أمد/ رام الله: قال وزير المالية شكري بشارة، إن الاتفاق بشأن تحويل جزء من المقاصة إلى النرويج ما زال عالقا بسبب خلافات حادة حول بعض التفاصيل، محذرا من أن “علينا التعايش مع 20-30% من الدخل فقط” إلى حين تجاوز الأزمة.
وأوضح بشارة، في لقاء مع صحفيين برام الله يوم الأربعاء، “قبلنا الاتفاق باعتباره مؤقتا وبشكل اضطراري، لكننا سنستمر في المطالبة بحقوقنا كاملة”.
وأضاف: “منذ نحو شهر ونصف الشهر ونحن في نقاشات حول فحوى الاتفاق. حتى الآن الموضوع عالق في التفاصيل، ولم يتم تحويل أي مبلغ إلى النرويج”.
وقال وزير المالية إن “الإدارة الأميركية تبذل جهودا لتنفيذ الاتفاق، لكن هناك فجوة كبيرة بين الموقفين الفلسطيني والإسرائيلي”.
وشدد بشارة على أن السلطة الوطنية لن تتخلى، بأي حال من الأحوال، عن التزاماتها تجاه قطاع غزة، وستستمر في دفع هذه الالتزامات، في حين أن الحكومة الإسرائيلية، خصوصا وزير ماليتها “المتعجرف” بستلئيل سموتريتش، تصر على وقف مدفوعات السلطة بالكامل إلى القطاع.
وقال، “هذه التزامات قانونية وأخلاقية تجاه نحو 40 ألف موظف لنا في القطاع، ولن نوقفها بأي حال من الأحوال. الموضوع ليس مجرد شأن مالي، وإنما يتعلق بالكرامة الوطنية”.
ولفت بشارة إلى أن إسرائيل بدأت باقتطاع 275 مليون شيقل من المقاصة شهريا، منذ بداية العدوان على القطاع في تشرين الأول الماضي، أضيفت إلى اقتطاعات أخرى تقدر بنحو 52 مليون شيقل شهريا، تقول إسرائيل إنها توازي مدفوعات السلطة لعائلات الشهداء والمعتقلين والجرحى، ومبالغ ضائعة نتيجة عدم التحاسب بشأن ضريبة الخروج عبر معبر الكرامة.
بالإجمال، قال بشارة، إن الاقتطاعات الإسرائيلية المتراكمة تحت البنود الثلاثة، حتى نهاية عام 2023، تتجاوز 4.8 مليار شيقل (حوالي 1.4 مليار دولار)، منها 950 مليون دولار رسوم معبر الكرامة، و2.94 مليار مدفوعات الشهداء والمعتقلين والجرحى، وحوالي 956 مليون شيقل مخصصات غزة.
ولفت بشارة إلى أن كل هذه الاقتطاعات تضاف إلى اقتطاعات غير قانونية أخرى ممتدة منذ سنوات طويلة، مقابل الخدمات كالكهرباء والصحة والصرف الصحي، التي بلغت خلال السنوات العشر الأخيرة حوالي 6 مليارات دولار.
ومنذ شهر تشرين الأول الماضي، ترفض الحكومة الفلسطينية استلام حوالة المقاصة بعد اقتطاع إسرائيل منها ما تقول إنه يوازي مدفوعات السلطة لقطاع غزة.
واستدرك بشارة قائلا: منذ شهر تشرين الأول الماضي، تسلمنا مقاصة شهر واحد فقط (بعد الاقتطاعات بما فيها مخصصات غزة)، باقي الأشهر رفضنا استلامها، والأمر عالق واستلامها رهن بنتائج المشاورات بشأن الاتفاق مع النرويج.
وقال، “سياسة القرصنة الإسرائيلية أدخلتنا في وضع مالي خطير جدا، فاقتطاعات المقاصة ازدادت بشكل كبير، فضلا عن أن العدوان على غزة قلص حجمها من حوالي مليار شيقل شهريا إلى نحو 700 مليون شيقل، إضافة إلى انكماش النشاط الاقتصادي بين 40 – 50%”.
وردا على سؤال بشأن مدى الأزمة، وقدرة السلطة الوطنية على الاستمرار ماليا، قال بشارة، “إذا استمرت الأمور على ما هي عليه الآن، ودون وجود دعم خارجي، علينا التعايش مع دخل يغطي 20 – 30% من النفقات لأشهر قادمة”.
لكن وزير المالية أبدى تفاؤلا بتجاوز الأزمة الحالية، رغم صعوبتها، مؤكدا أن “هذا يعتمد بالدرجة الأولى على أدائنا، وعلى حسن استغلالنا للفرص التي ولدها الظرف المأساوي الذي نعيشه حاليا نتيجة العدوان على قطاع غزة والسياسات الإسرائيلية المصاحبة”.
وأضاف: إلى حين انتهاء الأزمة، سنواصل العمل بالطريقة التي نعمل بها حاليا. نحن نعمل يوميا بيوم، وسنبذل كل جهد ممكن لدفع الرواتب، أو أجزاء منها على الأقل بشكل منتظم، وبما يمكن توفيره من أموال لأنها محرك أساسي للاقتصاد”.
وبشأن الإصلاحات التي يجري الحديث عنها، قال بشارة، “نحن لا ننتظر من أحد أن يحدثنا عن إصلاحات، فالإصلاح عملية مستمرة، وقد نفذنا مجموعة من الإصلاحات المهمة باعتبارها حاجة وطنية وليس بضغط من أحد”.
وأضاف: على مدى عشر سنوات، قمنا بإصلاحات لتحسين الإيرادات، وخفض الإنفاق، والنتيجة أن الإيرادات تضاعفت من حوالي 500 مليون شيقل فقط (مقاصة وإيرادات محلية) قبل عشر سنوات، إلى حوالي 1.4 مليار شيقل حاليا”.
وتابع: لدينا أيضا إصلاحات في الجوانب الضريبية، كقانون ضريبة القيمة المضافة وإصلاحات ضريبية أخرى، وهي جاهزة وتنتظر المصادقة عليها”.
وشدد وزير المالية على أن المعضلة الأساسية في النظام المالي الفلسطيني، ليست غياب الإصلاحات الداخلية، فهي موجودة ومستمرة، وإنما في الاحتلال وإجراءاته التعسفية وغير القانونية.
وأضاف: لا يوجد نظام في العالم يستطيع البقاء في ظل سرقة 60-65% من دخله، ولا يوجد نظام في العالم يجد نفسه في وضع لا يستطيع الإجابة عن سؤال متى وكم سيصرف من الراتب”.
ولفت بشارة إلى تقدم كبير في الأداء المالي للسلطة في الأشهر التسعة الأولى من عام 2023، قبل بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وما رافقه من اقتطاعات جديدة من المقاصة.
وقال، إن صافي الإيرادات خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2023 ارتفع بنسبة 9.3% إلى 4.23 مليار دولار، من 3.869 مليار دولار في الفترة المقابلة من عام 2022.
وكان مصدر هذه الزيادة، وفقا لوزير المالية، ارتفاع المقاصة بنسبة 6.1% إلى 3.654 مليار دولار، والإيرادات المحلية بنسبة 0.8% إلى 1.849 مليار دولار.
لكن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والإجراءات المالية المصاحبة له، وجهت ضربة شديدة للمالية العامة الفلسطينية.
وقال بشارة، إن العجز المالي للسلطة، بعد المساعدات وقبل الاقتطاعات الإسرائيلية، يبلغ حتى نهاية شهر أيلول حوالي 30 مليون دولار فقط.
وأضاف: في الأشهر التسعة الأولى من العام 2023، زادت الاقتطاعات الإسرائيلية بنسبة 79% إلى حوالي 238 مليون دولار، من 133 مليون دولار في الفترة المقابلة من العام 2022، ما رفع العجز خلال الفترة (9 أشهر) إلى 269 مليون دولار.
وخلال فترة العدوان على غزة (تشرين الأول – كانون الأول 2023)، قال بشارة إن صافي الإيرادات تراجع بنسبة 10% إلى 1.224 مليار دولار من 1.36 مليار دولار في الأشهر الثلاثة المقابلة من العام 2022.
وأضاف: أضيف إلى القرصنة الإسرائيلية من المقاصة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023 اقتطاع مخصصات غزة، (295 مليون دولار)، ما رفع العجز المالي لفترة الأشهر الثلاثة وحدها إلى 541 مليون دولار، رغم ارتفاع حجم المساعدات الخارجية بنسبة 274% إلى 116 مليون دولار (منها 88 مليون دولار مساعدات تطويرية)، من 31 مليون دولار فقط في الربع الأخير من العام 2022.
وبالاجمال، فإن العجز المالي للعام 2023 كاملا (بعد كل الاقتطاعات الإسرائيلية والمساعدات الخارجية) بلغ 810 ملايين دولار، بزيادة 76% عن العام السابق.