أمد/ واشنطن: في الأول من فبراير، أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن أمراً تنفيذياً يفرض بموجبه عقوبات على الأشخاص الذين يقوضون السلام والأمن والاستقرار في الضفة الغربية.
سيحاول البعض عرقلة أي تنازلات للفلسطينيين بواسطة العنف
وكتبت مجلة “إيكونوميست” البريطانية، أنه في البداية، حاول المستوطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية الاستهزاء بالأمر التنفيذي، وتلاشت الضحكة عندما بدأت البنوك الإسرائيلية بحظر حسابات المستوطنين المستهدفين بنظام العقوبات الأمريكي.
وتعهد وزير المالية بتسلئيل سموتريش، وهو نفسه مستوطن قومي متطرف، بمنع المؤسسات المالية من تنفيذ العقوبات، لكن قوته في هذه المسألة لا تذكر.
وقال أحد كبار المصرفيين: “إذا كان أي شخص يعتقد أنه من أجل حسابات عدد قليل من المستوطنين، ستكون البنوك الإسرائيلية على وشك تعريض وصولها إلى النظام المالي العالمي الذي يسيطر عليه الأمريكيون للخطر، فهو سيواجه صحوة قاسية”.
طلقة تحذيرية… والهدف نتنياهو
يصف بايدن نفسه بأنه “صهيوني” وقد دعم إسرائيل إلى أقصى حد منذ هجوم حماس السنة الماضية، لكن هذا الأمر هو علامة على أن صبره تجاه ائتلاف بنيامين نتانياهو المتشدد بدأ ينفد.
وبحسب المجلة، فإن المستوطنين اليهود في الضفة الغربية، قلب الدولة الفلسطينية المستقبلية، هم من بين أكبر العقبات التي تعترض خطط أمريكا الطموحة للسلام.
وحتى الآن، لم تطل العقوبات سوى 4 مستوطنين صغار إلى حد ما، متهمين بارتكاب أعمال عنف ضد الفلسطينيين.
لكن صياغة الأمر الرئاسي لا تترك مجالاً للشك في أن شخصيات أكبر، من ضمنها وزراء، يمكن أن تتأثر.
ويقول مسؤول إسرائيلي مشارك في المحادثات مع الأمريكيين: “إنها طلقة تحذيرية والهدف هو نتانياهو”.
ويبدو أن بايدن يحاول دق إسفين بين المستوطنين وبقية إسرائيل، مما يترك لنتنياهو خيار إما التخلص من شركائه المسمومين أو الغرق معهم.
قوتهم ليست في عددهم
وفق المجلة، من بين 10 ملايين إسرائيلي، يعيش نحو 460 ألف مستوطن في الضفة الغربية (من دون القدس الشرقية)، ويعيش معظمهم في مستوطنات بالقرب من حدود ما قبل 1967 حيث يتم إغراؤهم بالسكن الرخيص، ومن المفترض في أي اتفاق سلام أن يتم استيعاب هذه “الكتل الاستيطانية” في إسرائيل، بالمقابل، ستؤول قطع من الأراضي الموجودة حالياً داخل إسرائيل إلى الدولة الفلسطينية الجديدة ضمن عملية المبادلة.
والأمر الأكثر إشكالية هو المستوطنات الأصغر حجماً الموجودة في عمق الضفة الغربية والتي يتعين تفكيكها، ومعظم سكانها هم من أصحاب الأيديولوجيات الدينية المتطرفة الذين يشكلون أقل من 2% من سكان إسرائيل لكنهم يتمتعون بدعم كبير إذ حققت الأحزاب التي تمثلهم أداء جيداً في انتخابات 2022، مما ساعد نتانياهو على العودة إلى منصبه، وهو يعتمد عليهم في الحفاظ على أغلبيته.
ازدواجية نتنياهو
وكانت قوتهم واضحة في 28 يناير (كانون الثاني) عندما حضر 12 وزيراً مؤتمراً في القدس دعا إلى إعادة إنشاء مستوطنات يهودية في قطاع غزة بعد الحرب.
وقال نتنياهو إن هذا “غير واقعي” ووعد بأن ليس لدى إسرائيل أي نية للقيام بذلك، لكنه لم يمنع وزراء من داخل حزبه الليكود من حضور المؤتمر، حيث دعا المتحدثون إلى إعادة احتلال غزة وتهجير 2.3 مليون فلسطيني يعيشون هناك.
وحتى بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، يؤيد ربع اليهود الإسرائيليين فقط مثل هذه الخطة، حسب استطلاع للرأي أجري في نوفمبر (تشرين الثاني). لكن ممثلي المستوطنين الذين يقومون بتسجيل عائلاتهم للاستقرار في هذه البؤر الاستيطانية الجديدة أثبتوا باستمرار قدرتهم على تحريك سياسة الحكومة في الضفة الغربية لمصلحتهم.
ولأكثر من نصف قرن، ظلوا يتحدون الحكومات، بما فيها تلك اليمينية، من خلال البناء في عمق الضفة الغربية والحصول في نهاية المطاف على دعم حكومي بأثر رجعي.
شرط لفرصة السلام
ويتخبط نتنياهو الآن في استطلاعات الرأي، وإذا أجريت الانتخابات قريباً فمن شبه المؤكد أنه سيخسر السلطة.
لكن حتى من دون أنصارهم في الحكومة، سيظل المستوطنون يشكلون قوة في السياسة وعلى الأرض، إذ يخدم العديد منهم في وحدات قتالية ويشاركون بشكل كبير في الحرب في غزة، وسيجادلون بأن تضحياتهم ستهان إذا تعرضت منازلهم في الضفة الغربية للتهديد، وسيتردد صدى هذا الأمر لدى العديد من الإسرائيليين، حتى أولئك الذين ليسوا في معسكرهم السياسي.
وبالنظر إلى التجارب السابقة، سيحاول البعض عرقلة أي تنازلات للفلسطينيين بواسطة العنف.
وبتشجيع من أنصار الحكومة وتسليحهم، قتل المستوطنون ما لا يقل عن 10 فلسطينيين سنة 2023، حسب تقرير صادر عن منظمة “ييش دين” الإسرائيلية لحقوق الإنسان.
ونتختم المجلة “إذا بدا إنشاء دولة فلسطينية أكثر احتمالاً فإن عنف المستوطنين سيتزايد، وإذ كانت واشنطن ترغب بدفع السلام فلا بد لها أن تواجه شخصياً تهديد المستوطنين، إذ لا تظهر حكومة نتنياهو اهتماماً بذلك، وحتى حكومة وسطية، قد تجد صعوبة في مواجهة المستوطنين”.