سليم يونس الزريعي
أمد/ لا يوجد أي كيان في العالم لا يثق سكانه في استمرار وجوده مثل الكيان الصهيوني، الذين لا توجد لديهم ثقة في استمرار وجود الكيان مع أنه كبان نووي، وعدم الثقة هذه ليست قصرا على الفئات الدنيا من الـ 99 إثنية من تجمع المستجلبين اليهود وغيرهم، ولكنه شعور ملازم حتى للنخب السياسية والفكرية.
وعدم الثقة هذا يعود لإدراكهم المادي أن وجود الكيان، كان نتيجة تدليس ديني وسياسي في سياق مشروع إمبريالي كولنيالي، مستثمرا خرافات المسيحية الصهيونية والحركة الصهيونية في شقيها الديني والسياسي، عبر اختلاق ما يسمى بعودة شعب الله المختار إلى صهيون، وخرافة النفي وأن هناك شعبا يهوديا. وخرافة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
هذه الأكاذيب هي مكون نفسي وثقافي وديني، أسست لهذا الخوف من المستقبل، كونهم لم يكونوا في أي يوم جزءا من فلسطين إلا كصدف تاريخية، ومن ثم فإن تفكيك ما تسمى بلعنة العقد الثامن من شأنها أن تكشف عن جذر عدم انتمائهم لفلسطين التاريخية، وقد كتب الجنرال أيهود باراك رئيس حكومة الكيان الأسبق في مقالة له نشرت عبر صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أنه: “خلال التاريخ اليهودي فإنه لم تعمر لليهود دولة لأكثر من ثمانين سنة إلا في فترتين، فترة الملك داوود وفترة الحشمونائيم، وفي كلا الفترتين فإن بداية تفكك كليهما كانت في العقد الثامن”. وأضاف قائلاً: “تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية هي التجربة الثالثة وهي الآن في عقدها الثامن وأنه يخشى أن تنزل بها لعنـة العقد الثامن كما نزلت بسابقتها”.
ونحن نتفق مع باراك بأن هناك لعنه، لكن هذه اللعنة هي في وجودهم في ذاته في فلسطين، كون هذه اللعنة تكشف كل الكذب الذي شكل الأسس الأيديولوجية لزرع الكيان في فلسطين، وفق خرافات التوراة فيما يتعلق بالوجود اليهودي. كون تلك الفترتين اللتين لم تتجاوزا الـ160 عاما، تعني أنه لم يكن ذلك الوجود في أي يوم وجودا أصيلا في فلسطين، وإنما كان وجودا طارئا ومؤقتا، فيما أهل فلسطين هم سكانها على مدى التاريخ الممتد طوال ألاف السنيين وحتى الآن.
هذه الحقيقة هي وراء هذا الخوف من الزوال وعدم الثقة في المستقبل، الني تجلت بشكل غير مسبوق بعد عملية طوفان الأقصى، مع كل هذا التفاوت وبشكل لا يقاس بالمعني المادي في ميزان القوى بين المقاومة الفلسطينية وكيان الاحتلال. المعزز بالدعم الأمريكي والأوروبي.
ونقدر أن اقتراح يسرائيل كاتس وزير الخارجية الصهيوني تشكيل جزيرة صناعية وتوطين الغزيين فيها، يعكس خوفا بنيويا ضمن الشخصية اليهودية من الزوال، بسبب الوجود الفلسطيني النقيض كصاحب الأرض، هذا الوجود النقيض هو الذي يضع علامة استفهام ذهنية دائمة على إمكانية استمرار وجود الكيان حتى في ظل الخلل في ميزان القوى.
وكون كبارهم يعلمون أن أي ميزان قوى هو حالة تاريخية، ولأنه ميزان قوى تاريخي فهو متحرك، وهذا هو الذي يشكل الحالة النفسية والثقافية للمستجلبين اليهود إلى فلسطين. وكل هذا الخوف من الزوال. بما يعنيه ذلك من عدم وجود ضمانة في استمرار تفوق ميزان القوى لصالح الكيان الصهيوني.
وأي قراءة في معطيات زرع الكيان بالمعنى الواقعي والتاريخي، تكشف أن مفهوم الزوال وتفكيك الكيان قد رافقه مند زرعه، لذلك كان جزءا أساسا في التأسيس لحالة هدا الوعي عند اليهود كرستها أساطير التوراة.
لكن المفارقة أن هذا الخوف يسجل ضمن ميزان القوى الفلسطيني، ويبدو أن الوزير الصهيوني باقتراحه توطين أهل غزة في جزيرة صناعية في البحر يهرب من حقيقة أن أقصر الطرق للتخلص من خوفه هو عودة هؤلاء المستجلبين اليهود وغيرهم من حيث أتوا. ولن ينفع معه وهم القضاء على المقاومة، لأن المقاومة ليست معطي مادي فقط ولكنها حالة ذهنية وثقافية وشعبية، أسس لها كل هذا التراكم من الانتماء لفلسطين عبر آلاف السنين، التي لن ينفع معها ما يعتقده رئيس الأركان الصهيوني الذي قال: “إذا لم نحافظ على بقائنا جيشا قويا ومتماسكا فلن نتمكن بعد الآن من الوجود كدولة في المنطقة”.
إن مفهوم عدم الوجود يعكس حالة عدم الثقة التاريخية في صحة تأسيس الكيان، كونه بدون جذور في هذه الأرض سوى مزاعم وخرافات التوراة، من أنها أرض الميعاد، لذلك يستمر الخوف، ولن يزيل خوفهم ما يعتقده قادة الاحتلال من أنهم سيستمرون في الحرب حتى تحقيق الانتصار على المقاومة، في حين أن الوقائع تقول، إن هذا الجيش المفتوح على ترسانات الدول الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة، يقف عاجزا عن مواجهة قوى المقاومة المحاصرة منذ عام 2007.
ويتجلى القصور السياسي والعسكري لدى العدو في ربط وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت بأن وجود إسرائيل مرهون بالانتصار” على المقاومة في غزة، في هذه الحرب. في حين أن المقاومة حالة شعبية متنوعة، وهي من الغنى بحيث تمتص الصدمات ولها قدرة على التكيف كي تتواءم بشكل إيجابي مع شرط اللحظة بما يحفظ لها القدرة على استمرار المواجهة حتى اقتلاع الكيان.
إن هذا التلعثم السياسي والخوف في حديث القادة الصهاينة يشير إلى أن مفهوم الوجود بالنسبة للكيان الصهيوني هو محل سؤال، كونهم لا يثقون في أصالة وجودهم وحقهم في فلسطين التي هي أرض الشعب الفلسطيني وليس وفق خرافات التوراة ، وهذا فيما نعتقد هو جذر المسألة، التي لا يمكن حلها، إلا بتفكيك الكيان كونه أسس على الكذب والتدليس لا يمكن أن تنجح معه محاولات إنقاذه، لأن مصيره معروف، وهي مسألة محسومة فلسطينيا كونهم أهل البلاد وأن وجوده في ذاته هو المشكلة.