أمد/ واشنطن: يقف إصرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس البالغ من العمر 88 عاماً على البقاء في السلطة بعد أكثر من عقدين في الحكم عائقاً أمام خطط مستقبل السلطة في حكم غزة بدلاً من حركة حماس.
وبتأجيله الانتخابات الرئاسية بشكل مستمر وتجاهله الدائم لموضوع بديله، يجعل عباس أي نقاش حول مستقبل السلطة الفلسطينية غامضاً ودون نتائج، فكلما سُئل عمن يريد أن يكون خليفته، يجيب: “لا أحد بعد”، وفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال”.
“لا قلق”
ولا يبدي عباس أي قلق حول مستقبله في الرئاسة أو في البحث عن بديله، مدفوعاً ربما بأمنيات طول العمر، تيمناً بوالده المعمر الذي عاش أكثر من 100 عام. ويقول موظف سابق في السلطة الفلسطينية، “إنه (عباس) مقتنع بأن أمامه 20 عاماً أخرى”.
يحكم عباس السلطة الفلسطينية، وهو زعيم حركة فتح، أكبر حزب فيها، وفي منظمة التحرير الفلسطينية، ومنذ قرابة عقدين، لم تجر انتخابات عامة في الأراضي الفلسطينية غير تلك التي عقدت في 2006، رغم تراجع شعبية عباس في استطلاعات الرأي إلى أدنى مستوياتها، إذ يطالب 90٪ من الفلسطينيين باستقالته، وتغيير قادة السلطة، غير الفاعلين والمتهمين بالفساد.
عراقيل
وتؤكد الصحيفة، أن “إصرار عباس على التمسك بكرسي القيادة في المقاطعة برام الله، يعرقل خططاً مستقبلية بشأن غزة، حيث تريد الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب أن تحكم السلطة الفلسطينية، بدلاً من حماس بعد أن تضع الحرب مع إسرائيل أوزارها”.
وفي الأشهر التي سبقت هجوم 7 أكتوبر، كانت السلطة الفلسطينية تخوض معركة من أجل البقاء، وتتخذ إجراءات صارمة وعنيفة أحياناً، ضد منافسيها السياسيين، والمسلحين في حركات “حماس” و”الجهاد” المتحديتان لقبضتها الواهية على الأمن في الضفة.
ورغم أن السلطة هي المرشح الوحيد المرغوب به من الغرب والعرب للاضطلاع بمهام ما بعد الحرب، المتمثلة في إعادة البناء واستبدال حماس، إلا أن هناك تساؤلات متزايدة حول ما إذا كان عباس وقادته في الضفة الغربية مناسبين لهذا الغرض، بحسب الصحيفة.
وتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ضد دور للسلطة في غزة بعد الحرب لكنه لم يطرح بديلاً.
وتقول الولايات المتحدة علناً، إن سلطة فلسطينية متجددة لابد من أن تحكم كلاً من الضفة الغربية وغزة، وأن مكتب عباس لديه تجاوب مع بدء سلسلة تغييرات متجاوبة مع تلك المطالب ما يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح.
ويقول مسؤولون غربيون وعرب في أحاديث خاصة للصحيفة، إن “التنشيط المقترح يعني عزل عباس من منصب الرئيس أو على الأقل تحجيم صلاحياته”.
خلفاء متحملين
وتضمنت محادثات بين الفصائل الفلسطينية ودول العربية والولايات المتحدة مناقشات حول الخلفاء المحتملين لعباس، وفقاً لأشخاص مطلعين.
ومن بين الأسماء المرشحة رئيس وزراء الحكومة الفلسطينية السابق سلام فياض، ورئيس الأمن السابق في غزة محمد دحلان، ومروان البرغوثي، المسجون في إسرائيل منذ عام 2002.
وبعد ورود اسمه ضمن قائمة المرشحين، قال سلام فياض، إنه سمع أن البعض في الحكومة الأمريكية سيدعمون تعيينه في رئاسة السلطة، ولكن لم يجر أي مسؤول أمريكي اتصالات معه.
وقال دحلان، الذي وصفه المسؤولين الأمريكيين بأنه لاعب رئيسي في مستقبل غزة، إنه لا يريد قيادة القطاع، ولكنه سيسعى إلى ترشح الحزب الذي أسسه للانتخابات الفلسطينية المقبلة، موضحاً في مقابلة سابقة، “أنا لا أبحث عن وظيفة”.
أما البرغوثي القابع في السجن منذ عقدين، ويرفض المؤبدات الخمسة المحكوم بها، فلا يمكن الوصول إليه للتعليق، وفق الصحيفة.
وفي الوقت نفسه، يرفض عباس قبول إصلاحات من شأنها تقليل قوته وتحجيم سيطرته على السلطة لصبح مقبولة لكل من الإسرائيليين وسكان غزة، وفقاً لمسؤولين عرب.
ونفى متحدث باسم عباس أن يكون الرئيس عائقاً أمام التقدم وألقى باللوم على احتلال إسرائيل للضفة الغربية والدعم الأمريكي لإسرائيل في عدم الاستقرار في الأراضي الفلسطينية.
ويؤكد نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق يوسي بيلين للصحيفة، والذي عمل مع عباس سابقاً لصياغة اتفاقيات أوسلو في التسعينيات، إنه “دبلوماسي وكان نقيضاً لياسر عرفات في نواحٍ عديدة، كان يرتدي بدلة، وعرفات كان يرتدي بزة عسكرية، لقد تمسك عباس بالتزام قوي بالطرق السلمية لإقامة الدولة، وأيد عرفات استخدام القوة إذا فشلت المحادثات”.
ويتابع بيلين، أن هذه الاختلافات في شخصية عباس كانت مفيدة لتمرير الاتفاقات، “لقد أحدثت توزاناً بينه وبين عرفات”.
“ثقل”
واليوم، “يعتبر عباس، الذي لم يستجب لطلب إجراء مقابلة من قبل الصحيفة، بمثابة ثقل في نظر الدول الغربية وحلفائها، ويتم تقويضه بشكل متزايد من قبل حماس، التي تعارض بعنف سعيه لإقامة دولة فلسطينية من خلال الحوار مع الغرب، وفي بعض الأحيان، مع إسرائيل”، بحسب الصحيفة.
وتضيف الصحيفة الأمريكية، شكلت هذه الآلية معضلة للدول الغربية لسنوات طويلة، بما في ذلك الولايات المتحدة، حتى باتوا جميعاً أمام خيار دعم الانتخابات مع فرصة فوز حماس، أو الاستمرار في دعم حاكم لا يحظى بشعبية ولم يجر انتخابات عامة منذ 18 عاما”.
ويوضح محللون في شؤون الشرق الأوسط، أن “أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وما تلاها من زيادة في دعم وتأييد حماس غيرت تلك الحسابات، مما جعل إصلاح السلطة الفلسطينية أولوية”.
ومن بين الحلول المطروحة على الطاولة، وناقشها المفاوضون الأمريكيون والعرب هو الضغط على عباس لتعيين رئيس وزراء جديد يتمتع بسلطة تنفيذية أكبر، وفقاً لمسؤولين مصريين، أكدوا أن الرئيس يدرك هذه اللعبة جيداً.
وبما أن عباس يصر على رفض استبداله من خلال الانتخابات، فقد أخبر مسؤولين عرب وأمريكيين أنه سيكون منفتحاً على تشكيل حكومة جديدة برئاسة محمد مصطفى، وزير الاقتصاد الفلسطيني السابق والمدير التنفيذي للبنك الدولي.