عمر حلمي الغول
أمد/ عملت وتعمل بشكل حثيث إدارة بايدن لإبرام صفقة تبادل جديدة للرهائن، ووضعت مسودة اتفاق حملها رئيس جهاز المخابرات الأميركية وليم بيرنز لاجتماع باريس الرباعي، الذي ضم رؤساء المخابرات المصري والقطري والإسرائيلي يوم السبت الموافق 28 يناير الماضي، والتي تتحدث عن هدن طويلة نسبيا تبدأ ب42 يوما، تتلوها هدن أطول قد تصل ل4 اشهر، تبدأ بالافراج عن 30 اسيرا إسرائيليا من المرضى وكبار السن، يعقبها الافراج عن المجندات، والمرحلة الثالثة تشمل جميع العسكريين الإسرائيليين، ومقابل كل رهينة إسرائيلية تفرج إسرائيل عن 100 اسير حرب فلسطيني، غير ان مسودة الصفقة لم تتضمن أي نقطة عن وقف الحرب بشكل نهائي، ولا تشمل انسحابا إسرائيليا كاملا من قطاع غزة، ولا تتطرق لعودة النازحين الفلسطينيين الى مدنهم ومخيماتهم في الشمال، ولا لتأمين كرفانات وخيام للذين دمرت بيوتهم، ولم تشر من قريب او بعيد لليوم الثاني للحرب.
كما ان ما حملته مسودة المشروع الأميركي تتناقض مع محددات اذرع المقاومة، التي نصت على التالي: أولا وقف حرب الإبادة الجماعية فورا؛ ثانيا تقوم عملية التبادل وفق شعار “الكل مقابل الكل” بمعنى تبييض السجون والباستيلات الإسرائيلية من الاسرى الفلسطينيين دون استثناء؛ ثالثا ضمان عدم اعتقال أي من المفرج عنهم؛ رابعا عدم اللجوء للتهجير القسري للفلسطينيين لسيناء او للضفة الشرقية؛ رابعا تأمين دخول المساعدات الإنسانية كافة بدون اية عوائق او تدخل من الإسرائيليين؛ خامسا ضمانات بإعادة اعمار ما دمرته حرب الإبادة الجماعية في محافظات الجنوب؛ سادسا اضيف لاحقا واعلن عنه الناطق باسم حركة حماس، البند السياسي المرتبط باستقلال دولة فلسطين استنادا لقرارات الشرعية الدولية.
ومن خلال متابعة المواقف المعلنة للحكومة الإسرائيلية، يتضح انها تعيش حالة من التناقضات حول ابرام الصفقة من حيث المبدأ، وهناك تلويح صريح لا يقبل التأويل من قبل بن غفير وسموتيرش بالانسحاب من الحكومة في حال تمت الموافقة على الصفقة. لانهم يريدون مواصلة حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، ويرفضون الضغوط الأميركية والأوروبية الداعمة لها، ليس هذا فحسب، انما يعملون على تشريع عودة الاستيطان الاستعماري الى قطاع غزة وللمستعمرات التي تم تفكيكها في محافظات شمال الضفة، وتوسيع نطاق الاستيطان، كونه يشكل السياج الأمني للدولة العبرية وفق ما صرح به وزير المالية، سموتيرش، ولهذا اعلن عن بناء 7000 الاف وحدة استيطانية جديدة في الضفة الفلسطينية.
كما ان وزير الامن القومي، بن غفير هاجم الرئيس الأميركي بايدن، كونه يريد زيادة المساعدات الإنسانية لابناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهو مجرد تصريح شكلي حتى اللحظة، وأجرى مقارنة بينه وبين الرئيس السابق ترامب فيما لو كان يقف على رأس الولايات المتحدة غامزا من قناته، وتناسى كليا زعيم حزب “القوة اليهودية”، انه لولا وقوف وقيادة إدارة بايدن وحلفائها الغربيين لحرب الإبادة الجماعية على القطاع لما تمكنت إسرائيل من الوقوف على قدميها.
كما ان حركة حماس تعيش تناقضا بين قيادة الخارج وقيادة الداخل في العديد من الملفات والتوجهات بدءا من قرار الحرب وصولا لصفقة التبادل. لا سيما وان المقرر في شأنها (الصفقة) هي قيادة الداخل. أضف الى ان مجرد الموافقة على التبادل والهدن المشبوهة والمفضوحة كما ورد في الصفقة، فهذا يعني ان حماس لحست وتخلت عن كل محدداتها، وخسرت الورقة الأقوى بيدها، مما يفقدها تحقيق أي انجاز بشأن اسرى الحرية يمكن لها ان تتغنى به لاحقا، أي الرهائن الإسرائيليين، وفي حال تم ذلك، مع عدم وقف الحرب فورا، فهذا يعني شيئا واحدا توسيع نطاق حرب الإبادة، وفرض التهجير القسري، إضافة للخسائر البشرية والعمرانية وفي مناحي الحياة المختلفة الهائلة وغير المسبوقة في التاريخ، وبتعبير مختصر، كأنها اعادت الشعب العربي الفلسطيني قرن للخلف. وأي كانت الضغوط العربية والإسلامية والدولية يصعب على قيادة الداخل تحديدا تمريرها.
ولا اضيف جديدا لما ذكرته في مقالات سابقة، من ان الصفقة تهدف أولا لسحب أوراق القوة من ايدي المقاومة؛ ثانيا الالتفاف على إمكانية اتخاذ مجلس الامن قرارا بوقف حرب الإبادة الجماعية استنادا لاحكام وتدابير محكمة العدل الدولية؛ ثالثا تبديد الهدف السياسي. لان استمراء إدارة بايدن وحكومة الحرب الإسرائيلية لمواصلة حرب الإبادة، ورفض قرار وقفها، واللجوء للهدن المؤقتة لها هدف واحد تصفية القضية الفلسطينية، وكل الاحاديث عن إمكانية اعتراف واشنطن بالدولة الفلسطينية، هو مجرد تخدير وتضليل، ولا يتضمن أي رصيد حقيقي، والا ما الذي يمنعها من الاعتراف هي وبريطانيا وباقي الدول الأوروبية التي صرحت بذلك؟ ولماذا تنتظر لليوم التالي للحرب؟ ما هي الحكمة من ذلك سوى التلاعب والتسويف والمماطلة؟ اذا الصفقة خديعة كبرى للضحك على الدقون الفلسطينية، وهي صفقة ناقصة ومشبوهة.