف برفضه للاحتلال الإسرائيلي، وتأييده لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته.
وفي 6 مارس/آذار 2019، قررت اللجنة المركزية للانتخابات، استبعاد “كسيف” من الترشح، بسبب مواقفه المناهضة للاحتلال، لكن المحكمة العليا (أعلى هيئة قضائية)، رفضت قرار اللجنة، وسمحت له بالترشح، ومن ثم دخول الكنيست.
وفي الوقت الذي انطلقت فيه حملات ضده على وسائل التواصل الاجتماعي، بدأ النائب عن حزب “إسرائيل بيتنا”، عوديد فورير، بجمع التوقيعات في البرلمان لطرد كسيف من عضوية الكنيست.
وعقدت محكمة العدل الدولية في لاهاي، في 11 و12 يناير/كانون الثاني الجاري، جلستي استماع علنيتين في إطار بدء النظر بالدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب “جرائم إبادة جماعية” بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
وفي 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، رفعت جنوب إفريقيا دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية، تتهم فيها إسرائيل بارتكاب “جرائم إبادة جماعية” في قطاع غزة الذي يتعرض لحرب شرسة منذ أكثر من 3 أشهر.
وتم تعليق مشاركة كسيف في جلسات البرلمان لمدة 40 يومًا، بسبب معارضته للهجمات التي تشنها إسرائيل على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وعبر كسيف عن معارضته للهجمات الإسرائيلية على غزة، ودعمه لقضية الإبادة الجماعية المرفوعة ضد إسرائيل.
وقال للأناضول إنه “ليس من السهل على معارضي الحرب أن يرفعوا أصواتهم في إسرائيل، ويكاد يكون ممنوعاً تنظيم مظاهرات مناهضة للحرب، أو الدعوة إلى إنهائها”.
وأشار إلى أنه “يتم إيقاف الطلاب الذين يفعلون ذلك في المدارس أو الجامعات، ويُطرد آخرون من وظائفهم، فيما تمارس الشرطة شتى أنواع العنف بوحشية ضد المتظاهرين”.
ولفت كسيف إلى أن “العنف لا يأتي من المستوى الحكومي فحسب، بل يتغلغل أيضًا داخل شريحة واسعة من المجتمع الإسرائيلي”.
وأوضح أن “هناك اعتداءات ضد حرية التعبير، تُمارَسُ ضد من يرفع صوته ضد الحرب، ويتلقى الإسرائيليون المعارضون للحرب تهديدات بالقتل”.
وأكد أن “الناس يخافون من الشرطة، لأنها تمارس عنفاً حقيقيًا ضد مناهضي الحرب، والأسوأ من كل هذا أن العنف يحظى بالشرعية من قبل حكومة رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو)، وخاصة من قبل ما يسمى بوزير الأمن القومي (ايتمار بن غفير)”.
والأربعاء، دعا بن غفير، في مقابلة أجرتها القناة “13” العبرية (خاصة)، إلى “احتلال قطاع غزة والبقاء فيه وتشجيع هجرة سكانه”، رغم الانتقادات الدولية لمثل تلك التصريحات.
وأشار كسيف إلى أن “السبب الوحيد للحرب على غزة هو ضمان استمرار حكومة نتنياهو، وأن القضية لا علاقة لها بـأمن الإسرائيليين”.
** إذا لم نوقف الحرب ستنفجر المنطقة
وحذر النائب الإسرائيلي من أن “عدم توقف الهجمات على غزة فورًا، قد يحوّل الصراع إلى حرب إقليمية أو عالمية”.
ولفت إلى أن “الجميع سوف يدفعون ثمناً باهظاً، إذا استمرت حكومة نتنياهو الرهيبة في السلطة”، وفق تعبيره.
وبحسب كسيف، فإن “الطريقة الوحيدة لمنع ذلك، هي وقف الحرب في أسرع وقت ممكن، وإجراء تبادل للأسرى، والانسحاب من غزة، وبدء عملية سلام جادة”.
وأشار إلى “التناقض الموجود في خطاب السلطات الإسرائيلية، فهي وبينما تدعي عدم استهدافها للمدنيين في غزة، تقول أيضًا أنه لا يوجد أبرياء في القطاع”.
**ما حدث في غزة يحتاج إلى تحقيق
وفيما أشار كسيف إلى عدم رغبته القول إن الحكومة الإسرائيلية ترتكب “إبادة جماعية” في قطاع غزة، قال: “أترك التعريف القانوني للإبادة الجماعية للخبراء في هذا الموضوع”.
ومع ذلك، قال كسيف إن “السبب وراء دعمه لدعوى الإبادة الجماعية، هو اعتقاده بضرورة التحقيق فيما يجري من أحداث في غزة من قبل جهة مستقلة”.
وتابع: “في رأيي المهم هو التحقيق فيما يحدث في غزة، أنا لا أثق بالحكومة الإسرائيلية أو وكلائها، لأن ما يجب التحقيق فيه هو ممارسات الحكومة الإسرائيلية”.
وأكد أن “مطالبة الحكومة الإسرائيلية بالتحقيق في هذا الأمر، يشبه مطالبة اللص بالتحقيق مع نفسه لمعرفة ما إذا كان قد سرق، وهذا هراء”.
وأوضح أن “السبب الآخر لدعمه قضية الإبادة الجماعية هو وقف القتل، وهذا الهجوم الرهيب على غزة أزهق الأرواح من الفلسطينيين ومئات الجنود الإسرائيليين، وفي الوقت نفسه، ما زالت حماس تحتجز 136 سجينًا إسرائيليًا في ظروف سيئة للغاية، لذلك أريد أن يتم إنقاذ حياة هؤلاء الأبرياء”.
وتقول إسرائيل إن “حماس” تحتجز نحو 136 إسرائيليا في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فيما تطالب “حماس” بوقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، مقابل إطلاق الأسرى الإسرائيليين لديها.
**الحل الوحيد موجود لدى المؤسسات الدولية
وأكد كسيف أنه “من المستحيل تحقيق وقف الحرب من خلال الاحتجاجات الداخلية، بسب إجراءات الحظر والممارسات القمعية التي تسيطر على إسرائيل”.
وأضاف أن “الديكتاتورية باتت أمرًا واقعًا يسيطر على الحياة السياسية في إسرائيل، ولم يبق لنا إلا اللجوء إلى رحمة المؤسسات الدولية، وهذا هو السبب الرئيسي الذي يدفعنا إلى دعم قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا”.
وذكر كسيف أنه “بحسب استطلاع للرأي، فإن 47 بالمئة من المجتمع الإسرائيلي يؤيد إنهاء الحرب لإنقاذ الأسرى، وأنا أتفق أيضًا مع هذا الرأي”.
وأوضح أن إسرائيل “ليست ملزمة بالامتثال لقرار محكمة العدل الدولية، لكن عدم التزامها سيتحول إلى ضغوط دولية، وإن القضية يمكن أن ترفع إلى مجلس الأمن الدولي إذا لم تستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو)”.
**الصحافة الإسرائيلية تخون المهنة
وحول سؤال عن عدم سماح الجيش الإسرائيلي للصحفيين بدخول غزة، قال كاسيف: “ربما لديهم ما يخفونه، وإذا كنت لا تسمح لشخص ما بالدخول إلى مكان ما، فهناك شيء لا تريد أن يراه أحد”.
وشدد كسيف على أنه “لا يوجد شيء اسمه حرية للصحافة عندما يتعلق الموضوع بغزة، و90 بالمئة من الصحفيين في إسرائيل شاركوا بالتعبئة طوعاً لدعم الحرب وسياسة الحكومة”.
وختم بالقول: “لا يوجد ما يقيد الصحافة، لكنهم اختاروا عدم التصرف بحرية، أعتقد أنه عندما ينتهي هذا الوضع المخزي، سوف نتذكر أن الصحافة الإسرائيلية خانت مهنتها”.
وفي 8 يناير الجاري، بدأ الكنيست الإسرائيلي، بإجراءات عزل “كسيف”، بعد توقيعه على عريضة تدعم مقاضاة بلاده في محكمة العدل الدولية في لاهاي، بتهمة ارتكاب “إبادة جماعية” في غزة، وفق صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية.