د. رمزي عودة
أمد/ لم تكن الكلمات الحادة والعدوانية التي أطلقها نتنياهو في كلمته للإسرائيليين بعد لقائه بوزير الخارجية الأمريكية بلينكن سوى تصريحات دعائية لحكومته وشعبه، حيث حاول نتنياهو أن يظهر نفسه بمظهر القوي والمصر على الانتصار. ولكن الأمور لم تسر على النحو الجيد مع نتياهو في الأروقة الداخلية للمحادثات مع بلينكن. صحيح أن الادارة الامريكية تدعم إسرائيل بقوة في عدوانها على قطاع غزة، الا أن هذه الادارة تحتاج بشدة الى تحقيق تسوية أو تهدئة في المنطقة قبل الدخول في المعترك الانتخابي في نوفمبر القادم، ولهذا لم يؤيد بلينكن المخططات الاسرايلية لإجتياح إسرائيلي لرفح، كما طالبه بلهجة صارمة إرسال طاقم للمفاوضات التي تجري الأن في القاهرة، والتي من المتوقع أن تستمر لأكثر من عشرة أيام. من جانبه، أكد الرئيس الأمريكي مباشرة بعد عودة بلينكن من المنطقة العربية أنه يضغط بقوة للوصول الى هدنة مستدامة، كما أوضح كيربي مستشار الأمن القومي الأمريكي الى أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تدعم أي عملية عسكرية كبيرة في رفح. وفي النتيجة، فإن نتنياهو وحكومته وجيشه يبدو أنهم قد تجمدوا في خانيونس، و لن يستطيعوا المضي قدماً الى رفح، لأن ذلك يعني تهجير أكثر من مليون فلسطيني الى سيناء، وهو الأمر الذي ترفضه القاهرة بشدة، وتعتبره إعتداءً صارخاً على أمنها القومي، وقد نقلت هذه الرسالة بوضوح الى بلينكن بهدف تحذير الجيش الاسرائيلي من مغبة الهجوم على رفح. من جانبها، شددت العربية السعودية في إجتماع الرياض الوزاري الذي ضمها الى جانب مصر والأردن وقطر والإمارات وفلسطين على رفض أي هجوم عسكري على رفح.
من هنا، أعتقد أن زيارة بلينكن الى المنطقة لم تفشل كلياً، ولكنها نجحت بشكل جزئي في تحقيق هدنة غير معلنة بين جميع الأطراف، كما أنها أطلقت بشكل رسمي مفاوضات اليوم التالي بعد العدوان، وهو الأمر الذي يتهرب منه نتنياهو، حتى أنه لم يطرحه على مجلس الحرب الاسرائيلي. في الوقت الذي تصر الادارة الأمريكية على إنهاء هذا الملف من أجل وضع قواعد ثابتة لتحقيق عملية سلمية دائمة في المنطقة تتضمن هذه العملية الاعتراف بدولة فلسطينية.
في الواقع، يدرك نتنياهو أن محادثات اليوم التالي بعد العدوان ستؤدي به الى خيارين أحلاهما مر!، الأول تصدع العلاقات الأمريكية الاسرائيلية وربما إنقلابها على رأسها، لاسيما أن هذه العلاقات قد شابها الكثير من الخلافات منذ تولي بايدن الإدارة الامريكية. أما الخيار الثاني فهو السقوط المتوقع لإئتلافه الحاكم بعد إنسحاب الصهوينية الدينية من هذه الحكومة. وبين هذين الخيارين يسعى نتنياهو الى التمويه والتحايل تارةً، وبين تصعيد خطابه تارةً أخرى. وهدفه من وراء ذلك هو إطالة أمد الحرب والإبتعاد عن إستحقاقات أي تسوية سلمية. وهذا المنطق -إن جاز لنا نعته بالمنطق- ليس بعيداً عن عقلية نتنياهو المتطرفة، فقد أعلن صراحةً أمام الملأ بأنه نجح في إفشال حل الدولتين وإنهاء إتفاق أوسلو. وبين هذا وذلك، فإن نتنياهو يراهن على إطالة أمد الحرب حتى تبدأ المعركة الإنتخابية للرئاسة الأمريكية، حينها ستركز إدارة بايدن على خوض المعركة الانتخابية وليس الضغط على إسرائيل. إضافةً الى ذلك، فإن فرص فوز بايدن ستكون أقل مقارنةً بمنافسه الجمهوري ترامب الداعم بقوة لإسرائيل، وهذا تماماً ما يراهن عليه نتنياهو.
ما أود قوله، هو أننا بعد اليوم الستة وعشرون بعد المائة من الحرب ربما نكون قد دخلنا مرحلة جديدة من هدنة غير معلنة قد تستمر لعدة أشهر، وستحتفظ إسرائيل خلالها بقدرتها على الاستمرار بقيامها بعمليات عسكرية محدودة في القطاع، ولكنها لن تتمكن من الهجوم الواسع على رفح، ولن تقوم بتقديم أي تنازلات بشأن اليوم التالي بعد العدوان بإنتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية.