حميد قرمان
أمد/ قدمت حركة حماس وثيقة سياسية رسمية بعنوان “هذه روايتنا.. لماذا طوفان الأقصى”، تشرح فيها مبرراتها ومسوغاتها التي دفعتها إلى تنفيذ هجوم السابع من أكتوبر داخل الكيان الإسرائيلي.
بقراءة أولى وثانية، لم تحمل الوثيقة جديدا من حيث أدبيات الحركة ومفرداتها المستهلكة، والتي صيغت بلغة سياسية براغماتية فُرضت من دولة قطر على دوائر القرار داخل الحركة سعيا لترويج مواقف سياسية أكثر قبولا أمام المجتمع الدولي، خاصة بعد تجلي الإصرار السياسي والعسكري الإسرائيلي المدعوم أميركيا وأوروبيا على كسر شوكة الحركة وإخراجها من سدة الحكم في قطاع غزة.
توقيت الوثيقة يعكس عمق مأزق حركة حماس على الأرض، وقلقها على مستقبلها بعد عدة معطيات سياسية أهمها؛ قصور تصعيد الموقف الإيراني ومحوره، الذي ما زال يتراوح على أعتاب استغلال دائرة الصراع في الشرق الأوسط وتعقيداتها لحماية مصالحه، انعكاس ذلك على تآكل شعبية الحركة بعد مئة يوم وأكثر من الحرب باندثار البيئة الشعبية العربية الداعمة للحركة، بعد وضوح عبثية ما قامت به أمام الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من دماء أبنائه.
مضامين الوثيقة وبنودها والتي جاءت بثماني عشرة صفحة لم تأت على ذكر الأهداف التي حققها الهجوم أو الوقائع التي فرضتها الحركة من خلاله، بل قدمت تبريرا بشكل أو بآخر على رهاناتها الخاسرة، والتي عولت عليها منذ بدء الحرب، فلم يفلح الضغط الدولي لوقف الإبادة في غزة، ولم تنعكس فاعلية تدخلات أذرع المحور الإيراني على سير جبهات الصراع المنضبطة، ولم تنهر حكومة بنيامين نتنياهو التي ربطت مصير بقائها باستمرار الحرب وتطوراتها. ومن ناحية أخرى لم تؤد التظاهرات داخل إسرائيل إلى خلق توجه لقبول هدنة جديدة أو صفقة إفراج عن الأسرى، فالمفاوضات لا تزال تراوح مكانها.
المشهد الداخلي يدلل على انقلاب ما راهنت عليه الحركة إلى قيود سياسية تكبل قادتها من حيث الجوانب المعيشية لأهالي القطاع المتجهة نحو انفجار وشيك وحتمي، وعجز عناصر الحركة وأفرادها عن السيطرة على زمام الأمور في غزة، حيث تشير التقديرات الاستخباراتية إلى فقدان الحركة ما يقارب الـ40 في المئة من عناصرها، فضلا عن ازدياد شدة الحصار المالي الذي بدأ يأخذ شكلا عابرا للدول، واتساع فجوة الخلافات بين تيارات الحركة؛ فالوثيقة تقدم خطابا سياسيا متوازنا لما يسمى بحماس الخارج، ومغايرا تماما عن خطاب حماس غزة المتشدد بقيادة يحيى السنوار المتفرد بقرار الحركة في الحرب والتفاوض.
مما سبق تتضح اليوم حقيقة حماس التائهة بين ترميم صورتها التي بُعثرت بسبب الرواية والدعاية الإسرائيلية المضادة لها، وبين اصطفافها مع محور مرتجف غير قادر على إنقاذها، وبين واقع الحركة المتأزم على أرض غزة وخلافاتها الداخلية بين تياراتها، لذلك لجأت إلى الوثيقة – كورقة أخيرة – تعبر فيها عن موقف سياسي براغماتي بحثا عن فرصة لإنقاذ نفسها والانخراط مجددا ضمن مشاريع التسوية والسلام في المنطقة التي ستصبح واقعا مُلحا بعد انتهاء الحرب وانهيار قوة حماس العسكرية.