وسام زغبر
أمد/ لم تكف إسرائيل عن ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، للشهر الرابع على التوالي، ضاربة بعرض الحائط لما يجري في أروقة محكمة العدل الدولية بل تهاجمها وتهاجم دولة جنوب أفريقيا قبل الانتهاء من التحقيق كونها قدمت شكوى ضد إسرائيل وفتحت تحقيقاً في ارتكابها جرائم الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.
إن إسرائيل الدولة القائمة بالاحتلال، أضحت دولة مارقة ولا تحترم القانون الدولي الإنساني ولا تعطي اهتماماً لمبادئ حقوق الإنسان، وأفعالها تؤكد أنها لا تحترم المواثيق والأعراف الدولية ولا تكترث لكافة المطالبات الأممية والدولية الداعية لحماية المدنيين في أوقات الحرب بل طالت جرائمها الأموات أيضاً من خلال تدمير القبور وإخراج جثامين الشهداء الفلسطينيين، مسنودة بالدعم الأميركي اللا مشروط لها سياسياً وعسكرياً، واستعمال الإدارة الأميركية البطاقة الحمراء «حق النقض «الفيتو»» في مجلس الأمن الدولي في وجه كل من يدين إسرائيل وحرب الإبادة ويدعو لوقفها.
إن حرب الإبادة الإسرائيلية تدخل شهرها الرابع، وشلالات الدم في قطاع غزة تتواصل، في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات والتحركات الشعبية والرسمية في عديد العواصم والمدن الأوروبية والأميركية المنددة باستمرار الحرب، إلا أن واشنطن ما زالت تقف إلى جانب إسرائيل وحقها في الدفاع عن النفس وترفض وقف إطلاق النار في قطاع غزة مكتفية بإبرام الهدن الإنسانية تحت مزاعم أن اتفاقاً لوقف إطلاق النار يخدم المقاومة الفلسطينية في غزة.
ومن الواضح أن ادعاءات إسرائيل على لسان عدد من أعضاء مجلس الحرب أنها لن تسعى لتهجير الفلسطينيين لخارج قطاع غزة، وكذلك التصريحات الصادرة عن الإدارة الأميركية التي تصب في ذات الاتجاه، ما هي إلا ذر للرماد في العيون. إن خطوات قوات الاحتلال الإسرائيلية الممنهجة وحربها الشعواء سواء بالتقتيل أو التدمير أو الاعتقال التعسفي أو الاخفاء القسري، وإحصائيات الشهداء والمفقودين والجرحى الكبيرة، والدمار الهائل في منازل المواطنين وممتلكاتهم والمصانع والمنشآت والأراضي الزراعية، وعرقلة إدخال المساعدات الإنسانية، تفند تلك الادعاءات، وتؤكد أن دولة الاحتلال ماضية في مخطط التهجير القسري وكل ما يتطلبه ذلك في مواصلة عدوانها وجرائمها بلا هوادة.
ثمة ضغوط أميركية تمارس على رئيس حكومة الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ليس لوقف الحرب التي فشلت إسرائيل حتى اللحظة في تحقيق أياً من أهدافها، بل للإجابة على تساؤلات «اليوم التالي للحرب»، حيث لا توجد خطة إسرائيلية لليوم التالي للحرب عملياً، بل مجرد أقوال عامة وسط مماطلة من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حفاظاً على مصالحه الشخصية والسلطوية وتهرباً من التحقيق معه عن اخفاقات معركة طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وتشدده في عدم قبول السلطة الفلسطينية في صيغتها الحالية لإدارة قطاع غزة.
وتدور في الأروقة الإعلامية والمحافل الأمنية في إسرائيل نقاشات حادة حول عدم مناقشة نتنياهو اليوم التالي للحرب، بهدف إطالة أمد الحرب بلا نهاية، وأن لدى نتنياهو خطة غير معلنة لاحتلال قطاع غزة واقامة حكم عسكري مباشر فيه.
ولا ترى إسرائيل في السلطة الفلسطينية طرفاً لإدارة قطاع غزة، وترفض كذلك عودة حركة حماس إلى إدارة شؤون القطاع بعد انتهاء الحرب، وحتى وكالة الأونروا وأية أطراف أخرى، حيث تقول صحيفة «إسرائيل هيوم» العبرية في مقال للكاتب الإسرائيلي أيال زيسر في 14 كانون ثاني (يناير) 2024، المعنون فيه «لا حماس ولا الأونروا وأخواتها سيحكم قطاع غزة، إسرائيل وحدها هي التي ستحكم»، ويشير كاتب المقال لوجود فراغ سلطوي لحكم حركة حماس في مدينة غزة وشمال القطاع، وتعيش حالة فوضى عارمة، وأن من يُسير أمور المواطنين هناك وكالة الأونروا من خلال تقديم جزءًا يسيراً من المساعدات بما لا تتعدى 10% من احتياجات النازحين.
ويقول كاتب المقال: «ما ينبغي لإسرائيل فعله هو أن تحكم كل قطاع غزة بشكل مباشر، إلى حين وجود الجهة، إذا ما وجدت، التي يمكنها أن تنقل المسؤولية عن القطاع إليها». مضيفاً: «يجب إقامة حكم عسكري في قطاع غزة يمنع الفراغ السلطوي الذي معناه عودة حماس. المعضلة واضحة: إما نحن من يحكم المنطقة أو حماس».
ولكن إسرائيل تريد احتلالًا عسكرياً مباشراً لقطاع غزة دون أن تتحمل المسؤولية الكاملة عن كلفة احتلالها وحياة المواطنين وأعباء إعادة الإعمار هناك، وخاصة أن حجم الدمار الهائل طال أكثر من 70% من بيوت الغزيين وممتلكاتهم والبنى التحتية، وهذا دفع الإدارة الأميركية لتقديم مقترح لإعادة إعمار قطاع غزة مقابل صفقة لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وفق ما صرح به بريت ماكغورك منسق الأمن القومي الأميركي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وستكون الصفقة حافزاً لإعمار القطاع والتي ستشارك فيه دول خليجية وعلى رأسها السعودية وقطر والإمارات. فيما عرض وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن الخطة على قيادة السلطة الفلسطينية والتي رفضتها.
فيما نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» تقريراً أعدّه روري جونز قال فيه إن «الحرب في غزة أصبحت أهم حدث جيوسياسي في القرن الحالي، فبعد أكثر من 105 يوم قتلت إسرائيل اكثر من 25 ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال إلى جانب نحو 8000 مفقود، وأكثر من 65 ألفاً من الجرحى، وتدمير أكثر من 70% من بيوت غزة ما بين تدمير كلي أو جزئي والبالغ عددها قرابة 450 ألف بيت.
وأضافت الصحيفة أنه بعد أكثر من 105 يوم، تحولت الحرب على قطاع غزة إلى انتقام إسرائيلي شرس بدون منظور لنهايتها، ولصراع مستعصٍ يهدد بالانتشار أبعد من القطاع، وبهذا تكون غزة اعادت تشكيل السياسة العالمية وعرقلت التجارة الدولية.
حيث خلطت الحرب على قطاع غزة أوراق السياسة الأميركية وأولوياتها، فقبل الحرب كانت واشنطن تركز جهودها بالمنطقة على التطبيع، وخاصة بين السعودية وإسرائيل، بهدف إعادة تشكيل التحالفات الأمنية بالمنطقة واحتواء إيران. وقد توقف كل هذا، ولا يعرف وقت استئنافه من جديد.
وأصبح السؤال الآن يتمحور حول القضية الفلسطينية وكيفية تسوية الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني الذي تجاهلتْه إسرائيل والمجتمع الدولي، ولكنه أصبح في مركز الدبلوماسية الدولية، مع أن الطريق إلى حل الدولتين بات صعباً وشائكاً من ذي قبل.
وتقول سنام وكيل، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: «مع أن المنطقة تدندن» مع المعزوفة الأميركية إلا أن «هذه الفكرة عن تهميش القضية الفلسطينية هي سراب».
وتضيف هيو لوفات من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «عندما تنتشر الحرب إلى خارج غزة، إلى المنطقة بأكملها، وهو ما يحدث الآن.. تحدث عندها التداعيات العالمية».
وتقول لوفات: «من رؤية بكين وموسكو، فإن مراقبة الولايات المتحدة وهي تهدر مصادرها على دعم إسرائيل ليس سيئاً»، وتضيف «في النهاية تتفوق الصين وروسيا».