أمد/
لندن: بعد نشر ثلاث حلقات عن علاقة حافظ الأسد بشقيقه الأصغر في البدايات، واتساع نفوذ رفعت، وتفاصيل الصراع مع "الإخوان"، وتهديد رفعت بـ"مليون قتيل"… و"أول إشارة" للتوريث من الأسد ومرضه، تنشر "المجلة" تفاصيل التحركات العسكرية لقوات رفعت في دمشق لاستلام الحكم:
بعد فترة عاد الرئيس حافظ إلى منزله واستمرت جهوده لعزل رفعت في الأوساط العسكرية. وكان العميد علي دوبا والعمداء علي حيدر وشفيق فياض وإبراهيم الصافي يزورون القطعات العسكرية، و"في زيارة لأحد الألوية المتمركزة قرب تكية في منطقة الزبداني وخلال مأدبة غداء أقامها قائد اللواء وهو من المحسوبين على العقيد رفعت، تحدث الزائرون عن الوضع وعن تمرد العقيد رفعت الأسد واتهموه بالتآمر وكان أشدهم قسوة العميد شفيق فياض".
في مساء ذلك اليوم كان هناك اجتماع في القيادة القطرية، و"عندما توجهت إلى مبنى القيادة فوجئت بعشرات الجنود من سرايا الدفاع منتشرين في باحة القيادة وفي الممرات. دخلت قاعة الاجتماعات وكان حاضرا معظم أعضاء القيادة، وبعد بداية الاجتماع بقليل دخل العقيد رفعت وهو يرتدي بزته العسكرية وبيده مجموعة أوراق وطلب الحديث وكان شديد الانفعال، وقال: الجيش مستنفر والدبابات محملة والضباط ينتظرون أمر التحرك. في الجيش خونة ومتآمرون، علي دوبا وعلي حيدر وشفيق فياض وإبراهيم الصافي وعدنان بدر الحسن. الآن يجب أن تتخذ القيادة قرارا بطردهم من الحزب ومحاكمتهم، لقد أهانوني وشتموني وكرامتي هذه كرامة الرئيس، فأنا شقيقه، والآن يجب أن تتخذوا قرارا بتسميتي رئيسا للمكتب العسكري، وأطلب التصويت على هذا الاقتراح فورا".
وبالفعل طرح الأمين القطري المساعد لحزب "البعث" الحاكم مشارقة الاقتراح على التصويت فصوت إلى جانبه كل من مشارقة وتوفيق صالحة وسعيد حمادي ووهيب طنوس، فسقط الاقتراح وازداد انفعاله. تحدث طلاس محاولا تهدئة العقيد رفعت. وقال له: "يا أبا دريد هؤلاء رفاقك وزملاؤك. اليوم انتم مختلفون وغدا تتصالحون، لذلك أتمنى عليك طي هذا الموضوع. وهنا ازداد انفعاله ووقف يريد مغادرة القاعة".
ويقول خدام: "صرخت به بصوت عال. رفعت اجلس مكانك لدي كلام يجب أن تسمعه. هذه الدبابات ليست ملكك وملك أبيك هذا الجيش ليس أداة للزعرنات والرذالات. تريد أن تقوم بانقلاب تفضل اعمل انقلابا. كل مرة يكون لدى واحد منكم بضعة دبابات يريد أن يركب على أكتافنا، الانقلاب يا رفعت ليس مزحة، فيها قطع رقاب، وصمتت. وهنا قال: أنا لم أقل إني أريد أن أعمل انقلابا وأنا لم أهدد. أنا قدمت شكوى للقيادة. فأجبته: الكلام كله مسجل. وهدأ. وتابعت القيادة مناقشة جدول أعمالها. بعد انتهاء الاجتماع وعودتي إلى المنزل اتصلت بالرئيس حافظ وأبلغته بما جرى في الاجتماع فأجاب: يريد أن يقوم بانقلاب يتفضل".
ويتابع: "بعد قليل عاد الرئيس حافظ واتصل بي، وقال لقد سألت زهير مشارقة فأجابني بأن الجلسة كانت عادية وهادئة. قلت: هذا الكلام الذي نقل لك غير صحيح. فطلبت من الرئيس سؤال طلاس والشهابي والاستماع إلى الشريط المسجل. فأجابني: هل معقول أن يكذب زهير بهذا الشكل؟ فأجبته: أرجو أن تتأكد. بعد نصف ساعة عاود الاتصال بي وقال: سألت مصطفى وحكمت، وأكدا لي ما قلته أنت، وهذا النذل زهير مشارقة كيف يكذب علي بهذا الشكل؟ فأجبته: مشكلة الحزب في كثرة الأنذال بقياداته".
رفعت… وخطة للتقسيم
استمرت التوترات بالبلاد، وذات يوم طلب ضابط من "سرايا الدفاع" مقابلة الرئيس حافظ الأسد، وأن لديه أمورا مهمة يريد أن يعرضها على الرئيس، و"بالفعل استقبله الرئيس وحدثه عن مخطط يعمل على تنفيذه العقيد رفعت الأسد ويقضي بسلخ الساحل وقسم من محافظات حمص وحماة وإدلب وإقامة دولة له فيها فجن جنون الرئيس، وقرر عندئذٍ إنهاء المشكلة والتخلص من شقيقه رفعت، وناقش الرئيس مع نفسه مسألة استخدام القوة ضد رفعت، فقدر أنها ستؤدي إلى مجازر قد تنهي النظام، فآثر العمل الهادئ. وفي تلك الأثناء كثر الوسطاء بين الشقيقين، وكان منهم جميل الأسد، واللواء ناجي جميل، واللواء محمد إبراهيم العلي قائد الجيش الشعبي. وفي لقاء بين محمد إبراهيم العلي، وجميل الأسد، تحدثا عن الوضع وضرورة إنهاء المشكلة، فاقترح جميل الأسد على محمد إبراهيم العلي أن ينقل اقتراحا يفكر فيه جميل، وهو أن يقيم الرئيس حافظ، والعقيد رفعت، وجميل الأسد، في القصر الجمهوري، بعيدا عن زوجاتهم، لأنهن سبب المشاكل، ويديروا شؤون الدولة، وهو بالإضافة إلى ذلك يطبخ لهم الطعام، فسخر اللواء محمد إبراهيم العلي وقال له لا يفكر أحد بمشاركة الرئيس في سلطته".
ويذكر خدام: "علمت من أحد الضباط العاملين بالقصر أن جهودا تبذل مع (المرشدين) لتخلي ضباطهم عن رفعت، وأن محمد إبراهيم العلي (قائد الجيش الشعبي) يقوم بدور في هذا المجال. وبالفعل فإن مرجعهم الروحي قد أمرهم بالتخلي عن رفعت والالتزام مع الرئيس حافظ".
ثلاثة نواب للرئيس
في أوائل مارس/آذار عام 1984 دعا الرئيس الأسد خدام لزيارته في منزله، فذهب إليه، وبعد حديث قصير قال: "قررت تعيينك نائبا لرئيس الجمهورية، وتعيين رفعت الأسد، وزهير مشارقة، نائبين لي، وستكون مسؤولا عن قطاع السياسة الخارجية، وأخذت هذا القرار لإنهاء مشكلة رفعت، وإخراجه من الجيش. صمتُّ قليلا وقلت له: أوافق بشرط أن أكون الأول. رد: لكن زهير مشارقة أمين قطري مساعد، فأجبته: عندما كنت أمينا للشعبة الحزبية في بانياس زهير لم يكن قد دخل إلى الصف الأول الابتدائي، بالإضافة إلى مسؤولياتي الحزبية والحكومية اللاحقة. أنا قبلت لمصلحة العمل أن أعمل وزيرا مع أشخاص كانوا يتمنون مقابلتي. اللواء عبدالرحمن خليفاوي، ومحمود الأيوبي، ومحمد علي الحلبي، وعبد الرؤوف الكسم، ولذلك أنا أعتذر. وإذا كان وجودي في وزارة الخارجية عائقا أيضا أتخلى عن كل مهامي وأجلس في منزلي. وهنا أجابني: معك حق، ستكون الأول.
وبعد بضعة أيام دعا القيادة القطرية لاجتماع في القصر الجمهوري، وأبلغ القيادة قراره بتعيين الثلاثة (رفعت، مشارقة، خدام). بعد انتهاء الجلسة دخلت معه إلى مكتبه، وقلت له: نحن اتفقنا على صيغة فهل تغير شيء لديك؟ فأجابني: بعض العسكريين يعترضون عليك ويريدون رفعت. فأجبته: العسكريون يعترضون أصلا على وضع رفعت في أي موقع. على كل حال إذا كنت تريد أن يكون رفعت فليكن، ولكني أنا خارج الموضوع وسأستقيل من كل مهامي الحزبية والحكومية وأعود إلى البيت".
عرض الأسد على خدام "أن أكون أمينا قطريا للحزب، فأجبته لا أريد أي موقع، لا في الحزب ولا في الدولة، عملت معك هذه السنوات الطويلة وقدمت ما أستطيع تقديمه من جهد لخدمة البلد ويكفي ذلك وقد يكون بالفعل رفعت أكثر نفعا لك وللبلد. ووقفت وقلت له: أنا ماشي. ومشيت وعدت إلى المنزل. بعد وصولي إلى المنزل بدقائق اتصل بي هاتفيا وقال لي: لا يستطيع أحد أن يمزح معك؟ لقد وقعت المراسيم وأنت الأول، ومساء ستقسمون اليمين. وفي اليوم الثاني، صدر مرسوم بتحديد مسؤولياتي بالإشراف على السياسة الخارجية وإعطاء التوجيهات والتعليمات لوزارة الخارجية، ورفع التقارير والدراسات حول القضايا الخارجية إلى الرئيس".
رفعت نائب الرئيس يرد
في 30 مارس/آذار 1984، رد رفعت على هذه الخطوة، وأمر جنوده بالدخول إلى دمشق، مع أوامر واضحة بالاستيلاء على السلطة، وقد تمركزوا في نقاط استراتيجية في جميع أنحاء دمشق ومحيطها، وهي نقاط يسهل منها قصف المدينة. وقد واجهت قوات رفعت الأنصار الموالين للرئيس، وهم رجال مثل علي حيدر من القوات الخاصة، وعدنان مخلوف من الحرس الجمهوري، القوة التي تشكلت لتقليص نفوذ رفعت.
وكتب باتريك سيل، مؤلف سيرة الأسد، بعنوان: "الأسد: النضال من أجل الشرق الأوسط"، أنه لو أن قوات الطرفين تواجهتا في دمشق "لكان الدمار عظيما جدا، ولشوهت صورة النظام على نحو لا يمكن إصلاحه… لقد ترك (حافظ) الحبل لرفعت بما يكفي لشنق نفسه".
ارتدى الشقيق الأكبر- الرئيس، البزة العسكرية وذهب مع نجله الأكبر باسل الذي سيصبح اليد اليمنى لوالده إلى حين وفاته في حادث سيارة بداية 1994، ذهبا إلى رفعت في مقر قيادته العسكرية. ويقول طلاس في نص مكتوب بعنوان "ثلاثة أشهر هزت سوريا"، إن العميد مخلوف اتصل به وقال إن الرئيس قد توجه بمفرده إلى مقر شقيقه رفعت في منطقة المزة وأعطاه (الأسد لمخلوف) أمرا قبل مغادرته بأنه إذا لم يعد بعد ساعة "قل للعماد طلاس أن ينفذ الخطة بمواجهة قوات رفعت".
هنا يقول خدام إن الشقيق الأكبر قال لشقيقه الأصغر: "هل تريد إسقاط النظام؟ ها أنا ذا؛ أنا النظام"… ثم عرض عليه الخروج الآمن إلى منفى يختاره.
حلقة خامسة وأخيرة: لابد من نفي رفعت… واستخدام القوة ضده سيدمر سوريا