ألاء ماجد
أمد/ أينما تولي وجهك في قطاع غزة، تجد صور الألم والفقد والمعاناة، على وجوه الناس بكافة فئاتها وأشكالها، حتى من كانوا يحملون الدرجات العلمية العليا، من أطباء ومهندسين ومعلمين وغيرهم الكثير، خصوصا من موظفي حكومة حماس الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ أربعة أشهر مضت، سوى الفتات الفتات.
ومثلما كانت حماس تتهم منافستها حركة فتح والسلطة الوطنية بأنها تأكل أولادها ولا تعيرهم انتباه قبل سنوات والجور بحقهم وحق أبنائهم في لقمة عيشهم، عندما اتخذت السلطة قرارات وإجراءات تقشفية بحق موظفيها بغزة، جاء دور حماس نفسها، لتأكل أولادها وموظفيها، وتلقيهم على قارعة الطريق، بلا رواتب أو مساعدات، تقيهم من الفقر المدقع الذي وصلوا اليه في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة حتى الآن، خاصة في مناطق النزوح في رفح جنوب قطاع غزة.
ولا تكاد تدخل شارع في غزة، الا وتجد الموظفين يتسولون لقمة العيش، ويسجلون في كل الجمعيات الخيرية، لعلهم يجدون صحنا من الطبيخ، أو كابونة مساعدات، ومنهم من كان حظه أفضل نوعا ما، عندما اضطر لبيع بعض الحاجيات في الطرقات ليجد آخر النهار 10 شواكل في أفضل الأحوال، لعله بها يستطيع ألا يقول لأبنائه الجوعى لا أجد ما أعطيكم إياه، فيما كانت أحوالهم في الخيم المترهلة أصعب بكثير من خارجها، ولم يعد للمثل الشعبي الذي يقول “الحيطان بتستر ما بداخلها” أي قيمة أو صحة من هول الفاجعة التي يعانون منها.
وكان من الصعب جدا على نفسي أن أجد أطباء ومهندسين ومحاضرين في الجامعات بحكومة غزة، يطرقون أبواب الجميع ويشحدون لقمة عيشهم من الجمعيات والمؤسسات الخيرية ومدارس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين “أونروا”، فيما أقام بعضهم “بسطات” على الطرقات لبيع بعض المعلبات ليشتري حاجيات ومتطلبات أسرهم في ظل الغلاء الفاحش الذي يعاني منه النازحون، بينما ذهب بعضهم الى العمل في مهنة “التحطيب” وقطع الأشجار بالأدوات البدائية من الأراضي البعيدة والخطرة، وبيعها للناس مقابل ثمن زهيد، رفضا للقبول بالواقع المفروض عليهم وهو الجلوس عاجزين في خيمهم أمام متطلبات أطفالهم وزوجاتهم وعائلاتهم.
يبدو أن حكومة غزة التي تديرها حماس، قد نسيت أن لديها موظفين لديهم عائلات ومتطلبات كثيرة، ونسيت أن هناك أطباء وممرضين ومعلمين قد ضاعت كرامتهم وانسانيتهم، بسبب تجاهلها لهم وعدم صرف رواتبهم التي كانت منقوصة في الأصل، بحجة أن البلاد في حالة حرب وأن “الأونروا” تقوم بمساعدة كافة اللاجئين بما فيها الموظفين “الغلابة” الذين فقدوا الثقة بهذه الحكومة التي تجاهلتهم منذ أشهر طويلة، ولم تقف معهم في محنتهم، رغم وقوفهم معها على مدار 16 عاما ماضية، وصبرهم الأسطوري على رواتبهم المنقوصة، التي كانت تصرفها لهم، حتى أن المستحقات المتراكمة على الحكومة وصلت أرقاما كبيرة.
يجد موظف حكومة حماس، نفسه ضائعا ومغيبا في الواقع الذي فرضته حماس نفسها على الشعب وعلى موظفيها عندما شنت “حرب اللاشيء” في السابع من أكتوبر الماضي، فيما أصبح موظفها يغبط ويتطلع لـ “موظف السلطة وفتح” وحتى موظفين الوكالة، الذين تصرف لهم حكومتهم واداراتهم رواتبهم كاملة، بشكل شهري، حتى لو اضطروا للاستدانة من البنوك، في ظل ما تفرضه إسرائيل على السلطة من عقوبات ورفض تسليم أموال المقاصة لهم، الا أنها بقيت ملتزمة بصرف الرواتب للموظفين، فمن يا ترى قد باع وأكل أولاده؟؟