حميد قرمان
أمد/ تُسرّ أواسط سياسية وأمنية قطرية في أروقة مؤسساتها بمعلومات تفيد أن العلاقة مع حركة حماس ستتم مراجعتها فور انتهاء الحرب الدائرة في قطاع غزة.
هذه العلاقة التي تعد اليوم إشكالية تواجه الدبلوماسية القطرية التي تعتمد بالمجمل على احتواء حركات وفصائل مسلحة بوصفها آليات وسياسات قوة ناعمة تسعى إليها قطر من أجل مكانة دولية وإقليمية تتجاوز مساحتها الجغرافية الصغيرة، وتتجاوز شعورها بالإقصاء الناتج عن موقعها الجيوسياسي إلى جانب جارتها الكبرى ذات الثقل السياسي والاقتصادي والديني.
علاقة قطر بحركة حماس لم تكن وليدة اليوم أو الأمس القريب، بل هي امتداد لسياسات عهد الحمدين (بن خلفية – بن جاسم) اللذين اعتمدا سياسة التدخل المباشر في الشأن الفلسطيني – الإسرائيلي، وسمحا بفتح مكتب تجاري إسرائيلي للتقارب مع مؤسسات الحكم الأميركي، حسب تصريحات إعلامية لحمد بن جاسم في أحد البرامج التي بثت على مواقع التواصل، وروى خلاله طبيعة المسارات التي انتهجتها قطر في تكوين تقارب سياسي مع الجهات الأميركية قائم على تقديم الخدمات السياسية لرفع أسهمها في المنطقة.
عهد الأمير تميم بن حمد، استثمر في سياسات زُرعت في عهد والده، واستكملها في سياقاتها المعروفة، وعززها من خلال تبني واجهات سياسية وإعلامية وصحفية ومراكز دراسات ساهمت في التسرب المالي القطري – كأساس لنفوذها – في مؤسسات إعلامية وصحفية إسرائيلية لترويج سياسات قطر وخلق لوبي داعم لها، تماما كما استقطبت صحافيين وكتابا من ذوي أيديولوجية محددة، الإخوان المسلمين، في عدة بلدان عربية مقدمة الدعم والتمويل لأحزاب وجماعات الإخوان في بلدان ما يسمى الربيع العربي وللتأثير في قرارات تلك الدول.
بالعودة إلى العلاقة بين حماس وقطر، تعاملت الأخيرة منذ اليوم الأول للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بصفة الوسيط الذي يملك مفاتيح علاقات متداخلة ومتقاطعة المصالح، فكان السير القطري على حافة السكين، لنرى بالمحصلة أصواتا داخل أورقة الحكم الأميركية تطالب بمحاسبة قطر على دعمها لحماس، ليخرج مسؤولون قطريون ويبرروا ذلك بأنه من البداية جاء بناء على طلب أميركي.
لم تقف الانتقادات والإدانات الدولية عند هذا الحد بل ارتفعت وتيرتها، ولعل أكثرها صخبا ما صدر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي قاد حملة ممنهجة ضد قطر وسياساتها الداعمة لحماس، في انقلاب على الموقف المشترك بين اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو والقطريين الذين ساندوه طويلا في سياساته الهادفة لإبقاء سلطة حكم حماس في القطاع، وأمدوها بالأموال والدعم السياسي.
حسابات قطر ما زالت تراوح مكانها بين صمود حركة حماس داخل القطاع وهزيمتها، فالدافع السياسي القطري وماكينتها الإعلامية باتجاه عدم هزيمة حماس، والحد من مآلاته ترتيبا لليوم الثاني للحرب الذي تسعى قطر أن تكون شريكا رئيسيا فيه، حفاظا على دورها الإقليمي والدولي وعلى سياساتها، ممسكة بالورقة الأكثر أهمية بين أوراق الشرق الأوسط بل والعالم أجمع، لتكون حجة سياسية أمام الإدارات الأميركية القادمة أيا كانت خلفيتها الحزبية، بأن سياستها كانت الأنجح نسبيا في السيطرة على حرائق الشرق الأوسط المستعرة وفقا للرؤية الأميركية.
في المقابل، هناك معضلة أخرى ستواجه السياسة القطرية، تتمثل في عدم اتساع رقعة الانشقاقات داخل الحركة، وهو ما بدأ يطفو على السطح، خاصة مع استحواذ يحيى السنوار على مقاليد القرار، وعدم السماح لما يسمى قيادات حماس الخارج بالبت بشؤون الحرب وهدنها وصفقاتها.
فهل تستطيع قطر الحفاظ على وحدة حماس دون الدخول في صراعات دامية بين تياراتها أو تلجأ لسياسة الاغتيالات لإبقاء نوع من التوازن بين تيارات الحركة؟
بالعودة إلى بداية المقال، بشأن مراجعتها للعلاقة مع حماس عند انتهاء الحرب، ستبقى هذه المراجعة خاضعة لعوامل عديدة منها وضع الحركة وشعبيتها وفاعليتها عند انتهاء الحرب، وقدرة عناصرها وقادتها على الصمود أمام آلة الحرب الإسرائيلية وإدارة شؤون القطاع. ومن ناحية أخرى مدى قدرة المحور الإيراني وميليشياته الحفاظ على وتيرة التصعيد العسكري الإقليمي المنضبط مع الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وتمكّن إيران من فرض جزء من أجنداتها في المنطقة. ليس هذا فقط بل حجم تأثير الضغوط السياسية من قبل أطراف إسرائيلية وأوروبية وأميركية خاصة مع ارتفاع احتمالية عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى حكم البيت الأبيض.
قطر بسياساتها تجاه القضية الفلسطينية وعلاقتها مع إسرائيل وحماس وباللعب على تناقضات ملفاتهما الشائكة وتضاربها، كمن يزحف وسط حقل ألغام، لن ينجو من كمائن، وإن نجا سيخرج مشوها لن يقبل به الجميع. فالحقيقة التي سنكون بصددها في اليوم الثاني للحرب أن سياسات وتحالفات في المنطقة ستندثر، وسياسات وتحالفات ستولد، فالشرق الأوسط قبل الحرب على غزة لن يكون مثل بعدها