أمد/ تل أبيب: في الوقت الذي باشرت فيه وزارة القضاء الإسرائيلية والمستشارة القانونية للحكومة والنيابة العامة باتخاذ إجراءات تشريعية سريعة لسنّ قانون جديد يتعلق باعتقال ومحاكمة آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة الذين اعتُقلوا بشبهة المشاركة في هجوم “حماس” في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أفيد بأن مسؤولين قضائيين إسرائيليين عقدوا مشاورات مع عدد من ممثلي النيابة والمؤسسات القانونية في دول أوروبية بخصوص الملاحقات القضائية ضد عناصر الحركة الفلسطينية.
وذكرت صحيفة “الشرق الأوسط” في تقرير لها يوم الثلاثاء، برزت مخاوف إسرائيلية من رد فعل مضاد تقوم به مؤسسات حقوقية تنوي هي أيضاً محاكمة قادة إسرائيليين بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال الحرب على غزة.
وقالت مصادر قانونية في تل أبيب، إن انعقاد محكمة العدل العليا في لاهاي للتداول في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل باتهامها بارتكاب جريمة إبادة شعب، فتح قناة مضادة يمكنها أن تشوش على الجهود الإسرائيلية ضد عناصر “حماس”. ولذلك، فإن وزارة القضاء الإسرائيلية قررت السير ببطء في جهودها، وطلب مشورة خبراء غربيين.
وفي هذا الإطار، التقت غالي بهراف ميارا، المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، مع عدد من كبار المستشارين القضائيين وممثلي النيابة في كل من الولايات المتحدة وألمانيا وجمهورية التشيك والبرتغال وإستونيا، وهي بلدان قُتل مواطنون يحملون جنسيتها، أو وقعوا في أسر «حماس»، خلال هجوم 7 أكتوبر، وكذلك بخصوص ممثلين عن سفارات اليابان وأستراليا والدانمارك، لسماع آرائهم في الموضوع.
وقد جرى اطلاعهم على مواد التحقيق الذي جرى مع المعتقلين من عناصر “حماس” وغيرهم من المشاركين في الهجوم. وعرضت أمامهم مقاطع فيديو من قتل المدنيين الإسرائيليين والأجانب في ذلك الهجوم. وطلب الإسرائيليون من ضيوفهم المساعدة على إجراء محاكمات استثنائية لهؤلاء المتهمين، قائلين إن «”هذه ليست قضية إسرائيلية داخلية فحسب، بل ينبغي أن تهم كل أنصار حقوق الإنسان في العالم”.
والتقى رؤساء أجهزة الادعاء الأجانب مع أعضاء الفريق القانوني الذي مثّل إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي للرد على دعوى جنوب أفريقيا التي اتهمت فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بحق الغزيين، كما التقوا مع مسؤولين في وزارتي الأمن والخارجية وفي الشرطة الإسرائيلية، واستمعوا لتقارير حول الرواية الإسرائيلية لهجوم “طوفان الأقصى” وحول حركة “حماس”، وشاركوا في جولة في بلدات “شرق قطاع غزة”.
وترمي الحكومة الإسرائيلية إلى إقامة محكمة خاصة، ووضع قوانين خاصة لمحاكمة عناصر “حماس”، شبيهة بالمحاكمات التي قامت في أوروبا لعناصر الجيش النازي بعيد الحرب العالمية الثانية، والتي تضمنت أحكاماً بالإعدام حتى في الدول التي لا توجد فيها قوانين تحكم بالإعدام.
ومن المداولات التي تجري بشكل يومي في وزارة القضاء الإسرائيلية، يتضح أن القانون الجديد يهدف إلى تغيير أنظمة الاعتقال والتحقيق والمحاكمة التي ينص عليها قانون الاعتقالات الحالي في إسرائيل، وسنّ مجموعة قوانين جديدة بسبب «صعوبة جمع أدلة وتوثيقها على إثر الوضع الميداني».
كذلك سيتناول القانون الجديد مسألة هل سيجري اتهام جميع المعتقلين الفلسطينيين بكل ما حدث في 7 أكتوبر.
وسيتقرر في هذا القانون طبيعة الهيئة القضائية التي ستنظر في قضايا المعتقلين، وما إذا كانت بمثابة محكمة مركزية عادية، أو محكمة عسكرية أو محكمة خاصة. وسيشمل القانون الجديد عقوبة الإعدام، وفق صحيفة عبرية.
وإحدى الصعوبات التي سيتعامل معها القانون الجديد تتعلق بصعوبة معرفة الجهة التي استهدفت كل واحد من القتلى الإسرائيليين. فعلى سبيل المثال، أكدت تحقيقات نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال الأسبوعين الماضيين، أنه في 7 أكتوبر، تلقت القوات الإسرائيلية أوامر بتنفيذ “إجراء حنبعل”، أي إطلاق النار على أي أحد يعود من “بلدات شرق قطاع غزة” إلى قطاع غزة، أي إطلاق النار على مقاتلي «حماس» والمواطنين الفلسطينيين وحتى الرهائن الإسرائيليين الذين احتجزوهم ونقلوهم إلى القطاع.
وفي هذه الحالة، يكون القاتل هو من الجيش أو من أجهزة أمن إسرائيلية. وعندها ستثار إشكالية محاكمة عناصر “حماس” بتهمة لم يرتكبوها.
يذكر أن هناك مشروع قانون طُرح على الكنيست، قبل أسابيع، بالتنسيق بين كبار المسؤولين في وزارة القضاء ورئيس لجنة القانون والدستور في البرلمان الإسرائيلي، سيمحا روتمان، الذي يرأس اللجنة الفرعية البرلمانية التي تشكلت بهدف النظر في محاكمة المعتقلين الفلسطينيين من القطاع.
وصادقت الهيئة العامة للكنيست على مشروع القانون، وفيه بنود ذات طابع إشكالي، مثل تعديل قانون الدفاع العام، بحيث يجري منع وحدة الدفاع العام في وزارة القضاء من تمثيل المعتقلين الغزيين.
ويهدف مشروع القانون أيضاً منع محامين دوليين من تمثيل المعتقلين. وقد عارضت بهاراف ميارا ووحدة الدفاع العام هذا التعديل.
ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية يوم الثلاثاء، عن روتمان قوله إن «الواقع الذي يجب فيه تعديل تشريعات القوانين الموجودة من دون حسم سياسي واضح حول وجهتنا، لا يؤدي إلى الحل الأفضل».
وتشير التقديرات إلى أن إعداد القانون الجديد وسنّه في الكنيست سيستغرق قرابة شهرين، لكن تقديرات قيادة جهاز القضاء هي أن المحاكمات ستجري بعد انتهاء الحرب على غزة فقط.
ووفق الصحيفة فإنه “طالما يوجد مخطوفون في غزة، فإن إسرائيل ليست معنية بعملية صرف نظر من شأنها أن تعرقل احتمالات إعادتهم”.