جمال عبد الناصر أبو نحل
أمد/ كانت دارنا، وديارنا وحِّلُِنُا في غزة؛ بعد تِرحالِنا، وتَهجِّيرنا قسرًا من ديارنا الأصلية من فلسطين التاريخية المحتلة من قِبَل العصابات الصهيونية عام النكبة 1948م!؛ فكان المُستقر المؤقت، واللجوء لِمُخيمات اللجوء في غزة بعد عام النكبة فبعض اللاجئين لجأوا إلى دول الجوار، وأخرين هاجروا إلى دول العالم أنداك؛ وكان يحَذوهم الأمل في الرجوع للديار، والدور في فلسطين التاريخية؛ وحينما هُجّروا حمل بعض الأجداد معهم من فلسطين المحتلة في عام النكبة مفاتيح الدار أملاً منهم بِالعودة سريِعًا لبيوتهم التي أُخرجوا منه قسرًا من غير وجه حق بفعل المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية حينما احتلوا، واستوطنوا في قلب فلسطين التاريخية!؛ ومع مرور الزمان، والأعوام على اللاجئين في دول الشتات، واللجوء في دول الطوق العربي سوريا، ولبنان، ومصر، والأردن، وفي داخل فلسطين المحتلة بعد شهر حزيران عام النكسة 1967م وبعدما احُتُلت الضفة الفلسطينية، ومدينة القدس، وقطاع غزة؛ ودارت عجلة الأيام، ومرت الأيام، والشهور، والسنيين، وأغلب الأمُة عن تحرير فلسطين نيام؛ وجُل أبناء الشعب الفلسطيني لاجئين ومشردين؛ فما كان من اللاجئين الفلسطينيين إلا أن قاموا بجهودٍ كبيرة، ومُضَّنِية فعمروا تلك الديار التي سكنوها؛ وقام كل لاجئ، وخاصة من كان أب لأُسرة بِبَنَاء وتعمير دار له في تلك الديار بعدما طال الانتظار في مخيمات اللجوء في سبعينيات القرن الماضي؛ وطُول فترة سنوات المحتلين القتلة اللئام. وباعت أغلب النسوة في فلسطين أجمل حُلِّيّهِم من الذهب الخالص، وكَد الجدُ، والأَبُ، والأبناء، وتعِّبوا أشد التعب كمن يَحفرُ في المعُول بالصخر، وذاق اللاجئون الفلسطينيون الحنظل، والمُر، وكؤوس المنايا، وما لانت عزيمتهم، وما وهنوا وما ضعفوا وما استكانوا، وصعدوا المطايا، والمنايا تُحيط بهم!؛ وعاشوا يعانون من عصابة المحتلين المجرمين، وحياتهم فيها الكثير من التعب، وفيها كَبَدْ؛ ورغم تلك الأهوال، والمحن كَدوا، وأعَدوا، واجتهدوا، وبذلوا الغالي، والنفيس من دمهم، ولحمهم واشتعل الرأسُ فيهم شيبًا حتى عمروا دارًا لهم رغم أنف الاحتلال ليسكنوا فيها هم، وأنجالهم؛ فعمروا البيوت في نفس مخيمات اللجوء الذي تواجدوا فيها سعيًا منهم للعيش الكريم، بعدما فقدوا الديار، والدار في الداخل الفلسطيني المحتل. وسكن اللاجئين الفلسطينيين بعد الهجرة إلى قطاع غزة ثمانية مُخيمات في غزة؛ بعدما أُخرجُوا من ديارهم بغير حَقْ وكانت لهم بعض الخصوصية عن اللاجئين خارج أرض فلسطين، وهي أنهم باقون في أرض الوطن، ويُحيط بهم العدو المحتل الوحشي الصهيوني المجرم من كل جانب، ومكان برًا، وبحرًا، وجوًا؛ ولما استقر بهم الحال مع إخوانهم المواطنين في غزة عمروا معًا الديار الغزية، وقاموا ببناء أجمل الدور، والعمارات، والمنازل، والأبراج السكنية، والمولات التجارية، والجامعات والمدارس ودور العبادة، وشيدوا مساجد قمة في الروعة، والأناقِة، والجمال؛ واندمجوا مع إخوانهم المواطنين في غزة جنبًا إلى جنب على قلب رجُلٍ واحد، وجميعهم جعلوا مدينة غزة مدينة جميلة جدًا مثل جمال ديارِهم التي هُجِّرُوا منها قسرًا، وظُلمًا من فلسطين التاريخية؛ ولكن بعد كل هذا العناء، والتعب، والتعمير في قطاع غزة، حل بهم الدمار من المحتل الخنزير الحِمار. وعادت من جديد المعاناة، والغربة في الوطن!؛ وطال القصف الصهيوني الغاشم كل قطاع غزة، من شمالهِ لجنوبهِ؛ حيثُ تعرض قطاعُ غزة خلال العقدين الأخيرين لأكثر من خمسة مرات لعدوان صهيوني بربري غاشم همجي طال الأخضر واليابس ودمر كل ما تَعَمْرَ، ومُعَمِرْ، وعُمِّر، وعَامِر، ومَعمُور من البنايات، والدور، والقصور، والتي بين عشيةٍ وضُحاها، وفي لمح البصر قُصِّفت ونُسِّفتْ فسويت بالأرض من شياطين الإنس عصابة الغاصبين المحتلين المجرمين وصارت الدور حالها كصمتِ القُبورْ!. واليوم، وبعد مضي ما يقارب أربعة شهور على العدوان الصهيوني الإجرامي على قطاع غزة، وحرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة؛ وإصابة، واستشهاد قرابة مائة ألف ما بين شهيدٍ، وجريح جُلهم من النساء والأطفال!؛ أبادت خلالها عصابات الجيش الصهيوني الخنزيري المفسدين في الأرض أغلب الدور، في الديار بقطاع غزة، وصار جُل الناس بلا مأوى يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء!؛ فتصور نفسك أيها الأخ العربي يا قارئ هذا المقال بأنك مواطن ولاجئ في غزة فلسطين، وقُصف الاحتلال بيتك، وبيت أنجالك، والمكون من عدة طوابق، وقد بلغت تكاليفه حوالي نصف مليون أو مليون دولار؛ أو أنت كنت تملك شقة سكنية ثمنها حوالي خمسين ألف دولار، وقد جمعت ثمنها عبر سنين من العناء، والتعب، والشقاء؛ والمعاناة؛ وبعض الناس في غزة مُوظفين بُسطاء اقترضوا من البنوك أو من جمعيات ليقوموا ببناء هذا المنزل أو شراء الشقة لهُ، ولأفراد أسرتهِ؛ وفجأة يأتي الطيران الصهيوني كالغربان السود، وتقصف وتدمر البيوت والأبراج، وما فيها من مئات الشقق السكنية، وتسويها بالأرض؛ وتصبح أنتَ بلا دار، ولا قرار، ولا استقرار، ولا عَمار ولا مُعمر، وكل شيء قد صار دمار، ولا زالت عليك قروض لسنين للبنك من ثمن الشقة، أو البيت تصور نفسك مكان هذا الغزيِ!؛ والأدهى، والأمَّرْ أن البيت المقصوف ذهبت بعد تدميرهُ معهُ أجمل أيام طفولتك، وكل أحلامك، وأحلى أيامك، وزهرة شبابك وشِّيبك، وكل ذكرياتك صارت أطلال، ولم يبقى لها باقية، وشعبٌ صابر، ويَكأن الصبر كَّلْ، ومَلْ من صبر أهل غزة، ولكن في الحقيقة رغم الصبر فإن قلوبهم نازفه ألمًا، ودمًا، وعيونهم تذرف الدموع، وأرواحهم حزينة، ومُصابهم جلل، وصحيح أن الدار التي دمرها العدو سوف تُعمر إن شاء الله من جديد، إن كان باقٍ في العمرِ بَقية!؛ وأن الشهداء الذي رحلوا وارتقوا للعلياء لن يعودوا ليوم الخلود؛ وأن قطرة دم زكية من الشهداء الأبرار أغلى من كل الدور، والقصور، والبيوت، والأبراج، ولكن لا شك أن من بقي حيًا تَمنى الموت، لأن أغلب شعب غزة رجع لاجئ من جديد في غزة!؛ وقد تبدد الحلم، فلا ينفع الوعدُ، ولا الوعيد، ولا التزهيد، أو التمهيد، ولن يفرح الناس بِالعيد!؛ لأنهُم خلقوا أحرارًا، ولم يُخلقوا عبيد؛ وصحيحٌ أنهُ لن يفلَ الحديدُ سوى الحديد؛ وأن الصمود، واجب لِمواجهة عصابة اليهود، ولكن المُصاب في غزة جلل!؛ ولسوف يخرج علينا قريبًا بعض القادة السياسيين من أبناء غزة ممن يعيشون في بعض الفنادق خارج الوطن ليعلنوا الانتصار!؛ لأنهم لن يعيشوا في الخيام، ومعهم أموال لبناء بيوتهم فورًا إن قُصفت في غزة!؛ ولكن تبدأ رحلة المُعاناة، واللجوء الحقيقة لأغلب الشعب في غزة، وستبدأ مسيرة التعب من جديد للشعب بكل تأكيد!؛ فلم يعد لنا في ديار غزة منزلٌ، ولا دار بعدما أحالها المحُتل المجرم إلى الدمار، لنعود للسكن في الخيام، في زمن كثر فيه اللئام، وأدعياء التديُن، والإسلام، وتجُار الوطنية، والسلام. فسلامٌ على أطلالِ ديارنا المدمرة المقصوفة في غزة، سلامٌ على دار ضاعت فيها أحلامنا، وذكرياتنا، سلامٌ على أرواح الشهداء الأحرار، الثوار الأبرار؛ وإن كان لنا للقلوب من سلوى نتذكر أن كل شيءٍ في هذا الكُون بقضاء، ولن يعيش شعب غزة الأبطال في وطنهِم تُعسَاء، وربما أن الديار حينما تصبح دار، ودور، وقصور، ننسي، وتُنسَِِّيِنا دار القرار، وأن الدنيا دار ممر، والأخرة هي دار المقر؛ ولنعلم بأنهُ لا خُلود لأحد في دار الدنيا، ولو ملك كل الدور، والقصور؛ ورحم الله عز وجل أمي برحمتهِ الواسعة والتي كانت دومًا تقول لي: ” دُورنَا بِتستنانا”؛ فيومًا ما سوف ينتقل كُلٌ منا من الدار، ولو كانت قصر إلى القبر؛ ولن تتوقف عجلة الحياة؛ والقبر هو أول منازل الأخرة، فإما أن يكون روضة من رياض الجنة، وإما أن يكون حفرة من حُر النار؛ نسأل الله عز وجل لنا، ولكم السلامة، والسلام، والأمن، وأن تكونوا جميعًا من أهل الجنة.
وختامًا فإن حرب الإبادة الجماعية، والمجازر البشعة التي ارتكبتها عصابة كيان جيش المحتلين الصهاينة الغاصبين الأوُغَاَد المُجرمين لن تمُرْ دون عِّقابْ، وعلى الظالمين سوف تدور الدوائر، وفلسطين، وشعبها الأبي لن ينكسر، وسوف ينتصر طال الزمان أم قَصُرْ، وسوف نعود نبني البيوت، ونعمرها من جديد رغم هذا الدمار الكبير عاشت فلسطين وعاش شعب الجبارين.
الباحث، والكاتب الصحفي، والمفكر العربي الإسلامي، والمحلل السياسي