عمر حلمي الغول
أمد/ مازالت تداعيات حرب الإبادة الصهيو أميركية وحلفائهم في الغرب الأوروبي الرأسمالي تحمل في ثناياها تحولات إيجابية بالمعايير النسبية في الأوساط الرسمية والشعبية داخل تلك الدول المشاركة في الحرب، وتعكس حالة الرفض والادانة لتلك السياسة العمياء، التي لا ترى الا جانب واحد، هو دعم دولتهم اللقيطة إسرائيل، التي اقاموها على انقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني منذ 76 عاما خلت، ولم يحاولوا إعادة النظر بسياسة المعايير المزدوجة، والكف عن الكيل بمكيالين. رغم المواقف والتصريحات العلنية لقادة الغرب وحكوماتهم المعادية لحقوق الانسان وحق تقرير المصير وللقانون الإنساني الدولي الداعمة لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967، بيد انهم في الممارسة العملية يمارسون العكس تماما، لانهم ابعد ما يكون عن تلك المواقف، لا بل انهم يوغلون أكثر فأكثر في دعمهم اللا محدود للدولة الإسرائيلية الاستعمارية القائمة بالاحتلال للأرض الفلسطينية، ويقدمون لها الدعم المالي والعسكري والاقتصادي والحماية من المساءلة والملاحقة القانونية لاستباحة وابادة الشعب الفلسطيني، وتصفية قضيته الوطنية ومشروعه التحرري.
ومن بين تلك التحولات والارهاصات الإيجابية توقيع اكثر من 800 مسؤول في الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي على رسالة معارضة علنية ضد سياسات حكوماتهم الداعمة لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، والتي تعتبر سابقة هامة في الانزياح لصالح القضية الفلسطينية، ورفضا لخيار الحرب. حسب ما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية. وتعتبر الرسالة الأولى من نوعها التي تجمع مسؤولين في دول الغرب الرأسمالي الحليفة عبر المحيط الأطلسي برفض وانتقاد علني لسياسات حكوماتهم واتحادهم الأوروبي بسبب حرب الأرض المحروقة على الشعب الفلسطيني.
ولم يعلن المسؤولين من الولايات المتحدة وبريطانيا وهولندا وثماني دول أعضاء في حلف الناتو وبالإضافة للسويد وسويسرا ال800 عن أسمائهم خشية “الانتقام” من قبل حكوماتهم، وملاحقتهم من المنظمات وجماعات الضغط الصهيونية، ونقلا عن احد المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية لاكثر من عقدين حسب الصحيفة، ان الذين وقعوا على الرسالة، وافقوا عليها بهدوء ودون ضجيج لاعتبارات السلامة الخاصة والعامة على شخوصهم ومكانتهم الوظيفية.
ومن ابرز النقاط التي تضمنتها الرسالة: أولا انطلاقا من واجبهم الأخلاقي كموظفين مدنيين المساعدة في تحسين السياسة والعمل لصالح دولهم، وترشيد أدائها، كونها اساءت الالتزام بالمبادئ والقيم الإنسانية، وحاجتها الى تغيير الاتجاه بشأن الحرب؛ ثانيا جاءت رسالتهم نتيجة “تجاهلهم”، والتعامي عن صوتهم ورؤيتهم المطالبة بمراجعة سياسة المعايير المزدوجة، حين اثاروا مخاوفهم من خلال القنوات الداخلية؛ ثالثا الادراك بأن السياسات الحالية لحكوماتهم تضعف مكانتها الأخلاقية، وتقوض قدرتها على الدفاع عن الحرية والعدالة وحقوق الانسان على مستوى العالم، وفقا لنص الرسالة التي استلمتها الصحيفة يوم الخميس 1 فبراير الحالي؛ رابعا الاعتقاد لديهم، ان هناك خطرا معقولا يتمثل في أن سياسات حكوماتنا تسهم في الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي، وجرائم الحرب، وحتى التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية؛ خامسا الانعكاس السلبي لسياسات الحكومات الغربية بقيادة الولايات المتحدة على المجتمعات الغربية ذاتها. لانها تتناقض مع الدساتير والقيم القائمة في بلدانهم.
وما كان لهذه الرسالة ان تكون وتنشر لولا ما شاهدوه بأم العين على الأرض الفلسطينية من حرب إبادة شاركت فيها حكوماتهم مباشرة، لا بل ان إدارة بايدن قادت تلك الحرب بشكل مباشر، وهو ما يعكس الفشل الأخلاقي والقيمي والقانوني والسياسي لتلك الحكومات نتاج تأييدها الاعمى واللا مشروع لدولة الابرتهايد والتطهير العرقي الإسرائيلية.
وانطلاقا من حرص أولئك الموظفين المدنيين، الذين يتبوأون مواقع هامة في دوائر حكوماتهم وفي أطر الاتحاد الأوروبي على مكانة دولهم واتحادهم، وحرصا على مستقبل اجيالهم الصاعدة ومجتمعاتهم بشكل عام، تنادوا لصياغة الرسالة، ونشروها في صحيفة “نيويورك تايمز” لايصال صوتهم. لان اراءهم ومواقفهم الداخلية ظلت حبيسة الغرف المغلقة، مما دعاهم لرفع الصوت العلني عبر المنابر الإعلامية ليصل لمجتمعاتهم والرأي العام العالمي عموما والشعب الفلسطيني خصوصا، ليقولوا له، ان هناك صوتا آخر غير صوت الحكومات الرسمي، وهو صوت معارض، ورافض لسياسة الكيل بمكيالين.
وتعقيبا على الرسالة قال جوش بول، الذي عمل في وزارة الخارجية الأميركية، وكان يشرف على عمليات نقل الأسلحة، واستقال في أكتوبر 2023 بسبب دعم إدارة بايدن للحرب الإسرائيلية، ان “صنع القرار السياسي للحكومات والمؤسسات الغربية بشأن الحرب خلق توترات غير مسبوقة” في أوساط موظفي الخدمة المدنية غير السياسيين. وأضاف “الدعم الأحادي الجانب للفظائع الإسرائيلية في غزة، والتعامي اللا إنساني عن الفلسطينيين، هو فشل أخلاق، وبالنسبة للضرر الذي يلحقه بالمصالح الغربية في جميع انحاء العالم، هو فشل سياسي.”
وما ذكره بول يعكس البعدين لما تضمنته الرسالة كما اشرت سابقا، البعد الأول تصويب سياسات الحكومات والاتحاد الأوروبي، وحماية تلك المؤسسات والمجتمعات الغربية من التآكل الأخلاقي والقيمي، والبعد الثاني الكف عن السياسة أحادية الجانب، وإنصاف الشعب العربي الفلسطيني ومنحه حقوقه السياسية والقانونية، وضرورة وقف حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية عليه. وما تقدم يعكس أهمية الرسالة والنخب السياسية المدنية الموقعة عليها.