بكر أبو بكر
أمد/ اطلعت على الورقة التي أصدرها المكتب الإعلامي لحركة “حماس” تحت عنوان: هذه رؤيتنا، لماذا طوفان الأقصى؟ ورغم التأخر الكبير لصدورها أي بعد ثلاثة أشهر فظيعة تثير الحيرة والاستغراب! ولكن أن تاتي خير من ألا تأتي، وعليه يحق لنا النظر والتامل والنقد دون استخدام مفردات التقديس أو التدنيس الشائعة هذه الأيام ضمن عقلية الانجراف العاطفي والتالتجييش الذي يُسقط العقل في بئرالضحالة والغرق.
1-أحسنت الورقة في ذكر المسار التاريخي من حفظ الفلسطينيين على أرضهم وصولًا للنكبة للعام 1948 بما قيمته 94% وما هو دلالة على نضالية هذه الشعب وثورته ومقاومته الصارمة للاحتلال البريطاني ثم الصهيوني.
2-تعرضت الورقة تحت عنوان أولًا: لماذا معركة طوفان الأقصى؟ في 7 نقاط لما هو عموميات معروفة، ولكنها هامة وتصلح لذكر لماذا الثورة أو المقاومة الفلسطينية أصلًا منذ الرصاصة الاولى ومنذ الحجر الأول.
3-ضمن النقاط السبع ضمن أولًا حوصلت الورقة التاريخ الفلسطيني بالنقطة الاولى فقط، وأهملت الورقة بشكل غريب وغير مقبول –مادامت افترضت أن التاريخ ضروري في ذكر لماذا معركة طوفان الأقصى-أهملت مراحل الثورة (المقاومة) الفلسطينية منذ انطلاقتها وبكافة أشكالها، وهذا مسلك لا نشجّع عليه، فإن البناء لم يكن مع 7 أكتوبر مطلقًا، ولم يكن مع ظهور “حماس” المتأخر أيضًا، وإنما ما وصلنا إليه-من اخفاقات وانجازات- كان حلقات أو مسارات متواصلة للنضال الفلسطيني البطل منذ أواخر القرن 19 أي ما قبل الشيخ عزالدين القسام والشيخ فرحان السعدي وفوزي القاوقجي وعبدالقادر الحسيني…وصولًا لياسر عرفات وصلاح خلف وخالد الحسن وأبوجهاد والشيخ أحمد ياسين وجورج حبش ونايف حواتمة، وفتحي الشقاقي واسماعيل أبوشنب، أعجبتنا هذه الأسماء ام لم تعجبنا.
4-في بند أولًا أيضًا تقرر الورقة بالنقطة 6 ثم 7 أن المسار السابق على العملية كان ممثلًا ” بكارثية مسار التسوية” حيث تم ذكر “اتفاق أوسلو” باعتباره هو الشي الوحيد المربوط بمنظمة التحرير الفلسطينية!؟ ودون ذكر لعظيم انجازات الشعب الفلسطيني البطل بكافة فصائله، ومنظمته، والتي منها الانطلاقة وما تلاها من مئات المكاسب التراكمية الجليلة، إضافة لإغفال الانتفاضات العديدة وخاصة انتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى، وعشرات المجابهات في القدس والمقاومة الشعبية والصمود والثبات في عموم فلسطين!
5-أغفلت الورقة –نرجو ألا يكون متعمدًا-كل أشكال النضال الفلسطيني الحديث حين قصرته “بالتسوية” فقط؟! وما هي أي “حماس” إلا من شاركت بمسار أوسلو-“التسوية” عبر الدخول بالسلطة!؟ وهي من اتفقت جماعيًا مع حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح وكل الفصائل على أن “قرار الحرب وقرار السلام” هو قرار جماعي، وكما الاقرار ب(م.ت.ف) ممثلًا شرعيًا ووحيدًا (أنظر وثيقة خالد مشعل وحماس بالدوحة عام 2017م) ، وهي من اتفقت مع كافة الفصائل عام 2020 على المقاومة الشعبية مسارًا أصيلًا.
6-لتجيب على سؤالها لماذا معركة طوفان الأقصى؟ تقول أنه كان لزامًا على “حماس” مواجهة “مخططات التهويد” و”ممارسات اليمين” و”لاطلاق سراح آلاف الأسرى”، وإنهاء “الحصار” ومواجهة “الاستيطان”، ولتحقيق “أمل 7 مليون فلسطيني بالعودة” وفي “ظل عجز المجتمع الدولي”، و”للرد الطبيعي على الممارسات الإسرائيلية” “كانت عملية طوفان الأقصى!؟
بل وتضيف أنها “خطوة طبيعية في إطار التخلص من الاحتلال وانجاز الاستقلال والحرية وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس”، وهذه لعمري هي أهداف الثورة (المقاومة) الفلسطينية بأسرها، فلمَ تكون كل هذه المقدمات لتبرير خطوة تمثل جزءًا من كلّ؟ ولِمَ تصورها منعزلة ومتفردة وغير مرتبطة بمسلسل مسارات ومبادرات مختلفة منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية؟! بل ومنذ نشوء “حماس” ذاتها؟ وكأننا أمام إعلان جديد لفصيل جديد هو فصيل 7 أكتوبر؟!
7-في البند ثانيًا تعرض ورقة المكتب الإعلامي لحماس استهدافات العملية وتوضح بالدلائل عدم استهداف “المدنيين” الإسرائيليين مطلقًا. وتعترف بشجاعة بوجود “بعض الخلل أثناء تنفيذ عملية طوفان الأقصى…”، “وإن حصل شيء من ذلك فيكون غير مقصود” ومشيرة الى “حدوث بعض الفوضى”، والخطأ، وتقوم بالدلائل بتوضيح الأكاذيب الصهيونية بقتل الأطفال واغتصاب النساء..الخ، ومشيرة لدور الجيش الإسرائيلي في قتل جنوده والمدنيين وهو “سلوك منهجي للكيان”. وهنا لم تتوقف الورقة في مسار النقد والنقد الذاتي والمراجعة الهامة للنظر في الخطة والنتائج واستخلاص العبر، ولا في المتوقع والحاصل، خاصة وهي صادرة بعد أكثر من مائة يوم!
8-في البند ثالثا المعنون “نحو تحقيق دولي نزيه”، تشير باحترام لانضمام “فلسطين” للجنائية الدولية، وأنها –أي فلسطين!-طلبت التحقيق بالجرائم الصهيونية، ولكنها “واجهت صلفًا إسرائيليًا ورفضًا للخطوة”، وتطلب ورقة “حماس” من العالم دعم مسارالمحكمة. ما يشكل عنوان توافق فلسطيني وإقرار بأهمية المسار الدبلوماسي والإعلامي والقانوني وفي الرواية العادلة الذي قامت به السلطة الوطنية الفلسطينية!؟ أو (فلسطين) كما أشارت لها نصًا دون ذكر أنه من انجازات السلطة أو المنظمة؟! وكما هو الحال بالإشادة من الورقة أيضًا بطلب “شعبنا لمحكمة العدل الدولية قبل أقل من عام لاستصدار فتوى بخصوص قانونية استمرار الاحتلال…..”.
9-إن مطالبة حماس رغم ما سبق للعالم “الى القدوم بشكل عاجل وفوري الى فلسطين المحتلة من أجل التحقيق في الجرائم والانتهاكات كافة. وعدم الاكتفاء بالمراقبة والوقوف على أطلال غزة….” هو مطلب محق، وكان الأجدر أن يكون ضمن إطار المطلب أو البرنامج الوطني الفلسطيني الموحّد بين كل الفصائل وعبر حاضنتها المعترف بها عالميًا وهي-على ما بها من خراب داخلي كما يرى البعض-مازالت العنوان! حتى تحرير دولة فلسطين القائمة (تحت الاحتلال).
10-في البند رابعًا “تذكير للعالم من هي حماس”؟ نجد دفاعًا عن “حماس” وبه تفسر أو تبرر ما ذكرته من طبيعتها وأفعالها، وكأني أراها تستقي من ورقة خالد مشعل، وهذا شيء حسن. لأنها تؤكد أن “حماس” حركة تحرر وطني ذات فكر إسلامي معتدل كما تقول، “وتؤمن بقيم الحق والعدل والحرية…” ثم تقفز عاليًا كما حال ورقة مشعل لتبني العلمانية بوضوح لأنها “تؤمن بالحرية الدينية والتعايش الانساني الحضاري، وترفض الإكراه الديني، وترفض اضطهاد أي انسان أوالانتقاص من حقوقه على أساس قومي أو ديني او طائفي” وما هذا سوى العلمانية أو إن شئت المدنية! وكنا قد كتبنا في هذا كثيرًا لنقول وبماذا اختلفت بذلك عن حركة فتح او منظمة التحرير الفلسطينية؟! هذا إن حيّدنا الدين جانبًا على صحة المفهوم القائل لدينا أن كل مسلم فهو إسلامي مهما كان حجم اقترابه من الطقوس الدينية ومهما كان رأيه السياسي.
11-ترفض الورقة ما حصل “للمدنيين” الإسرائيليين وهو نتيجة “الفوضى” أو “الخلل” كما ذكرت سابقًا بالورقة، وخارج عن إرادتها. إلا أنها تتقدم الى الأمام بشجاعة حيث أن “قيمنا الدينية والاخلاقية والانسانية” تجعلنا نرفض “ما تعرض له اليهود من جرائم واضطهاد من قبل ألمانيا النازية…والمشكلة اليهودية في جوهرها مشكلة أوربية…” كما تقول الورقة.
12- حين التعرّض لماهية “حماس” تؤكد الورقة على مشروعية مبدأ وفكرة وحق المقاومة، وهنا دون تعميم هذا الحق على كل فصائل العمل الوطني الفلسطيني! وما قد يوحي بالفكرة الحصرية التي تعتبر أن “حماس” فقط ومَن تقدّمه وما تقدّمه فقط هو مَن ومَا يمثل المقاومة؟! رغم أنها أشارت لفهمها المقاومة ليس عملًا مسلحًا فقط بل “نؤكد أن مقاومة الاحتلال بالوسائل كافة بما فيها المقاومة المسلحة هو حق مشروع كفلته….” وهو للحقيقة ما تقوم به كل فصائل الثورة أو المقاومة الفلسطينية، أوالمنظمة بأساليب وعي تأخذ بالأسباب وضمن فهم الواقع والقوى والمراحل.
13-في البند خامسًا بالورقة تطرح ما المطلوب؟ ليتمثل بوقف العدوان ومعاقبة الاحتلال. و”دعم المقاومة ضد الاحتلال”، ولم يفهم هنا أي كفاح أو مقاومة مقصودة؟ أو شكلها؟ أو أنه يتم الإشارة لها بوضوح أو بتورية؟ أهي المرتبطة فقط بفصيل حماس حصريًا؟ أم هي فقط أسلوب الكفاح المسلح؟ أم هي كل الفصائل؟ أم هي كل أشكال النضال و”الحق المشروع” كما قالت الورقة نفسها؟ أم أن الإبهام والتورية هنا مطلوب ليخدم فصيل بعينه منعزل عن أي ارتباط بالفصائل الأخرى أو بمنظمة التحرير الفلسطينية! ما هو إن صحت فرضيتنا يشكل مسلكًا يجب أن تتم مراجعته خاصة من فصيل 7 أكتوبر، والاتجاه فورًا نحو الوحدة الوطنية وعدم الإيحاء بطريقة شوفينية وربما عليائية “أن الأمر لم يبدأ إلا من عندي فقط”.
14- كان يجب الإشارة بالختام أننا تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى للاعتذار عن تقصيرنا المتواصل بحق شعبنا البطل سابقًا وحاليًا. إنه الشعب الذي نخدمه ونفديه بأرواحنا كمقاومة بكل الأساليب، وهو أكبر من كل الفصائل جميعًا وأهمّ، كما كان يقول الخالد ياسر عرفات، ولنعمل كل ما يلزم لإنقاذه فورًا من جرائم الاحتلال الفاشي.
15- في البند الخامس والأخير بند ما المطلوب؟ أو لنقل نحن ما العمل؟ توقعنا التفكير والمراجعة والنقد والنقد الذاتي الشجاع المفضي للاتفاق وطرح مشروع آني للالتقاء الوطني على الأقل، والبدء فورًا بتطبيق اجراءات المصالحة؟! والعودة الى الذات الكفاحية الفلسطينية التي لا تستثني أحدًا، وهو للأسف ما تم إغفاله. وكنا نحتاج من معدّي الورقة الهامة للاتفاق -في بند ما المطلوب-على المخرج من الكارثة والمقتَلَة العظيمة لشعبنا في غزة والضفة، وبالاتفاق فورُا على البرنامج الموحد والتمثيل الموحد والقرارالموحد، والاستراتيجية التي ترفض الذاتية والانفراد الفصائلي بالقرارات المصيرية على الأخص، كما ترفض الاقصاء والهيمنة من أي فصيل كان، ما غاب عن الورقة.
إن ورقة “هذه روايتنا” لحماس ورقة هامة يجب أن توضع على طاولة النسيج الوطني الفلسطيني كله، باعتبارها من جهة تمثل ورقة يجب أن يتداولها الجميع ويتقاسم بعض ما جاء فيها قبولًا أو رفضًا، بلا تخوين أو تهييج أوتجييش أو تقبيح، ورغم التأخر بالصدور والنَفَس الذي يشوبه التبرير أو التقديم للذات المنفصلة، فأنها تمتلك إشارات إيجابية يجب أن نعمل على تكريسها، وأخرى سلبية يجب تلافيها في الخطاب الوطني، والى كل ما سبق نوجز أنه لم تأتِ الورقة -رغم كل ما قالت- على حقيقة المطالب العاجلة للمعركة؟ ولم تذكر أي سياقات متعلقة لا بالوحدة الوطنية أوالمصالحة أو الحاضنة الفلسطينية الموحدة مطلقًا.