عبدالعزيز آل زايد
أمد/ الأعصاب مشدودة والأيدي تمسك المقود بحنق، والعيون تنتظر الضوء الأخضر، وقبل أن يظهر ضوء العبور ترتفع المنبهات محذرة من في الأمام أن لا يغفل !
جرت العادة أن ينتاب من في المقدمة بعضاً من السرح أو الشرود خصوصاً أما تلك الإشارة التي يطول الوقوف عندها، إلا أن المنبهات تقض مضجع الجميع وتبدأ حالة الاستنفار : (بام..بام.. ديد ديد.. ديد..) وهكذا ينطلق الجميع إلى مقاصدهم وحال سبيلهم..
أصبحت الحياة لا غنى لها عن هذا اللحن الذي لم يبلغه (بيتهوفن) في تراتيله السحرية، حتى أضحت هي النكهة السائدة والمسيطرة على حياتنا بلا منازع، من يستطيع العيش من غير هذه النغمة المحلقة أمام إشارات المرور وغيرها، هناك مواقف أخرى أيضاً نسمعها كل يوم، ف (بام بام ..ديد ديد) زاملت السلام والتحايا، كما زاملت استدعاء الآخرين من منازلهم للخروج، رغم وجود تقنية ” الموبايل ” والجرس المنزلي، بل يكفيك أن تعزف هذا النغم ليأتيك “جرسون” بعض المطاعم ليوفر لك طلبك وأنت في سيارتك.
لكن البعض يشتكي من صخب هذه النغمة خصوصاً في أوقات الراحة، أتذكر مرّة أن هذه النغمة كانت مدوية في ساحة المشفى رغم وجود لوحة مستديرة ترمز بالنهي لاستخدام (البوري) كما يحلو للبعض تسميته.
إن أكثر ما يشد الأطفال الصغار في السيارة هو هذا الصوت المميز، فمن يركب مع أبيه يتمنى أن يتقن هذا التدريب في الصغر ليكون منقوشاً لديه وقت الكبر، لربما لا نجد الدول المتقدمة تحتاج لهذه السمفونية إلا في حالة نادرة قبيل حادث مؤكد أو تنبيه شديد الحساسية، أما دولنا الشرقية فهي تستلذ هذا الصوت الرخيم وتستعذبه بكل أريحية وانتشاء، حتى أن بعض الشباب لا يتخيرون سياراتهم – وقت الشراء – قبل أن ينتبهون إلى عذوبة غنائها الفاتن !!
البعض من الشباب قد لا يروق له هذا النغم السحري، فينتخب له منبه ” شاحنة ” أو صوت آخر له قعقعة مدوية وصاخبة، أو نغمة مميزة يتمنى أقل موقف ليعزفها كما يعزف المحترف المختال نوتته بكل طرب وسرور.
شجار وقع في الحي ذات مرة، لأن صاحب السيارة كان مصراً أن يخرج له صاحبه من منزله باستخدام هذا النداء، كان الغاضب قد خرج بملابس النوم وبدأت المشادة لو لا أن الله سلم ..
أما الطامة الكبرى، هي إذا وقع خطأ ما في سيارة أحد الجيران، وبدأ هذا العزف متواصلاً دون انقطاع رغماً عن إرادة صاحبه ولم يجد طريقة لإيقافه، فإن القيامة قائمة حينها، البعض وضع لسيارته القشيبة منبه للحذر يحرس به سيارته من أي ” لص ” ينوي بها شراً، وكثيراً ما ينزعج صاحب السيارة منه قبل غيره، وبين كل هذا الإفراط يحدثني صديقي – من جانب التفريط – أن لا طعم للحياة لكون أن جهاز التنبيه معطل في سيارته، رغم أن سيارته مكيفة وفي أحسن حال، إلا أن الاستياء واضح وهو يقول : ما قيمة سيارة من غير منبه ! لم نقتصر على تناول المنبهات والإدمان عليها في الشرب فقط، بل وصل الحد للتخمة في استخدام منبه السيارة، الظريف أن أحدهم وضع هذا الصوت نغمة ساحرة لجواله الجديد، لم يكن غيري أفضل مني في استخدام هذه التقانة الرهيبة بلاشك، فحينما كنت متقدماً في الصدارة على جميع السيارات وفور مشاهدتي للضوء الأخضر، عزفت هذه النغمة العذبة – قبل أن يسبقني لها من كان خلفي – وانطلقت !