ألاء ماجد
أمد/ المرعب في حرب إسرائيل على غزة المستمرة منذ أكثر من أربعة أشهر، هو أنك كلما ظننت أنك قد نجوت، تؤكد لك العكس تماما، فقط الدمار والقتل وخيبة الأمل هما سيدا المشهد، ولا عزاء لنا في كل هذا الفقد المادي والمعنوي، سوى التعلق بالأمل بالله، خصوصا في ظل عدم احراز أي تقدم في المفاوضات بين حماس وإسرائيل لوقف اطلاق النار واجراء صفقة تبادل للأسرى.
ولعل المريب والمضحك أن قيادة حماس في الخارج، ممن ينعمون بالأمان والراحة وبعض الترف، لازالوا يتشاورون ويتفاوضون ويصدرون تصريحات وبيانات تقسم ظهرنا بادعاءات صبر أهل غزة وصمودهم، رغم أن الشعب مرغم على تحمل هذا الواقع دون وجود أي خيارات بأيديهم لتغييره حاليا، لعل بعد أن تضع الحرب أوزارها يكون الواقع الحالي قد تغير.
والمقلق لأهالي غزة الذين يشعرون بخيبة أمل رهيبة بسبب مماطلة حماس وعدم اهتمامها بمعاناتهم ودمار بيوتهم ووقف حدا لهذه الحرب الضروس، أن قيادة الحركة يتشاورون حتى الآن ويصرحون دون إقامة أي تقدير لكل آلامنا ومعاناتنا ومطالبنا بوضع نهاية لهذا الجنون المستمر، نحن نعيش كل تفاصيل الحرب ولا كلمة لنا ولا شراكة في اتخاذ القرار، تبا لهذا الواقع الأليم.
ومن أشكال خيبات الأمل التي يشعر بها سكان القطاع المدمر، هو ارتفاع مستوى الادراك بأن نهاية القتال والحرب ليست قريبة، وأنهم قد يقضون شهر رمضان والعيدين الصغير والكبير في حياة النزوح والخيام والقتل المستمر والدمار، دون وجود أي أفق لديهم بعودتهم أولا الى بيوتهم المدمرة، أو وقف الحرب غير المسبوقة وحياة التهجير التي لم تمر على القضية الفلسطينية منذ النكبة عام 48.
وفي ضوء الأوضاع الحالية والوضع الراهن واستمرار الحرب، فإن حربا أخرى تجري في قطاع غزة، تتمثل في استمرار وتزايد ظاهرة النهب والسرقة والعنف للمساعدات الإنسانية التي تمر عبر معبر كرم أبو سالم في رفح جنوب القطاع، والتي باتت تحوي على 1.5 مليون فلسطيني أغلبهم من نازحي شمال ومدينة غزة والمحافظة الوسطى، وفقا لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة.
ان هذه الظاهرة المزعجة لأهالي القطاع –النهب والسرقة- تسببت في تجويع الآلاف من المواطنين في مدينة غزة وشمالها، خصوصا وأن السارقين لا يفرقون بين المساعدات القادمة لمدينة رفح أو شمال القطاع الذي يعاني من التجويع ويشهد أوضاعا إنسانية غير طبيعية.
والمزعج أيضا في هذه الظاهرة، هو أن السارقين لا يأخذون المساعدات المسروقة نتيجة حرمان يعانون منه ليطعموا أبنائهم وعائلاتهم، لا بل يقومون ببيعها في الطرقات وبأسعار خيالية للأسف، مما زاد من سخط المواطنين على الأجهزة الأمنية التابعة لحماس في رفح، وعدم اهتمامها بضبط الأسعار ومنع السرقات والسيطرة على الأوضاع الأمنية المترهلة في الجنوب.
لقد تركت حركة حماس، الشعب الفلسطيني لوحده في هذه الحرب، لتكتشف مؤخرا أن هناك حالة عضب وسخط رهيبة وكبيرة بين المواطنين الغلابة من الحركة وحكومتها التي كانت تديرها، جراء عدم اهتماما بهم، فالجميع يحملها مسؤولية ما وصولوا اليه من دمار ومعاناة وقتل، بعدما شنت “حرب اللاشيء” ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، دون ادراك عواقب هذه الحرب، ومآلاتها التي ستكون على شعبها.
ولعل من يأخذ مشوارا بين خيام النازحين ومراكز الايواء في رفح، يتعرف على قدرا كبيرا من السخط بين المواطنين من حماس وقيادتها في الخارج والداخل، وأكثر كلامهم هو أن حماس تطالب في المفاوضات الأخيرة، بما كان موجودا أصلا قبل السابع من أكتوبر، وأنها قامت بالحرب دون أي دراسة للعواقب المحتملة، أو أي ادراك بحاجيات الناس والقاعدة الشعبية التي كانت تتغنى بها دائما، فهم خططوا للعملية واقتحام المواقع الإسرائيلية، لكنهم لم يخططوا ولم يوفروا أي مقومات للحياة وصمود الشعب في ظل عدو إسرائيلي اجرامي متوقع أن يكون رده شديد وواسع النطاق ضد غزة، ومعروف بهمجيته وبأنه سيصب جام غضبه على الشعب والمؤسسات العامة والبيوت والمستشفيات وكل شيء في غزة.
تتواصل المعاناة الإنسانية في غزة بالتفاقم يوما بعد يوم، ولازال البرد والجوع يضرب المواطنين والنازحين في كل شبر من القطاع، في ظل حالة لا مبالاة من قيادة حماس لوضع حد لهذا الواقع السيء والذي لن تنساه الذاكرة الفلسطينية أبدا طوال حياتها، وسيبقى ذكره يتناقل من جيل الى آخر، مثل النكبة تماما، لكن بزيادة عدم اهتمام القريب قبل البعيد..بئسا لهذا الواقع وبئسا لقيادات خذلت شعبها في لحظة الامتحان…