مصطفى ابراهيم
أمد/ اعتبرت إسرائيل مقتل الضباط والجنود الـ 24 ، يوم الاثنين الماضي شرق مخيم المغازيللاجئين وسط قطاع غزة و خان يونس كارثة كبيرة بينهم 21 في مكان واحد.
هذه الكارثة الثانية في الحرب الحالية التي يقتل فيها العدد الكبير من الجنود خلالنشاط يتعلق بالتدمير الشامل لمنازل الفلسطينيين على الحدود الشرقية باستخدامالمتفجرات الإسرائيلية التي يتم ادخالها إلى قطاع غزة بكميات كبيرة لاقامة حزام أمنيبعرض كيلو متر الى كيلو ونصف متر.
في المرة الاولى، قتل ستة جنود من سلاح الهندسة، وأصيب العشرات، بمن فيهم المغنيعيدان أمادي، عندما أصاب صاروخ مضاد للدبابات شاحنة تقل جنود الهندسة.
اقامة حزام أمني يعني كارثة جديدة تتكشف، تفاصيلها بتهجير الفلسطينيين ومصادرةنحو 20% من أراضي القطاع الزراعية. وكما هو الحال في الضفة الغربية، جريمةوانتهاكًا مستمراً للقانون الدولي، وكارثة اقتصادية لسكان غزة
يقول بعض المحللين الاسرائيليين ما حدث في المغازي ليس كارثة، بل هو تصوير دقيق لـأهداف الحرب غير القابلة للتحقيق وثمنها، وهو ثمن سيزيد ويزداد ولن ندفعه إلا حتىنقرر التوقف.
مقتل عدد كبير من الجنود في يوم واحد، ومعظمهم من جنود الاحتياط وبينهم آباءكثيرون لأطفال وعائلات ومصالح اقتصادية ستتوقف، سيؤثر سلبا على المزاج الوطنيالاسرائيلي. وعلى المدى البعيد، يتعين على إسرائيل أن ترى إذا لم تكن هنا نتيجة كتلكالتي كانت أثناء القتال في لبنان، بأن يتم تحويل الرأي العام إلى حلول بديلة، بدلا مناستمرار الحرب بأي ثمن.
مقتل هذا العدد الكبير من الجنود من شأنه أن يدفع الجمهور في إسرائيل إلى إجراءحسابات بشأن الحرب على غزة والاحتجاج ضد الحكومة.
وأن الأمر المقرر في الحروب التي تخوضها دول الاحتلال ليس عدد القتلى في صفوفالعدو، وإنما عدد القتلى في صفوف القوات الاسرائيلية.
وأنه لا توجد انتصارات مطلقة في جولات الحروب مع الفلسطينيين، وما تعلمته إسرائيلفي حروبها أن الذي يتطلع إلى تحقيق أمور أكثر مما هو قادر على انجازها في ميدانالقتال، ستحل عليه كارثة.
خلال الايام الماضية تناول عدد كبير من المحللين الاسرائيليين في مقالاتهم تجارب إسرائيلفي حروبها السابقة ضد الفلسطينيين ولبنان، والتذكير بالخطاب العام الذي دار فيإسرائيل خلال حرب لبنان الأولى، لأن تصريحات مماثلة تُسمع اليوم ضد أفراد عائلاتالمختطفين الـ 136، الذين يطالبون بالافراج عنهم. كما أن الجيش الاسرائيلي يستنسختجاربه العسكرية السابقة التي تبدو وكأنها تكرار لتلك الحرب، مرة أخرى يتم الحديث عنحزام أمني، هذه المرة بين إسرائيل وغزة، عن الاستيلاء على محور فيلادلفي، ومرة أخرىيدوس مطلب النصر الشامل كل علامة استفهام وكل تشكك، بدعوى أنها لا تزيد إلا زيادة. وهو الثمن الذي تطالب به حماس مقابل إطلاق سراح المختطفين.
وفي ظل هذا التحليلات والخطاب الاسرائيلي وتأثير قتل الجنود على مسار الحربوالمطالبة بوقفها، والتوقع بحدوث احتجاجات تطالب بانهاء الحرب.
الواقع ان هناك تغيير ما في الخطاب الاسرائيلي مختلف عما كان خلال الاشهر الثلاثةالماضية، وهناك احتجاجات من ذوي الاسرى الاسرائيليين، وهناك احتجاجات والمطالبةباجراء انتخابات الآن، وأن هناك اشارات على إنه يسمى تمرد، وانعدام ثقة كبير وأن نسبةكبيرة من الاسرائيليين يرفضون حكم نتنياهو وصناع القرار في إسرائيل.
واحتجاجات المستوطنين في سديروت في تل أبيب، وسكان مستوطنات الشمال في بيانمشترك، وانهم لن يعودوا لمنازلهم حتى يتغير الواقع، باعتبار هذا ذروة أزمة الثقةبالحكومة.
كما يتبلور خطاب اسرائيلي حول تقويض شرعية استمرار حكومة نتنياهو المتمسكبزمام السلطة بشكل كبير.
وإن انعدام الثقة في الحكومة ورئيسها بلغ مستوى غير مسبوق، والانقسام الكبير فيالمجتمع الإسرائيلي، الذي توحد في بداية الحرب تحت شعار معا سننتصر، ينقسم منجديد كل يوم وان الحكومة المسؤولة عن ذلك.
واذا ما اخذنا بالاعتبار الخسائر غير المسبوقة من شأنها أن تشعل نيران احتجاجاتعائلات الاسرى المخطوفين، والمطالبة بصفقة فورية، واحتجاجات معارضي نتنياهو الذينيطالبون بالإعلان عن انتخابات الآن. والانطباع أن الغضب العام على إخفاقات بدايةالحرب لم يتلاش، وعدم تحمل نتنياهو المسؤولية، لكنه من الجهة الأخرى لم يؤد إلى موجةاحتجاجات شعبية تشكل خطرا على حكم نتنياهو. فقد حدث هذا في الماضي. إلا أن كلذلك بحاجة إلى وقت لتنظيمه وانضمام فئات اخرى من المجتمع الاسرائيلي ويسير بشكلتدريجي وبطيء.
الخسائر الكثيرة في الجنود، إلى جانب الشعور بأن صفقة أخرى الافراج عن المخطوفينتتأخر بشكل من شأنه أن يؤدي إلى وفاة مخطوفين آخرين، يرجح أن تزيد الخلافات العامةالداخلية حول استمرار الحرب.
الخلافات والفجوة الآخذة بالاتساع بين مفهوم المستوى السياسي ومفهوم المستوىالعسكري للحرب ولليوم التالي، لا تتعلق باستمرار ووقف الحرب فقط، انما بتوجهاتنتنياهو وطريقة ادارته والخطط بشأن اليوم التالي للحرب، واطالة أمدها. وخطابه أن الحرب ستستمر حتى الانتصار المطلق على حماس.
وهو لا يوضح طبيعة هذا الانتصار، وأي واقع سيُنشئ، ومهمة المستوى السياسي هيبتحويل إنجاز عسكري إلى اتفاق وإلى مستقبل بالإمكان العيش فيه. ونتنياهو أعفىنفسه من المسؤولية تجاه المستقبل، ويتعامل بغطرسة في الداخل والخارج ويفتحصراعات مع بعض الدول العربية خاصة الوسطاء، مصر وقطر، والاردن وتهديده للعلاقاتالتاريخية مع إسرائيل.
ويرفض نتنياهو اتخاذ قرارات بشأن اليوم التالي، والذي سيكون نهاية مرحلته ودورهالتاريخي الذي حاول ان يرسخه في اذهان الاسرائيليين أنه لا يقل أهمية عن قادة الحركةالصهيونبة وجيل المؤسسين.
دوره ليس المتعلق فقط باليوم التالي للحرب، انما اليوم التالي لنتنياهو الملزم بأن ينهيدوره التاريخي في أقرب وقت ممكن، وأن يسمح لآخرين بمحاولة ترميم الفشل والكارثةالتي خلفها وراءه خاصة في السابع من تشرين الاول/اكتوبر الماضي.
اليوم التالي للحرب هو اليوم التالي لنتنياهو، وهنا تكمن إحدى الصعوبات التي تؤخرنهاية الحرب. فأمام إسرائيل مهمة واحدة تعقب الحرب، وهي إنهاء التجربة القاسية التيخاضتها إسرائيل معه منذ ولايته الاولى في العام 1996.
ومع ذلك من غير الواضح قدرة اليسار الصهيوني والاحزاب السياسية المعارضة علىالتسريع في انهيار نتنياهو، واخراجه من المشهد السياسي واجراء انتخابات مبكرة كماتطالب نسبة كبيرة من الاسرائيليين، والخوف قائم من قدرته على الاستمرار في الحكممتسلح بائتلافه اليميني المتطرف.